تلقى رؤساء مجالس القضاء والنواب العامون بها، يوم 8 أكتوبر الماضي، مراسلة من وزير العدل، الطيب لوح، تأمرهم بتوزيع نسخ طبق الأصل من قرار رئيس الجمهورية إلغاء هيكل الشرطة القضائية التابع لجهاز المخابرات. وفهم قضاة النيابة هذا التصرف على أنه تشجيع لهم لاسترجاع ملفات التحقيق التي بحوزة جهاز الأمن، الذي غاص في ملفات فساد مثيرة، أخطرها ”سوناطراك 1” و”سوناطراك 2”. في 13 من نفس الشهر، أرسل رئيس مجلس قضائي يقع في غرب البلاد مع النائب العام به، مراسلة مشتركة (تحوز ”الخبر” نسخة منها)، إلى وكلاء الجمهورية ورؤساء المحاكم ذات الاختصاص، تتضمن نسخة مطابقة للأصل من المرسوم الرئاسي رقم 309 - 13 المؤرخ في 8 سبتمبر 2013، المتضمن إلغاء المرسوم الرئاسي رقم 52 - 08 المؤرخ في 9 فيفري 2008 المتضمن إحداث مصلحة مركزية للشرطة القضائية للمصالح العسكرية للأمن، التابعة لوزارة الدفاع الوطني. وكتب في نهاية المراسلة جملة: ”للتنفيذ وإخبار السادة قضاة التحقيق”. يشار إلى أن هذه الجملة تتضمن أن يخبر وكيل الجمهورية قاضي التحقيق بالأمر، مع أنه ليس تابعا له !!. اللافت في تصرف وزير العدل الطيب لوح، أنه تعمد إرسال القرار الرئاسي الأصلي (تملك ”الخبر” نسخة منه) الذي يحمل ختم رئاسة الجمهورية والإمضاء الشخصي لعبد العزيز بوتفليقة. وجرت العادة أن النسخ الأصلية من مراسيم الرئيس تبعث إلى الأمين العام للحكومة ليسهر على نشرها بالجريدة الرسمية، التي لا يصدر بها لا توقيع الرئيس ولا ختم الرئاسة. واللافت في الموضوع، أيضا، أن الوزير لوح أمر بتوزيع النسخة الأصلية من القرار بعد نشره في الجريدة الرسمية التي صدرت في 18 سبتمبر الماضي عدد 45 بأكثر من شهر. وقد فهم وكلاء الجمهورية، وهم قضاة النيابة يتبعون للوزير مباشرة، مراسلة لوح على أنها تعليمة لسحب ملفات التحقيقات من مصلحة الشرطة القضائية التي تتبع لدائرة الاستعلام والأمن، بعد أن ألغاها بوتفليقة. وذكر قاض معني بالموضوع: ”شخصيا فهمت المراسلة كما يلي: لا تخافوا من مطالبة المخابرات بملفات التحقيق، فأنتم لديكم حماية رئيس الجمهورية”. وتساءل نفس القاضي: ”لماذا تحاشى الوزير إيفادنا بصور من المرسوم الذي صدر في الجريدة الرسمية، وأرسل بدل ذلك نسخة أصلية من القرار؟ أليس في هذا التصرف دلالة معينة؟”. ويفترض أن القضاة المعنيين على دراية بأن الرئيس ألغى المصلحة بمرسوم، وأنهم يعلمون أن القرار منشور في الجريدة الرسمية وقد كتبت عنه الصحافة، ولم يكونوا بحاجة إلى أن توضع بين أيديهم نسخة أصلية من القرار، لولا أن وزير العدل أراد أن يشجعهم على تطبيق مضمون المرسوم، وهو أن يستلموا التحقيقات التي بدأتها المخابرات. ولكن لا أحد من الذين وجهت إليهم تعليمات الوزير يدري ما إذا كان الهدف هو أن يستكمل القضاء التحقيقات أم سيضعها جانبا ! جدير بالذكر أن ضباط شرطة المخابرات العسكرية لازالوا يحملون صفة الضبطية القضائية بموجب قانون الإجراءات الجزائية. بمعنى أن بوتفليقة نزع منهم الهيكل وليس الصفة. بعبارة أوضح، لازال ضباط المخابرات يملكون صلاحية التحري وتوقيف الأشخاص محل شبهة. وتفيد مصادر قضائية على دراية بمراسلة لوح وخلفياتها، بأن وكلاء الجمهورية أبدوا خوفا من مطالبة المشرفين على المصلحة التي ألغيت بتسليمهم ملفات التحقيق، فهم لم يسبق أن فعلوها أبدا، زيادة على أن غالبية قضاة النيابة لم تخبرهم شرطة المخابرات بفتح التحقيقات التي تعلقت في أغلبها بالفساد، وتورط في بعضها مسؤولون كبار في الدولة. وحتى في حالة مطالبة ضباط المخابرات الذين أجروا التحقيقات بتسليم الملفات، هل يضمن لوح استجابتهم لأوامره المرسلة للنيابة؟ وهل وضع لوح نفسه ومعه قضاة النيابة في مواجهة مفتوحة مع المخابرات من خلال هذه التعليمة؟ ومعروف لدى المشتغلين بالقانون، أن قانون الإجراءات الجزائية يلزم الشرطة القضائية للمصالح العسكرية والأمن الوطني والدرك الوطني، بإشعار وكلاء الجمهورية بالتحقيقات التي يفتحونها، طبقا للمادة 18 من القانون.