اسماعيل يبرير: الرواية الجديدة تسعى لمجد النص يعتقد إسماعيل يبرير، وهو أحد أبرز الروائيين من الجيل الجديد، أن الرواية الجزائرية، تعيش حاليا حالة من الانتعاش، على مستوى الكتابة والاهتمام، ففي سنة 2013 بلغت ذروتها من حيث الأعمال التي نشرت وقدمت رقما تاريخيا من خلال ما يقارب 40 عملا صدر في الفترة نفسها. وقال يبرير: “لكن إلى جانب الرقم الذي يبدو مذهلا يجب الانتباه إلى أن عددا من هؤلاء هم ممن اعتاد أن يقدّم سنويا أو دوريا رواياته وعددا ممن قدّم أعماله للمرّة الأولى، لكن بينهما يوجد كتّاب وروائيون مضطربون من حيث النشر، والجميع لا يمثل الرواية الجديدة في الجزائر، فهناك روايات كلاسيكية تسرد بسذاجة مبكرة حكاية ما، وهناك روايات تدّعي التجريب، لكنها تكرّر تجربة مستهلكة إن لم تكن مبتذلة، وهناك دائما الأعمال الجميلة التي تحرّك الذهن وتسحبنا إلى عوالمها الممكنة مجبرين غير مخيرين”، وأضاف: “إذا كنت بصدد التوصيف فسوف أقول أن الرواية الجزائرية الجديدة تسعى لمجد النص الجزائري، ولا أدعي أنها فعلت اليوم، لكن إرهاصاتها الحالية أفضل بكثير من واقعها قبل سنوات قليلة، هناك اهتمام واشتغال، النقاش الدائر في الأوساط الأدبية، على الأقل ين الكتّاب والمبدعين هو في جوهر الرواية، بعدما كان عن الروائي وأحقيته بالوجود، هذا برأيي تطور في النظرة إلى الرواية”. فريدة ابراهيم:مواكبة التجديد والتجريب وتساءلت الروائية والباحثة فريدة إبراهيم، صاحب رواية “أحلام مدينة” قائلة: “هل يمكن الحديث عن الرواية الحديثة في الجزائر؟”، وترى أنه من المبكر الإجابة على هذا السؤال. وقالت: “ربما لأن التجربة الروائية الجزائرية ما تزال في طور الإنجاز أي أنها ما تزال (تنمو من داخل التجربة) هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن القول إن تحديد الجديد ما زال يطرح الإشكال المتمثل في (حصر المقاييس والتصورات الفاصلة بين الجديد والقديم)، وعليه لن نخوض في تحديد المصطلح، وسنقتصر في هذه القراءة المختصرة على رصد عنصرين هامين في تشكيل الرواية الجزائرية الجديدة التي تمكنت من التحرر من القوالب الكلاسيكية الموروثة. لقد استثمر الكاتب الجزائري، حسب فريدة ابراهيم، في المحكي السردي الكثير من السمات السردية التي شكلت ميزة لافتة في الرواية الجزائرية، مما يدل على مواكبته للتجديد والتجريب أيضا. فمن حيث الشكل والبناء تعتقد أن رواية “سرادق الحلم والفجيعة” لعز الدين جلاوجي تمردت على المألوف السائد ومثّلت نموذجا واضحا لاهتمام الكاتب الجزائري بطريقة تقديم المحكي السردي، حيث قلّبت قوانين الرواية وطرق صوغ بنائها، فقدمت الخاتمة وأخّرت المقدمة بطريقة فنية جمالية لم تؤثر في النظام العام للمحكي بل أرست تمايزها الفني، كما أنها لم تكتف بعنصر التشويق واستدراج القارئ وتحقيق التواصل معه، بل دفعته للتأمل والتساؤل في طريقة قول الرواية. وترى الكاتبة “يرتبط عنصر”تذويت الكتابة” كملمح للرواية الجديدة (بتوفير رؤية للعالم تحمل بصمات الذات الكاتبة، وذلك من خلال استثمار السيرة والتخييل الذاتي لاستحضار