يعيش السائقون، يوميا، كابوس “الاختناق” المروري، في سيناريو يبدأ بمغادرة البيت صباحا سواء على متن سيارة أو وسيلة نقل عمومي لبلوغ أي مكان لقضاء مشغولياتهم، وينتهي بالعودة إلى البيت بعد أن يكون القلق والتوتر طبعا قد أتى على أعصابهم. فساعات الذروة لم تعد مرتبطة بوقت محدد، وتوسيع شبكة الطرقات، المقدرة مساحتها ب114 ألف و202 كلم لم تحل المشكل، حسب تقرير أسود للشرطة حول الازدحام المروري شمل العاصمة، قسنطينة، وهران، عنابة وسطيف والبليدة، وكشف عن عيوب بالجملة حمل مسؤوليتها لوزارة النقل. ويعد التطور السريع لحظيرة السيارات أول أهم أسباب الازدحام، حيث تضاعف عدد المركبات خلال السنوات العشر الأخيرة، من حوالي 4 ملايين و482 ألف مركبة سنة 2004، إلى ما يقارب 7 ملايين و500 ألف مركبة سنة 2013، ليصل عدد المركبات العام الجاري ما يفوق 8 ملايين مركبة. بالمقابل، سجّل التقرير نقصا فادحا في مواقف وحظائر السيارات بالمجمعات السكانية الكبيرة، مع نقص أماكن الوقوف والتوقف في ظل غياب تخطيط عمراني مدروس وفق شبكة الطرقات والكثافة السكانية بالمدن الكبرى، إضافة إلى بقاء شبكة الطرقات داخل المدن على حالها لطبيعة التهيئة والبنية العمرانية، ناهيك عن حالة الطرقات غير المهيأة ونقص إشارات المرور، خاصة الإشارات الضوئية التي من شأنها – من الناحية النظرية- الحد من الاختناق المروري. أين هي مخططات النقل؟ كما أشار التقرير إلى عدم جدية مخططات النقل في بعض الأحيان وانعدامها أحيانا أخرى، مبرزا نقص ثقافة النقل الجماعي الحضري لدى الجزائريين، مقابل انعدام التغطية الكاملة للنقل الجماعي الحضري، مثل الميترو والترامواي وشبكة السكة الحديدية، إضافة إلى محدودية النقل الجماعي الحضري والبحري للأشخاص بين المدن الساحلية، وعدم ارتقائه لتطلعات المواطنين. بينما يرى التقرير بأن محطات نقل المسافرين لا تستجيب للمقاييس المطلوبة. وحول هذه النقطة، ذكر التقرير العاصمة، التي تعد أقل مساحة وأكثر كثافة من حيث السكان وولوج السيارات، حيث يتمركز النقل الحضري على الضفة الشرقية فقط، مما يجعلها تعرف يوميا وفي كل الأوقات ازدحاما مروريا “خانقا”. وأعاب التقرير توافق كل المؤسسات العمومية والهيئات الحكومية والرسمية في كافة المجالات، على أيام الاستقبال واحدة فضلا عن تمركزها بالعاصمة والمدن الكبرى، حيث أن ما يفوق 340 مرفق عام وهام موجود في العاصمة فقط وهو ما يتسبب في تهافت المواطنين عليها بكثافة خلال يومي الاستقبال، وبالتالي يخلق ضغطا واختناقات على الوافدين إلى المدن الكبرى والمقيمين فيها على حد سواء. العميد أول المتقاعد محمد طاطاشاك “الاستعمال المفرط للسيارة وراء الظاهرة” أرجع نائب مدير حركة المرور والوقاية بالمديرية العامة للأمن العمومي السابق، محمد طاطاشاك، أهم أسباب الازدحام المروري إلى الاستعمال المفرط للمركبة وتجنّب وسائل النقل الجماعية، ناهيك عن النقص الفادح في حظائر السيارات، محملا المشاة جزءا من مسؤولية عرقلة حركة المرور، من خلال