شهد العنف في الوسط المدرسي بالجزائر في الأسابيع الأخيرة تصاعداً ملحوظاً من خلال تسجيل عدد من حوادث الاعتداء على أساتذة وتلاميذ بالمدارس في مختلف أنحاء الوطن، بحيث سجلت المدرسة الجزائرية 71 حالة عنف خلال السداسي الأول من السنة الجارية حسب آخر الإحصائيات الواردة من المديرية العامة للأمن الوطني، ما دفع الأسرة التعليمية إلى دق ناقوس الخطر والتداعي إلى عقد ملتقيات وندوات لتشريح أسباب تصاعد هذه الآفة وأنجع السبل لمكافحتها. طبعا العنف المدرسي أخذ مستويات كبيرة، ولكن المثير في الأمر أن هذه المستويات لم تبرز إلا عندما بدأ الحديث عن الظاهرة، بعبارة أخرى، فإن التناول الإعلامي والرسمي للعنف المدرسي هو الذي خلق حالة من الاهتمام داخل المجتمع لم تكن موجودة سابقا، ليس لأنها لم تكن موجودة فعلا، بل لأننا لم نكن نتكلّم عنها بما يكفي، حيث سُجلت خلال العام الماضي حوادث عنف عدة داخل الوسط المدرسي، انتهى بعضها إلى الموت، ولعل أشهرها قتل طالب ثانوي زميلاً له بطعنة سكين بسبب خلاف بسيط بينهما، كما تمّ تسجيل حالات طعن بالسكاكين في مدارس ثانوية بالعديد من الولايات، وحسب آخر إحصائيات جمعيات أولياء التلاميذ فإنها تستقبل سنوياً ما بين 100 و150 حالة عنف متبادل بين الأساتذة والتلاميذ، منها ما يتعلق بضرب الأساتذة للتلاميذ، وأخرى تتعلق باعتداء التلاميذ على الأساتذة. منع ضرب التلاميذ أطلق العنان للظاهرة ومن هذا المنطلق قامت (أخبار اليوم) بزيارة إحدى المدارس ببلدية برج الكيفان، حيث تحدث الكثيرُ من الأساتذة بمرارة كبيرة كيف أنهم ضاقوا ذرعاً بتشويش بعض تلاميذهم، فقاموا بضربهم بعد أن نصحوهم طويلاً دون جدوى، برغم أن وزارة التربية تمنع العقاب البدني للتلميذ مهما كانت الأسباب، فحضر أولياؤهم وأقاموا عليهم الدنيا ولم يقعدوها، في هذا السياق، يقول كسراوي، أستاذ الفرنسية (أذكر أنني حينما كنتُ تلميذاً وأعود إلى البيت مساء، كنتُ أكتم عن والدي خبر ضرب أيٍّ من أساتذتي لي، لأن أبي كان يعتبر ذلك دليلاً على تهاوني أو تشويشي، فيعاقبني بدوره، أما الآن فلا تكاد تضرب طفلاً حتى يأتي أبوه للتهجم عليك وإهانتك أمام التلاميذ، وهذا ما أفسد أخلاقهم وجعلهم يتجرؤون علينا أكثر)، ويضيف (أغلب الأساتذة ملّوا هذه المهنة لأنها لم تعد تحفظ لهم هيبتهم ووقارهم، وبعضهم اتجه إلى مهن بديلة، وآخرون في الطريق، ويرى كسراوي أن أفلام العنف والجريمة التي يشاهدها الطفل في بيته دون أن يمنعه والداه، وكذلك ألعاب الفيديو المبنية أساساً على العنف، تشكل عوامل مغذية لهذه الآفة التي يدفع ثمنَها الأساتذة والإدارة. العنف خطر يهدد المنظومة التربوية ومن جهتها حذرت النقابة الوطنية لعمال التربية وزيرة التربية من تجاهل ملف العنف المدرسي الذي يشكل عائقا في سبيل كل مسعى لتطوير نوعية التعليم وتحسين مردود النظام التربوي، والذي قد يفشل الإصلاحات التي باشرت بها في القطاع، لذا يجب الحد من هذه الظاهرة التي وصلت إلى الطور الابتدائي بعد أن اقتصرت فيما سبق على الطورين