العالم وتمثيله تمثيلا فنيا، دون التحيز لوجهة نظر معينة) ما يقتضي تعدد الأصوات والمواقف والأفكار”. عبد الوهاب عيساوي:غلبة أشكال السيرة يرى الروائي عبد الوهاب عيساوي، الذي تحصل على عدد من الجوائز الأدبية، وبرز بروايته الأولى “سينما جاكوب”، أن التحول الذي أحدثته العشرية السوداء في تفكير المجتمع الجزائري، وعلى ذهنية المثقف والمبدع، جعل الساحة الأدبية ترى في نهاية التسعينات نصوصا مختلفة، ومن ثم توالت الأعمال إلى السنة الفارطة التي تُعد أكثر السنوات التي احتفت بها الجزائر، في عدد النصوص الروائية المنشورة. وقال عيساوي: “وعلى المستوى الفني نجد أن الرواية الجديدة (سواء كتبها الجيل الثاني أو بعض الجيل الأول) أكثر ابتعادا عن الأدلجة، توظف التراث وتنحى إلى الغرائبية (الصوفية) والبعض تتخذ أشكال السيرة حينما يذوب السارد مع الشخوص. مثلما يغلب على النصوص النفس السردي الثابت، بمعنى تضاءل الحوار وطغيان التصوير (محاكاة الدراما) مع توظيف الحوار الداخلي/النفسي (المونولوج) بشكل بارز. وتميل اللغة عند البعض إلى اللغة الشعرية”. وبحسب عيساوي، فإن النص الروائي الجديد في الجزائر، أستُحضر فيه المكان وطُوع نحو بعده التاريخي كما أضحت العلاقة بين الرجل والمرأة منطلقا رائدا وخصبا في التيمات عدا تيمة العشرية السوداء التي كانت منطلقا لنصوص العديد من الروائيين، وأضاف أن “الجيل الأول كان ملتزما بمفهوم الرواية الكلاسيكية ورغم ذلك وقع في فخ الايديولوجيا وهذا الوعي يتضاءل بنسبة ما عند الكتّاب الجدد وقد لا أخطئ حين أسمّيه المشروع الروائي المتكامل الذي تظهر تجلياته في النص الأول له”. محمد جعفر : تجربة صريحة لعالم ما عاد يلفه غير العبث ومن جهته، يرى الروائي محمد جعفر، الذي بدأ شاعرا، وانتقل للرواية بعد تجربة مميزة في كتابة القصة القصيرة، أن حِدّة الإيديولوجيا خفت في الرواية الحديثة، وفي عالم صار أكثر انفلاتا ولا تحكمه معايير ثابتة تراجعت تلك الكتابات التي كانت مجرد أبواق لمشاريع كبرى (الاستقلال، القومية، الاشتراكية) تلك الروايات التي ترى خلاص الفرد فيها في خلاص المجتمع، بينما راحت الرواية الحديثة تميل أكثر نحو الذاتية وتترجم عن صوت الأنا المفردة (أسلوبية رواية السير ذاتية). وقال صاحب رواية “هذيان”: “وبعيدا عن الروائي المبشر عاد الروائي اليوم لا يكتفي إلا بإثارة السؤال، أما الجواب فيراه مجرد احتمالية لا تكاد تقول شيئا في عالم كل ما يحكمه نسبي”. كذلك باتت الرواية اليوم حسب محمد جعفر “ترجمة صريحة عن الصوت الداخلي للمرء. مطاردة للهوية المفقودة، نبش في اللايقين واللاجدوى ومحاولة إحقاق للتوازن النفسي المفقود، ورغبة في بطولة لم يعد يلين جانبها كما كانت قديما للكاتب المبدع، وهي بطولة ما عاد يحوزها في الزمن الراهن غير مشعوذ دجال، وممثل لا خبرة له ومغني أي كلام ومغنية هز الوسط، ورياضي من الدرجة العاشرة”. ويعتقد جعفر بالتالي، أن الرواية اليوم تجربة صريحة لعالم ما عاد يلفه غير العبث، وهي ترجمة صريحة له”. عبد القادر بوضربة : الرواية الجديدة لها جمهورها الآن