عبورهم وقطعهم العشوائي للطريق. قال طاطاشاك ل”الخبر”، إن العمل بالتناوب في المؤسسات التي تعرف إقبالا كبيرا للمواطنين كالبلديات ومراكز البريد وإنشاء حظائر للسيارات بمشارف المدن الكبرى من شأنه الحد من الازدحام، مؤكدا أن رفع سعر البنزين لا يحل المشكل. كما أشار إلى جملة من الإجراءات الواجب اتخاذها للتخفيف من الاكتظاظ، لا سيما إنشاء حظائر للسيارات بمشارف المدن الكبرى والقيام بسبر للآراء حول السائقين الذين يتنقلون بسياراتهم دون أية ضرورة. محافظ الشرطة زواوي رابح “الاختناق الناجم عن الحواجز الأمنية ظرفي” ما هي الحلول الممكنة لهذه المعضلة؟ الجواب يقول رئيس مكتب الوقاية والإعلام بمديرية الأمن العمومي، محافظ الشرطة زواوي رابح، أن الازحام التي قد تنجم عن بعض الحواجز الأمنية ظرفية، وأن هذا الأخير والبالغ عددها العام الماضي، 175180 حاجز أمني عبر الوطن تدخل في إطار تنظيم حركة المرور ومراقبة السائقين ومركباتهم حفاظا على النظام العام. ويضيف زواوي أن كاميرات المراقبة تلعب دورا فعالا في مواجهة الازدحام المروري من خلال المعاينة الظرفية والآنية لحركة الطرقات، خاصة على مستوى النقاط السوداء للمدن الكبرى، مما يستدعي التدخل الفوري والمباشر بالتنسيق مع الوحدات الميدانية، خاصة الفرق المختصة في هذا المجال. المواكب الرسمية وردا على سؤال حول تسبب المواكب الرسمية في الازدحام، اكتفى زواوي بالقول، إن لهذه الأخيرة “رواق استعجالي مستحدث خصيصا لها في حالات استثنائية”. ومن بين الحلول التي اقترحتها مديرية الأمن العمومي للحد من الزحمة المرورية، ذكر محافظ الشرطة استحداث محطات الحظائر ذات طوابق خاصة على مشارف ومداخل المدن الكبرى، وربطها بوسائل النقل الجماعي الحضري، إضافة إلى تعزيز مخططات النقل وتحيينها داخل المدن، وربطها بمخططات المرور، خاصة فيما يتعلق بضبط المواقف الرسمية لمركبات نقل المسافرين. استغلال غير عقلاني للأراضي ويشدد الأمن الوطني على ضرورة الاستغلال العقلاني للجيوب العقارية بالمدن الكبرى بالتنسيق بين النسيج العمراني المدروس وشبكة الطرقات، كما دعت إلى تعميم شبكة النقل الجماعي الحضري وتعميمها على المحيط العمراني، وخلق مقاطع ومحاور خارج المدن من خلال إنجاز محولات الطرق وطرق اجتنابية، أما إذا اقتضت الضرورة حسب زواوي، وجب خلق ما يعرف بالعواصم الجهوية، إضافة إلى تطوير مناهج التكوين للسواق الاحترافيين، واستحداث لجان ولائية تعمل على تطوير وتحسين سيولة حركة المرور داخل المدن من طرف مختصين في مجال السلامة المرورية. الحظيرة الوطنية للسيارات لعام 2013 المركبات الخفيفة: 4 ملايين و677 ألف مركبة الشاحنات الخفيفة: مليون و384 ألف شاحنة الشاحنات الطويلة: أكثر من 526 ألف شاحنة حافلات نقل المسافرين: أكثر من 125 ألف شاحنة الدراجات بكل أنواعها: 25 ألف دراجة مركبات أخرى( العتاد الفلاحي مثل الجرارات): 572 ألف مركبة الاتحادية الوطنية للناقلين “وضع مخطط سير يحد من الازدحام” أكد رئيس الاتحادية الوطنية للناقلين