كشف تقرير خاص أصدره مجلس المحاسبة الكثير من الخبايا بخصوص التغييرات الهامة التي قامت بها وزيرة الثقافة نادية لعبيدي بمجرد توليها المنصب، وهي لاتزال تقوم بعملية تطهير الوزارة من عناصر يمكن وصفهم بأتباع النظام القديم الذي أدخل وزارة الثقافة، حسب وثيقة لمجلس المحاسبة تحوز ”الخبر” على نسخة منها، في متاهة من ”الفساد المالي والفوضى في التسيير”، حيث تشير الأرقام التي رصدها المجلس إلى تجاوزات خطيرة عرفتها فترة الوزيرة السابقة خليدة تومي. جاء في تقرير مجلس المحاسبة أن الأرقام المسجلة في الحساب الإداري لوزارة الثقافة خلال سنوات إشراف خليدة تومي عليها تنقصها المصداقية، لاسيما في مجال الإعانات الممنوحة للمؤسسات تحت الوصايا والتي تعتبر مستهلكة عند تحويلها، في حين تظهر الوضعيات المالية لهذه المؤسسات رصيدا إجماليا بمبلغ ألف وسبعمائة مليار سنتيم، كما رصد التقرير نقصا في المناصب العليا المنصوص عليها، ومناصب غير مشغولة على مستوى الإدارة المركزية وعدم الاهتمام بأشغال الجرد السنوي. وأشارت وثيقة مجلس المحاسبة الخاص بعام 2012، إلى أن وزارة الثقافة قامت بتخصيص ميزانيات لمؤسسات ليس لها وجود قانوني مثل مكتبات المطالعة العامة لولاية سطيف، برج بوعريريج، باتنة والوادي والتي خصصت لها ميزانية 91 مليون دينار و150 منصب ميزانياتي، بالإضافة إلى خمسة مسارح جهوية توجد في نفس الوضعية، حيث استفادت من اعتماد إجمالي قدره 130 مليار سنتيم. كما رصد التقرير تجاوزات على مستوى برنامج التكوين والتدريب، حيث تم ملاحظة أن الاعتماد المخصص للتكوين في ميزانية تسيير الوزارة للسنة المالية 2012 لا يمثل سوى 0.1 من الاعتمادات المراجعة أي ثلاثين مليون دينار من مجموع 26 مليار دينار، زيادة على ذلك فإن هذا الاعتماد لم يتم استهلاكه إلا في حدود 14 بالمائة فقط. وكالة الإشعاع الثقافي في قلب ”الفضائح” بالنسبة للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، فقد تمت ملاحظة غياب إجراءات الرقابة الداخلية، بالإضافة إلى التقرير حول التسيير وكذا ملحق الجداول المالية المنصوص عليها وفق القانون المتعلق بنظام المحاسبة المالية ولم يتم إعدادها أصلا، ومن ذلك المخصصات المالية لإنجاز عدد من الأفلام. كما أشار التقرير إلى أن الجهة المعنية لم تقم بأي عمل رقابي من طرف مصالح الآمر بالصرف من أجل الاستعلام عن استعمال الأموال كما هو منصوص عليه في القانون، واقتصرت المهمة على فحص الملفات المقدمة من طرف المخرجين، كما لم تتم مراسلة وزارة المالية. وجاء في التقرير أيضا أن مصالح الآمر بالصرف ”الإشعاع الثقافي” مازالت تمول المنتجين الذين لم يحترموا الآجل التعاقدية، حيث يوجد أحد عشر فيلما معنيا بهذا التمويل الذي وصل مبلغه الإجمالي خلال سنة واحدة إلى 22 مليون دينار جزائري. كما أشار التقرير في بند ”صندوق تنمية الفن والسينما وتقنياته وطباعتها” إلى أن وزارة الثقافة أنتجت في الفترة ما بين 1992 إلى غاية 2011 ثمانية وتسعين فيلما بمبلغ إجمالي قدره 634 مليون دينار. وقد أكدت وزارة الثقافة في ردها مؤخرا على استفسارات المجلس، أنها ستتخذ كافة التدابير اللازمة من أجل إلزام الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بتقديم تقرير مفصل حول استعمال التخصيصات الممنوحة لها. رصد مجلس المحاسبة مخالفات مالية خطيرة داخل مبنى الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، حيث تم تسجيل وجود فوارق بمبالغ قدرها 52 مليون دينار جزائري على الجرد غير مفسرة، في مقابل ذلك أشار التقرير إلى أن الصندوق الوطني لتحضير وتنظيم تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 والذي سجل إثره الحساب المالي المنشأ سنة 2011 مشاكل، حيث لم يقفل الحساب بسبب وجود دين بمبلغ يفوق مائة وأربعة ألف مليار سنتيم مستحق للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وهو ما يمثل تجاوزا للاعتمادات. كما تناول التقرير مبلغ ال257 مليار سنتيم الذي خصص لفائدة الديوان الوطني للثقافة والإعلام لأشغال ترميم المنشآت المنجزة في قرية الفنانين لأغراض تظاهرة المهرجان الثقافي الإفريقي 2009، وهذا منذ أقل من ثلاث سنوات وتمت مباشرة هذه الأشغال من أجل