ويعد عبد القادر بوضربة من بين الروائيين الذين برزوا خلال السنوات الأخيرة، إذ افتك عدة جوائز أدبية في الجزائر، وتحصل مؤخرا على المرتبة الثالثة لجائزة “ابن الشنب” من أجل روايته “ساعي بريد الحرب”. ويرى أن “الرواية الجزائرية الجديدة ولدت في ظروف صعبة واستثنائية، كما أن هذه التجربة الفتية لا يزال ينظر إليها بعين الريبة والشك”. ويعتقد أنه “يوجد حصار غير معلن موجّه نحو الكتّاب الجدد، يتجلى في عدة صور لعل أبرزها هو انحسار النشر لأسماء معينة فقط، وكذا كيل الاتهامات للرواية الجديدة ووصفها بأنها كتابات غير ناضجة تفتقد للموضوعية في الطرح ولفنية السرد، وأضاف: “لكن في المقابل، قلة من نظروا إلى هذه التجربة الفتية بموضوعية، لأن الحياة تقتضي منا تقبل الجديد والاحتفاء به، خاصة وأن الرواية الجديدة لها جمهورها من القراء الآن، لم نسمع بكاتب جزائري كبير تبنى كاتبا جديدا، هنالك غياب قاتل للتواصل بين الكتاب مثلما يحدث في معظم الدول التي أحسنت استكشاف مواهب شابة واستثمرت فيها، إنها حالة من القطيعة نحو الرواية الجديدة، حالة من الشك والنفور العام اتجاهها على الرغم من وجود أعمال جادة “. عبد الرزاق بوكبة: أين روح المغامرة؟ ومن جهته، ينطلق عبد الرزاق بوكبة من كون التعدّد الذي تعرفه الرواية الجزائرية أجيالاً ولغاتٍ، مكسباً سردياً في حدّ ذاته، والنقاش، حتى يكون مثمراً، يجب أن يتوجّه إلى وجوب مضاعفة جرعة الوعي بهذا المعطى، لا إلى طرح سؤال الهوية المفخّخ بالسطحية والعاطفة. ذلك أن الفن الروائي حسب بوكبة ثمرة مدينية بامتياز، علماً أن الرواية بمفهومها الحديث، غير مفهوم الحكاية، ما الحكاية إلا رافد داخل هذا الفن. وقال: “من هنا تطرح جملة من الأسئلة نفسها، في اتجاه مدى انفتاح المدوّنة الروائية الجزائرية على الهواجس والأشكال والمفردات الجديدة جزائرياً وكونيا. هل نملك رواية متعدّدة؟ أم رواية واحدة تكتب بصيغ مختلفة، تماماً كما الأسطورة أو الحكاية في البيئة ذات المخيال المشترك، جوهر واحد وتجليات لا تنتهي؟”ويرى بوكبة أنه “يجب علينا حتى لا نقع في التعسّف، أن نراعي معطيات موضوعية، منها إجهاض روح المدينة في بلادنا على يد المنظومات المختلفة وفرض الواحدية السياسية والثقافية، باسم المشتركات مثل الدين والوطن، حتى أننا بتنا نتوجس من أي انفتاح، وهنا لم يصب فن الرواية وحده في مقتل، بل أصيبت فنون وحساسيات كثيرة، لكن هل هذا قدر لا يتغيّر؟ إن تحوّلاتٍ طرأت، بحكم انخراط الشارع الجزائري في بنياتٍ جديدة، منها وسائط الاتصال الجديدة، حيث لم يعد خاضعاً كلية للشرط السلطوي المتعسف أحادي مصدر المعلومة”. إن تأمّلاً بسيطاً في هذه التحولات وفي ما يُكتب روائياً، يجعلنا وفق تصور بوكبة “نلاحظ غياب المواكبة، بحيث مازالت روايتنا - ما عدا تجارب قليلة - مفخخة بالصوت الواحد، وخاضعة لسلطة الراوي العليم، وهي بنية واحدية، تزكي طبيعة النظام/ المنظومة السائدة، حتى وإن كان أصحابها يدينونها في تصريحاتهم. من هنا فالرواية تشترك مع السلطة السياسية في مُنتَظر واحد: التغيير والتعدد الفعليان”.