عبد القادر بوشريط، على ضرورة وضع مخطط سير داخل المدن الكبرى للحد من ظاهرة الازدحام المروري، مشيرا إلى أن الخطوط الخاصة بالنقل يتم توزيعها بصفة عشوائية. وكشف المتحدث، أن الاتحادية قدمت مقترحاتها لوزارة النقل بخصوص وضع مخطط سير، لكنها تتحجج في كل مرة بأنه قيد الدراسة، مضيفا “تعميم شبكة النقل الحضاري الجماعي وإخراج الإدارات العمومية من وسط العاصمة أصبح أكثر من ضروري للحد من الازدحام، فمديرية النقل مثلا، الكائن مقرها بالأبيار بالعاصمة تستقبل يوميا مئات السائقين”. شبكة الطرقات على المستوى الوطني الطرق الوطنية الرئيسية: 29407 كلم الطرق الولائية الثانوية: 24038 كلم الطرق السيارة: 12016كلم الطرق البلدية المحلية: 58251 كلم العنابيون استجابوا إليها بكثافة حملة “وسّع بالك “ لمواجهة “النرفزة” في الطرقات لقيت حملة “وسّع بالك” التي أطلقتها مجموعة أخلاق مدينة بعنابة، الصائفة الماضية، تجاوبا كبيرا من طرف المقيمين والزوار، وهي مبادرة نفسية اجتماعية للتقليص من الغضب والحد من آثاره السلبية على المجتمع. اعتبر السيد ناصري سيف الله المسلول، الناشط بالمجموعة التابعة لجمعية البشائر الثقافية، أن الحملة شرع في تنظيمها قبيل شهر رمضان الكريم وفقا لبرنامج شامل، الغرض منه التحسيس من خطورة سرعة الغضب، مضيفا أن المبادرة لقيت صدى وتجاوبا كبيرين في أوساط الأفراد، خاصة أثناء الاختناق المروري، حيث أصبحت عبارة “وسّع بالك” متداولة على نطاق واسع. وأوضح المتحدث ذاته، أن الحملة تضمنت إنجاز شريط فيديو احتوى على محاكاة لمشهد من مشاهد الغضب التي تؤدي إلى محاولة إقدام شخص على قتل آخر لسبب تافه، وقد تم التصوير بمحاذاة السوق المغطاة بوسط المدينة، على اعتبار أن المكان يشهد يوميا كثافة مرورية من قبل الراجلين أو المركبات، ناهيك عن أنه يسجل من حين لآخر شجارات ومناوشات. وأضاف أن هذا الفيديو، الذي مثّله أعضاء المجموعة، يصور مرور أحد المواطنين حاملا كيسا فيصطدم بآخر فيسقط من يديه الكيس، فتحدث مناوشة بسيطة تتطور فيما بعد بفعل حدة الغضب إلى شجار باستعمال السلاح الأبيض، فيتدخل المواطنون لتهدئة النفوس الغاضبة، بعدها تدخّل مجموعة أخرى من الشباب إلى موقع الحدث رافعين لافتات للتحسيس من خطورة الغضب، وقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي هذا الشريط المعنون ب“محاولة قتل في عنابة” بسرعة فائقة، محققا نسبة مشاهدة عالية جدا . وذكر السيد ناصري، أن برنامج الحملة وسّع فيما بعد إلى تنظيم خرجة ميدانية، رفعت فيها لافتات ضد الغضب ووزعت ملصقات على أصحاب السيارات تضمنت عبارة “وسّع بالك”، ناهيك عن تنظيم ورشات تدريبية للتحكم في الغضب بمركز الترفيه العلمي نشّطها خبراء في التنمية البشرية، علم النفس ورجال قانون وأئمة تناولوا فيها أثر الغضب من الناحية القانونية والدينية أيضا. كما اشتملت الحملة أيضا على تنظيم دورة تدريبية موازية لفائدة سائقي سيارات الأجرة، على اعتبار أنها الفئة الأكثر عرضة للغضب، بسبب الاختناق