المتوسط والثانوي فقط. كما أكدت النقابة الوطنية لعمال التربية أن التكفل بظاهرة العنف في الوسط المدرسي تستلزم تحليل طبيعتها ووتيرتها وأسبابها ونتائجها، ويتعين التمييز بين العنف داخل المدرسة والعنف الناجم عن ظروف اجتماعية واقتصادية في فترات وأزمة معينة، مؤكدة أن العنف الناجم عن الظروف الاجتماعية يغذى العنف المدرسي بدرجة عالية كونها تنغمس في التطور الطبيعي لظاهرة العنف في الوسط المدرسي. واعتبرت النقابة أن العنف في الوسط المدرسي لا يمكن إرجاعه إلى الفشل الدراسي وقلة الفضاءات الثقافية والرياضية والترفيهية فقط وغيرها، بل له عوامل أخرى لها علاقة بالأسرة، كاضطراب العلاقة بين الوالدين وتفكك الأسرة أو فقرها. التربية والتنشئة الاجتماعية... للحد من العنف وعليه ارتأت (أخبار اليوم) الاتصال بالأستاذة (فاسي) للاستفسار حول الموضوع، حيث أكدت على أن عدة دراسات سوسيولوجية ونفسية أجمعت أن العنف ظاهرة اجتماعية لها أسباب ومسببات نفسية واجتماعية من أبرزها القهر الاجتماعي والاقتصادي، وأن التصدي لها رهين بالتربية والتنشئة الاجتماعية القائمة على تكوين النشء الصاعد على التسامح والتفاهم والحوار ونبذ العنف بأشكاله المتعددة. وتعد المدرسة، باعتبارها فضاء مصغرا وصورة عاكسة لواقع المجتمع، من الفضاءات التي لم تنج هي الأخرى من بعض أشكال العنف، حيث شهدت في السنين الأخيرة أنواعا من العنف سواء كان ماديا من خلال تكسير ممتلكات المؤسسة التعليمية بدءا بتكسير زجاج النوافذ ومصابيح الأقسام وسرقتها وكتابة خربشات وكلمات على طاولات القسم بعضها يكون مخلا بالأخلاق، وكذا الكتابة على جدران المراحيض وأبوابها وتكسير صنابيرها وسرقتها، أو كان عنفا رمزيا من خلال السب والشتم في حق الأستاذ أوالتلميذ معا. ولعل ما سجل في السنتين الأخيرتين من حالات ببعض النيابات التعليمية التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين يبين مدى انتشار ظاهرة العنف في الوسط التعليمي، بالرغم من أنها تبقى استثنائية، لكن تؤشر على تزايد الظاهرة بالثانوي والإعدادي والابتدائي، التي تحتاج إلى معالجة من جميع المتدخلين في القطاع، وإلا سينعكس تأثيرها السلبي على المردودية والتحصيل الدراسي ويساهم تكرارها في عرقلة السير العادي للدروس. صحيح أن دور المدرس لايقتصر على التكوين والتلقين للدروس، بل يتعداه كذلك إلى التربية، فهو المثال والقدوة بالنسبة للتلاميذ، فهم ينظرون إليه على أنه بمثابة الأب، لكن هذه الصورة قد تتزعزع أحيانا ليس لدى جميع التلاميذ وإنما لدى بعضهم، خاصة إذا وقع اصطدام طارئ بين التلميذ ومدرسه لسبب من الأسباب. فغالبا ما يفهم التلميذ الحرية بشكل مغلوط، حين يعتبر تكلمه في القسم بدون إذن، أو إحداث الفوضى في القسم أو عدم إنجازه للتمارين وما يترتب عنها من زجر أو عقوبة أو لوم من طرف مدرسه، تجاوزات من قبل الأستاذ، فيقع الاصطدام بينه وبين التلميذ، وقد يتطور ذلك إلى السب والشتم والضرب المتبادل، مايجعلها ظاهرة لابد من النظر إليها في أقرب الآجال.