خرج منشطو الملتقى الوطني الثاني حول ظاهرة العنف في الرياضة، المنعقد بالمركز العالي لتكوين إطارت الشبيبة والرياضة بقسنطينة، وبالتنسيق مع معهد التطبيقات النفسية والتربوية بجامعة قسنطينة 2، على مدار يومين دراسيين، بنظرة تشاؤمية لما يخلّفه هذا الداء من عنف في الحقل الرياضي، والذي، حسبهم، انعكس سلبا على الحياة اليومية لفئات عديدة داخل المجتمع، يأتي في مقدمتها الأطفال الذين صاروا الأكثر عرضة لهذه الظاهرة من خلال سلوكياتهم العدوانية، سواء في محيطهم الاجتماعي والمدرسي، حيث عرض الأستاذ عزيون صالح من جامعة قسنطينة 3 في مداخلته الدراسة التي قام بها على طفلين لا يتجاوز عمرهما 12 و13 سنة عن طريق الرسم الحر، حيث خلصت النتيجة إلى العدوانية التي تميز بها هذان المرهقان في تعبيرهما عن هذه الظاهرة. كما أكدت هذه الدراسة أن الطفل أصبح المتلقي الأول لكل أشكال العنف الذي بدوره يقوم بإسقاطه على سلوكه اليومي، سواء أثناء اللعب أو في معاملته مع المحيط الذي يعيش فيه. فشل النظام الاجتماعي وراء تفاقم ظاهرة العنف في المجتمع يتوقع المختصون في هذا المجال ارتفاع معدلات العنف في السنوات القادمة. وبحسب الدراسات التي قاموا بها، يعود سببها إلى فشل النظام الاجتماعي بالدرجة الأولى، وأشاروا في خضم مداخلاتهم إلى ضرورة تكتف كل مكونات المجتمع من أجل الحد من تفاقم هذه الظاهرة، وذلك من خلال الاستثمار في الفرد والتركيز على التربية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة، انطلاقا من الأسرة التي تعد الانطلاقة الأولى للعنف اللفظي والجسدي عند الطفل الذي، حسبهم، يعكس هذا السلوك فيما بعد في مراحل من عمره على المجتمع، سواء في الشارع أو المدرسة أو مكان العمل. كما لم يغفل المتدخلون التطرق للبعد النفسي والاجتماعي لهذه الظاهرة، التي أصبحت سائدة في كل مجالات الحياة، حتى أرقى الأماكن كالمسجد الذي لم يسلم منها بدوره، وهو كما يؤكد فشل النظام الاجتماعي في خلق ميكانزيمات وآليات جديدة وحديثة، تتماشى وتطور المجتمع. فحسب الأستاذ داود محمد من المعهد العالي لتكوين إطارات الشبيبة والرياضة بقسنطينة، فإن الفرد وليد مجتمعه، ولتفسير سلوك الشاب يجب العودة إلى طفولته التي تعد المنطلق لكل سلوك، الذي بدوره يعكسه على حياته وسلوكياته العامة. الأستاذ ڤرفي عبد العزيز: “ظاهرة العنف فطرية ويجب الاستثمار في الفرد” واعتبر الأستاذ ڤرفي، إطار من المعهد العالي لتكوين إطارات الشبيبة والرياضة بقسنطينة، أن الاعتقاد الذي كان سائدا أن ظاهرة العنف اجتماعية، غير أنه مع الوقت تبين وبفضل البحوث والدراسات التي أنجزها الخبراء في هذا المجال، أنها فطرية وليست مكتسبة، مقدما أمثلة من كل الحقب التي عايشتها البشرية، مشيرا إلى أن أول عنف ارتكب كان في فجر الإنسانية بمقتل قابيل على يد هابيل، ثم داحس والغبرة عند العرب، مرورا بالأحداث الدامية التي عرفتها الملاعب الأوروبية (حادثة الهايسل) والحرب بين الهندوراس والسلفادور (في إطار تصفيات مونديال المكسيك لعام 1970)، وأحداث ملعب الإسكندرية بمصر التي أدت إلى وفاة 73 مناصرا، قبل أن يعرج على حادثة وفاة اللاعب الكاميروني إيبوسي بملعب تيزي وزو. هذه الوقائع كلها تؤكد، حسب المتدخل، على أن العنف فطري وليس مكتسبا، وهذه الظاهرة لم تستثن البلدان الإسكندنافية التي تعد من أرقى الشعوب في العالم. وللحد من العنف بكل أنواعه، يرى الأستاذ المتدخل أن أحسن وسيلة هي الاستثمار في الفرد على المدى البعيد، من خلال إعطاء الأهمية القصوى للتربية والاعتماد على مؤطرين أكفاء تحصلوا على تكوين حقيقي في المجال، مستطردا أن يكون للاعب الذي سبق له ممارسة كرة القدم