سحب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من ضباط الشرطة القضائية التابعين للمخابرات العسكرية، بموجب مرسوم تنظيمي، صلاحيات واختصاصات منحها لهم نص تشريعي صوَت عليه البرلمان. فقانون الإجراءات الجزائية ينص أن مجال تدخل الضبطية القضائية ل”دي أر أس” عام ويشمل كل الجرائم بدون استثناء. برغم التغييرات الهيكلية التي أجراها بوتفليقة في سبتمبر الماضي على مختلف فروع المخابرات، وما تلاها من إجراءات كان آخرها المرسوم الذي يمنع على الجهاز الأمني التحقيق في ممارسات الرشوة والفساد، إلا أن ضباط دائرة الاستعلام والأمن لا زالوا يحتفظون بصلاحية التحري وتعقَب مرتكبي الجرائم، مهما كان نوعها بفضل صفة الضبطية القضائية التي يعطيها لهم القانون، مثلهم مثل رجال الدرك والأمن الذين يملكون نفس الصفة، بمعنى أعوان الشرطة القضائية. وهذا الاختصاص تمنحه لهم المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية، التي تفيد بأن ضباط الشرطة القضائية يملكون صلاحية البحث والتحري عن الجرائم المقررة في القانون الجزائي، وجمع الأدلة عنها وتعقَب مرتكبيها وتقديمهم إلى القضاء. للتذكير صدر بالجريدة الرسمية عدد 32 بتاريخ 12 جوان الحالي، مرسوم رئاسي يحمل رقم 14-183 يتضمن إنشاء مصلحة التحقيق القضائي لمديرية الأمن الداخلية بدائرة الاستعلام والأمن، حدد مجال تدخلها في الوقاية من التدخل الأجنبي (الجوسسة المضادة) والوقاية من الإرهاب والأفعال التي تمس بأمن الدولة والوقاية من الأنشطة التخريبية ضد مؤسسة الدولة، ومحاربة التنظيمات الإجرامية التي تمس بالأمن الوطني (الجريمة المنظمة)، ومحاربة الجرائم الإلكترونية. واستثني من مجالات تدخل المصلحة، بشكل واضح، كل ما يتعلق باختلاس المال العام والرشوة أو ما يعرف ب”جرائم الفساد”. وعن التناقض بين مرسوم بوتفليقة وقانون الإجراءات الجزائية، بشأن اختصاص الضبطية القضائية التابعة ل”دي أر أس”، يقول القاضي السابق المختص في القانون العام، عبد الله هبّول، ل”الخبر”: ”عندما تقول المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية، إن ضباط الشرطة القضائية يمكنهم التحري في الجرائم المنصوص عليها في القانون الجزائي، يعني أن مجال تدخلهم يغطي الأفعال الإجرامية المذكورة في قانون العقوبات وقوانين الصحة والمخدرات والتهريب والإعلام إلخ... والمقصود من هذا أنهم أصحاب اختصاص عام. وبهذا فالمرسوم الذي أصدره الرئيس بوتفليقة، وهو رئيس السلطة التنفيذية، مخالف للمادة 12 المذكورة زيادة على أن المرسوم ذو طابع تنظيمي أي أقل درجة من القانون الذي هو نصَ تشريعي”. ويرى القاضي، الذي كان نقابيا، أن ”إعادة النظر في صلاحيات الضبطية القضائية كما جاء في مرسوم بوتفليقة، ينبغي أن تتم بنص تشريعي. أقصد أن تعد الحكومة نصا وتعرضه على البرلمان ليكون منسجما مع القانون، ومع نص المادة 122 من الدستور فقرة 7، التي تقول إن وضع قواعد الإجراءات الجزائية هي من اختصاص المشرع”. وأشار هبّول إلى مرسوم رئاسي أصدره بوتفليقة في 27 أفريل 2009، يحدد مهام واختصاصات الدرك الوطني لا يتضمن، حسبه، أي حدود لاختصاصات الشرطة القضائية لهذا الجهاز. وبما أن الرئيس استثنى جرائم الفساد من اختصاصات ”دي أر أس”، دونا عن الأمن والدرك الوطنيين، فالمرجح أن بوتفليقة غير راض عن عمل (أو أعمال) قام بها ضباط المخابرات في ملفات معينة. وقد جاءت التغييرات في سبتمبر الماضي، مباشرة بعد عودة بوتفليقة من رحلة العلاج بباريس، وفي فترة غيابه تفجرت قضية سوناطراك 2 والشبهات التي حامت حول وزير الطاقة السابق شكيب خليل. فهل لتجريد المخابرات من صلاحية التحقيق في الفساد، علاقة بهذه القضية؟ أنشر على