استدراك العيوب والملاحظات لاسيما في أشغال الترصيص وكهرباء العمارات. من جهة ثانية، كشف التقرير أن الصندوق الوطني لتحضير وتنظيم تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية سنة 2011، لايزال يعرف العديد من التجاوزات، حيث لم يتم إعداد حصيلة نهائية للتظاهرة إلى غاية اليوم، كما لم يتم تقديم الحصيلة من طرف ثلاث عشرة دائرة مكلفة بتنفيذ التظاهرة من مجموع أربع عشرة دائرة، ولم يتم إقفال الحساب بعد بسبب عدم إتمام عمليات التسديد والجرد، وهو ما أرجعته وزارة الثقافة إلى مشكل دفع المستحقات لبعض المتعاملين وإتمام العمليات الخاصة بملاحق الاختتام المتعلقة بتجهيز قصر الثقافة في تلمسان وقاعة السينما. الوزارة تطالب ”المنتجين السينمائيين” باسترجاع أموال دعم إنتاج الأفلام ويوضح رد وزارة الثقافة على سؤال مجلس المحاسبة بأن هناك منتجين سينمائيين جزائريين مطالبون بإرجاع مبالغ الدعم المالي ومن بين الأفلام الجزائرية التي يقف أصحابها اليوم في مأزق فيلم ”رحلة إلى الجزائر” للمخرج عبد الكريم بهلول الذي أنتح سنة 2007، وقد قررت وزارة الثقافة مطالبته باسترداد مبلغ الدعم المالي الممنوح له في إطار سياسة الدولة لدعم السينما وذلك بناء على قرار المديرية المركزية المكلفة بالسينما والتي تقوم بمتابعة الآجال المنصوص عليها في الاتفاقية المبرمة بين الوزارة والمنتج. ويأتي هذا القرار المفاجئ في شأن فيلم ”رحلة إلى الجزائر” غريبا مقارنة بالنجاح الذي حققه الفيلم على المستوى الدولي بحصوله على 26 جائزة دولية منها الجوائز الثلاثة الكبرى لمهرجان قرطاج، وهي أفلام لم تستفد سوى من مليار سنتيم لكل فيلم وهي قيمة أقل بعدة مرات من قيمة الاستفادة المالية التي حصل عليها مخرجون آخرون على غرار فيلم ”فاطمة نسومر” لبلقاسم حجاج الذي استفاد من مبلغ 120 مليار، حسب بعض المصادر. ورغم ذلك، فقد وجهت الوزارة اعتذارات للعديد من المنتجين، بينما تمت مطالبة كل من منتج فيلم ”ميستا” وفيلم ”أرخبيل الصحراء” للمخرج محمد يزيد غزال بإعادة مبالغ الدعم المالي التي استفادا منها من وزارة الثقافة. فيلم ”بن مهيدي” في خطر وفي رد آخر لوزارة المجاهدين حول ملاحظات مجلس المحاسبة حول تأخر إنتاج الأفلام، أوضحت الوزارة بأن فيلم ”العربي بن مهدي” الذي تم تكليف المنتج والمخرج بشير درايس بالإشراف عليه، يجب أن يسلم إلى الوزارة جاهزا قبل شهر مارس 2015، غير أن الفيلم لم ينطلق تصويره أصلا، ما يهدد إنتاجه في حال عدم تجديد العقد، حيث أدى عدم قيام الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بدفع قيمة ال42 بالمائة من مبلغ إنتاج الفيلم إلى تعطيل الفيلم لمدة عام كامل. وذكرت وثيقة مجلس المحاسبة أن وزارة المجاهدين رصدت مبالغ لصالح المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية من أجل إنجاز 10 أفلام حول الثورة، غير أنه لم يتم تقديم سوى ثلاثة أفلام رغم أن القيمة المالية المسطرة لهذا المشروع السينمائي تجاوزت الألف مليار سنتيم. وقد أرجعت وزارة المجاهدين سبب التأخر إلى الظروف المعقدة لإنتاج الأفلام. كما تحدث التقرير عن أن هناك أفلاما لم تر النور بعد، رغم تجاوز الآجال على غرار أفلام أحمد راشدي ”العقيد لطفي” و”كريم بلقاسم”، وكذا فيلم ”سركاجي” و”لامبيز”. في مقابل ذلك، كشف رد وزارة الثقافة أن المخرج لخضر حامينة وفيلمه الأخير ”غروب الظلال” هو الفيلم الوحيد الذي استفاد من التخصصات بقيمة قدرها 50 مليار سنتيم وهو ما يمثل 63 بالمائة من التخصيصات الممنوحة من حساب الصندوق وهذا استثناء وذلك بعد مشاورة وزير المالية. ملاحظات: الصندوق الوطني للتراث الثقافي الذي أنشئ سنة 2006 لم يسجل أي نشاط رغم الاعتمادات المالية المرصودة له. وجود 169 جمعية مسرحية محصاة من طرف وزارة الثقافة سنة 2011 ولم يتم تمويل سوى 30 مسرحية . لم يتم احترام العقود الممضاة مع الناشرين في مجال تسليم الكتب، حيث لم يتم احترام بند تسليم ألفي نسخة إلى المكتبة الوطنية. زيادة على ذلك، فإن توزيع 500 نسخة أخرى في السوق لا يتم إثباته من طرف الناشرين. لم تعرف 36 اتفاقية ممضاة بين الناشرين ولجنة القراءة التنفيذ كليا، حيث لم يتم تنفيذ سوى اتفاقيتين فقط منذ سنة 2010.