القدرة على الإشراف على قيادة فريق كروي، خاصة على مستوى الأصناف الصغرى، لأنه ببساطة غير مؤهل لذلك ما لم يحصل على التكوين الضروري لهذه المهمة، وبالتالي سيعيد السلوكيات التي كان يقوم بها عندما كان لاعبا أمام هؤلاء اللاعبين الصغار، مختتما تدخله بعدم انتظار هذه النتائج في القريب العاجل، وإنما على المدى البعيد. الأستاذة فارس الزهرة: “تكامل المنظومات من أجل إيجاد مجتمع متوازن ضروري “ قالت الأستاذة فارس زهرة من جامعة أم البواقي، إن هناك قطيعة بين المنظومات في المجتمع الجزائري، إذ أنه لا يجب أن تكون هناك قطيعة بين المنظومات السائدة في المجتمع، سواء أكانت المنظومة الأسرية أو التربوية أو الإعلامية، وحتى الأمنية، فالدراسة التي قامت بها حول الدلالات النفسية والأبعاد الاجتماعية للعنف الرياضية “مقارنة تحليلية”، ركزت على الأسرة باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع “فالطفل العنيف نتاج الأسرة المعنفة، وبالتالي فإنه سيستعمل هذا العنف في ميادين أخرى، فالعنف في الملاعب ما هو إلا تنفيسا من قبل الطفل أو الشاب أو المراهق للتعبير عن الضغوط التي يعيش على وقعها”، معتبرة أنه لا يجب تغييب المشاكل الاقتصادية الاتي يتخبط فيها مجتمعنا الذي يعيش حالة فقر وبطالة وأزمة سكن وشغل، فهذه الأزمات بمقدورها، حسب الأستاذة، التأثير بشكل واضح وعميق على طبيعة المجتمع. الدكتور بوطبة مراد: “إنشاء نظام ذهني جديد مطلب ضروري للحد من العنف “ انتقد الدكتور بوطبة مراد من جامعة أم البواقي بشدة الدولة التي، حسبه، لم تقدم الإمكانيات اللازمة لمساعدة الباحثين على تقديم التشخيص الضروري لظاهرة العنف من خلال تفعيل بحوث الباحثين والأكاديميين في هذا المجال، سواء على المستوى المحلي أو الوطني. واقترح الدكتور بوطبة إخضاع كل الفاعلين في الحقل الرياضي إلى إنشاء نظام ذهني جديد، الذي يتمحور، حسبه، حول التكوين من الناحية الذهنية، بمشاركة اللاعبين والمدربين والأنصار ورؤساء الأندية. وحسب المتدخل، فإن مثل هذه الأساليب متبعة في أوروبا وأمريكا الشمالية، والهدف منها هو دراسة نفسية اللاعبين وجعلهم يتحكمون في ردود أفعالهم على أرضية الميدان، والأمر ذاته ينطبق على المشاركين في هذه المهمة، سواء بطريقة مباشرة (اللاعبون والمدربون) أو بطريقة غير مباشرة (المسيرون والأنصار ورجال الأمن). الدكتورة نبيلة بوخبزة: “الإعلام الرديء يساهم بشكل سريع في نشر ثقافة العنف “ اعتبرت الأستاذة بوخبزة نبيلة من جامعة الجزائر 3، أن الإعلام يلعب دورا مباشرا في نشر ثقافة العنف. فحسب المتدخلة، فإن الإعلام يعد سلاحا ذا حدين، فوسائل الإعلام التي تدرك مسؤولياتها مع مجتمعها تستطيع أن تكون أداة إصلاح. أما تلك التي تتحرك بدوافع تجارية أو نفعية محضة، فإنها تتحول إلى آلة هدم وتخريب لأركان وكيان المجتمع، مشيرة في تحليلها إلى مضامين بعض مختلف وسائل الإعلام التي تساهم في إذكاء ونشر العنف من خلال الكتابات الصحفية العنيفة التي تساهم في استثارة مكامن العنف والتطرف والعصبية، التي بدورها تنمي سلوكيات العنف بتركيزها على الإثارة واللعب على العواطف وإثارة النعرات وبث قيم عدوانية تؤسس فيما بعد للثأر والانتقام. كما تطرقت المتدخلة إلى بعض العناوين التي تنتهج أسلوب الشتم والاتهامات المتبادلة، بدل من إعلام الأدلة والقرائن، بحثا عن كسب أكبر عدد ممكن من الجماهير لمتابعة الوسيلة الإعلامية والتسويق، من خلال تصوير مقابلة رياضية عادية على أنها معركة حربية، أو باستعمال ألفاظ وعبارات قوية على ألسنة المعلقين، ك”مباراة تدور رحاها بين فريقين..” و”معركة بملعب..”، و”مقابلة مصيرية الفوز فيها حياة أو موت..”.