انطلق عليه الصّلاة والسّلام بتدرّج في تحرير الرّقيق مُقرًا لكلّ إنسان بوصفه إنسانا حقّ الحرية، محرّمًا استرقاق الحرّ دون سبب مشروع غالبًا ما يكون بعد الأسر في الحروب، وقد هيّأت هذه الخطوات المتدرّجة الضمير البشري لإلغاء الرّق. وانسجامًا مع هذه التّعاليم الّتي تُكرّم الإنسان، ولا تفرّق بين أجناسه وعناصره، أقرّ الإسلام للمرأة بأهليتها في الحقوق المدنية والمالية، وجعلها مساوية للرّجل في المجال الدّيني والإنساني والاجتماعي، وبلغ من تكريمها ما لم يبلغه تشريع اجتماعي في القديم ولا في الحديث. ذلك بأنّ المرأة في نظر الإسلام شريكة الرّجل في حياته، وجزء متمّم له لابدّ أن يرتبط به ارتباطًا مقدّسًا يقوم على الوُد والرّحمة والحنان كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} الروم:21. والنّاس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصّلة بين الجنسين وتدفع خطاهم وتحرّك نشاطاتهم، تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتّجاهات بين الرّجل والمرأة، ولكنّهم قلّما يتذكّرون يد الله الّتي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم لهذه العواطف والمشاعر وجعلت في تلك الصّلة سَكَنًا للنّفس والعصب وراحة للجسم والقلب واستقرار الحياة والمعاش، وأنَسًا للأرواح والضّمائر واطمئنانًا للرّجل والمرأة على السّواء، لعلّ النّاس يتفكّرون.. فيُدركون حكمة الخالق جُلّ علاه في خلق كلّ من الجنسين على نحو يجعله موافقًا للآخر، ملبيًا لحاجته الفطرية: نفسية وعقلية وجسدية، حيث يجد عنده الرّاحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء، والمودّة والرّحمة، لأنّ تركيبتهما النّفسية والعصبية والعضوية ملحوظ فيها تلبية رغائب كلّ منها في الآخر وإتلافهما وامتزاجهما في النّهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثّل في جيل جديد. وأوضح الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم هذه الوشيجة في حديث رواه ابن عساكر عن عليّ كرّم الله وجهه بأنّه قال: ”مَا أكْرَمَ النِّساء إلّا كريم ولا أهانَهُنّ إلّا لئيم”، وقال في حديث أخرجه الإمام أحمد مسنده: ”إنّما النّساء شقائق الرّجال”.