أدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعديلا عميقا على مرسوم صدر في بدايات حكم الرئيس الشاذلي بن جديد، بتاريخ 6 نوفمبر 1982، ولكنه لم ينشر، يتضمن إنشاء هياكل الأمن الوقائي ومهامه وتنظيمه على مستوى مؤسسات الدولة. وأفاد مصدر رسمي أن التعديل تم بموجب مرسوم رفضت رئاسة الجمهورية نشره، لسبب غير معروف. استحدث الرئيس بن جديد بموجب مرسوم يحمل رقم 385 مؤرخ في 22 ديسمبر 1984، (الجريدة الرسمية عدد 69 الصادر في 26 ديسمبر 1984)، موضوعه “التدابير المخصصة لحماية التركيبات والمنشآت والوسائل”، نشاطا جديدا ألحقه بالمديرية المركزية للأمن العسكري (التسمية السابقة للمخابرات العسكرية)، يتعلق بالوقاية الأمنية لمنشآت وبنايات هياكل الدولة، تأتي الوزارات في مقدمتها. وعلى هذا الأساس، تم توزيع ضباط من الأمن العسكري على مقرات الولايات ومباني الكثير من الهيئات الهامة، مثل المجلس الدستوري والمجلس الشعبي الوطني ومجلس المحاسبة، والمفتشية العامة للمالية. ويتضمن المرسوم كلمتين مفتاحيتين هما: “نقاط حساسة في الدولة” و«الأمن الوقائي”، ولم يذكر “حماية المنشآت”، ولا يزال النص ساريا. ويتضمن النص أيضا إحالة على مرجعية هامة، لتبرير إصداره، تتعلق بمرسوم سابق يحدد مهام المديرية المركزية للأمن العسكري، يحمل رقم 368 المؤرخ في 20 نوفمبر 1982 المنشور (الجريدة الرسمية عدد 48 الصادر في 30 نوفمبر 1982). وتوجد وقاية المنشآت الحكومية ضمن هذه المهام، وبذلك فالشاذلي بن جديد هو أول رئيس قنن دور المخابرات بأن وضّح مجال تدخلها، وهي السهر على أمن الجيش وتدارك والقضاء على ما يمس بأمن البلاد، والتصدي للجوسسة بما يحمله هذا الدور من أنشطة كثيرة، أهمها التنصت على المكالمات الهاتفية. فضلا عن ذلك، يحارب الجهاز الجريمة الاقتصادية في إطار الشرطة القضائية. وأضيف إليه في وقت لاحق، مراقبة وسائل الإعلام وتتبع كتابات الصحافيين، وأوكلت هذه المهمة لهيكل يسمى “مصلحة الاتصال والبث” وضع على رأسها ضابط مخابرات. كل الصلاحيات المذكورة كانت من صميم عمل المديرية المركزية للأمن العسكري بوزارة الدفاع، التي تحوّلت في بداية التسعينات إلى “دائرة الاستعلام والأمن” بالوزارة، بناء على مرسوم لا أثر له في الجريدة الرسمية، لأن السلطة في ذلك الوقت رفضت نشره ولسبب غامض. ولكن الملاحظ أن النافذين في البلاد منحوا “الدائرة” دورا غير محدود في البلاد، إذ تعدّت صلاحياتها المنصوص عليها في المرسوم، فتدخلت في الحياة السياسية وفرضت قيودا قاهرة على حرية المواطنين. وجميع هذه الصلاحيات نزعها الرئيس بوتفليقة من جهاز الاستخبارات العسكرية في ظرف عامين، بعضها ألحقه بالرئاسة، مثل التنصت على الاتصالات التي يقوم بها المسؤولون، والبعض الآخر كلف بها قيادة أركان الجيش، مثل أمن الجيش والشرطة القضائية. أما فيما يخص إبعاد المخابرات عن وقاية المنشآت الحساسة التابعة للدولة، فلا يعرف مصير الضباط، وهم في غالبيتهم برتبة عقيد، الذين كانوا مكلفين بهذه المهمة. ولكن المؤكد أن الهياكل الحكومية التي وصفها المرسوم ب«الاستراتيجية”، أصبحت بعد قرار الرئيس بنايات عادية شبيهة بأكشاك بيع السجائر!! وفي هذه الحالة، من يتحمل المسؤولية في حال تعرض وزارة لتفجير مثلا؟ هل مطلوب من الوزير من الآن فصاعدا توقع المخاطر بنفسه بعد طرد الكولونيل الإستخباراتي من الوزارة؟ ومادامت الدولة استغنت عن الأمن الوقائي في هياكلها، فما لزوم احتفاظ الوزراء بالحرس الخاص المكلف بوقايتهم من الأخطار والتهديدات؟ والأهم من هذا، ما الدافع إلى هذا القرار؟ ماذا يجري في خلد الرئيس بشأن مستقبل الجهاز الأمني؟ والمثير للانتباه في القرارات الهامة، التي “فكك” بها بوتفليقة جهاز الأمن العسكري، أنها بدأت بتجريده من الشرطة القضائية، وجاء ذلك كرد فعل على إصدار مذكرة دولية بالقبض على شكيب خليل. ونزل القرار بعد “الهجوم التاريخي” لعمار سعداني على جهاز الأمن الداخلي والجنرال “توفيق”. وعلى عكس الصلاحيات والأنشطة الأخرى، نزع بوتفليقة الضبطية القضائية من “الدي.أر.أس” بمرسوم نشر في الجريدة الرسمية، ثم أعاد إحياء المصلحة نفسها، مع بعض التحويرات، وبفارق جوهري، هو حرمانها من التحقيق في قضايا الفساد.