المروري المسجل يوميا، و كذا طبيعة عملهم مع مختلف فئات المجتمع، حيث قدمت لهم توصيات عن كيفية التحكم في الانفعال وكيفية تسيير يومياتهم ووزعت عليهم حوالي 400 ملصقة عبارة “وسّع بالك”، إضافة إلى ذلك نظمت دورة في كرة القدم شاركت فيها مجموعات شبانية تعنى بالأعمال التطوعية. وتنوي مجموعة “أخلاق مدينة” توسيع هذه المبادرة إلى مبادرة مماثلة تتناول جانبا آخر من الغضب يتمثل في التلفظ بكلام فاحش أثناء المشاجرات أطلق عليها اسم “وسّع بالك وزيّن كلامك” على أن يتم إطلاقها في رمضان المقبل لتستمر طول السنة. الدكتور مسعود بن حليمة “الازدحام مسؤولية السائقين أيضا” حمّل الدكتور مسعود بن حليمة، مختص في طب النفس العيادي والناطق الرسمي لجمعية طريق السلامة في هذا الحوار، مسؤولية الازدحام لكل من السائقين ووزارة النقل والأشغال العمومية، داعيا إلى ضرورة وضع مخطط لتنظيم مواقيت دخول وخروج المواطنين من بيوتهم. الازدحام لا يزال يؤرق الجزائريين، أين الخلل؟ الخلل يرجع لغياب الثقافة المرورية لدى السائقين، الذين لا يعرفون كيف يختارون الوقت الذي يخرجون فيه من البيت لقضاء حاجياتهم، كما أن الدولة لم تستثمر في المواطن، من خلال وضع مخطط يسمح بتنظيم توقيت دخولهم وخروجهم من البيت، فالموظفون الذين يعملون إلى ساعة متأخرة من الليل مثلا، من الأفضل الالتحاق بمناصبهم في اليوم الموالي على الساعة العاشرة أو الحادثة عشر صباحا، وهو ما سيخفّف الازدحام على الطرقات. ويضاف إلى هذين السببين، عوامل أخرى تتعلق بغياب التخطيط العمراني، مع الانعدام التام للإشارات الضوئية، وفوق ذلك السلوكيات السلبية التي يمارسها بعض السائقين غير المؤهلين لقيادة مركباتهم، ففي حالة وقوع اصطدام بين سيارتين يتحول الطريق إلى حلبة مصارعة بين سائقيها، مما يتسبب في عرقلة حركة المرور. من يتحمّل مسؤولية الازدحام المروري؟ الازدحام عامل مشترك بين السائقين ووزارتي الأشغال العمومية والنقل. يرى سائقون أن سبب الازدحام هو وجود رجال الشرطة والدرك.. ما تعليقكم؟ لا يمكن النظر إلى شرطة ودرك المرور بنظرة سلبية، فوجودهما بالحواجز الأمنية حماية للسائقين والمواطن عموما. كيف يؤثر الازدحام على سلوكيات السائقين؟ أصبح الازدحام يؤثر كثيرا على صحة الإنسان، فهو وراء انتشار الأمراض المزمنة، كارتفاع الضغط الدموي، السكري والسرطان، بالإضافة إلى الأمراض النفسية والعصبية. فبعد ثلاث دقائق فقط من الازدحام، يبدأ تفاعل الهرمونات لدى السائق، مما يؤدي إلى خلل في التفكير والرؤية وازدياد نبضات القلب، ليصبح عدوانيا لا يفكّر إلا كيف ينتقم، فتكون نهايته إما الإصابة بمرض مزمن، أو فقدان حياته بتدارك الوقت الذي فاته في الطريق بالزيادة في السرعة أو ارتكاب مناورات خطيرة. ماذا عن الحلول التي تراها جمعية طريق السلامة للحد من الازدحام؟ يشعر السائق أنه “إمبراطورا” في الطريق، ولذلك لا بد من تغيير سلوكياته من خلال برامج إعلامية وتلفزيونية للتوعية والثقافة المرورية. الجزائر: حاورته رزيقة أدرغال