ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” فى العراق على أنّه تنظيم سلفي جهادي يهدف إلى تطبيق الشّريعة وإحياء الخلافة الإسلامية، حيث أُعلن عن تأسيسه في 29 جوان 2014، ونُصِّب أبو بكر البغدادي “إمامًا وخليفة للمسلمين في كلّ مكان”، ودعا ما سمّاها الفصائل الجهادية في مختلف أنحاء العالم لمبايعته.. هل التنظيم فصيل جهادي يقاوم الاحتلال الأجنبي أم أنّه عمل مخابراتي؟ وما علاقته بالحركات الإرهابية الأخرى كتنظيمي القاعدة والنُّصرة؟ وما هي المسافة التي تفصله عن التعاليم الحقيقية والسمحاء لديننا الحنيف؟ “داعش” أكثر تطرفا من “القاعدة” و«جبهة النصرة” الشريعة بالقوة! أسّس أبو مصعب الزرقاوي (والّذي كان قائد تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” الّذي يتبع تنظيم القاعدة وولاؤه لأسامة بن لادن) جماعة التّوحيد والجهاد في العراق، فى 15 أكتوبر عام 2006، وبعد ذلك جاء تأسيس “مجلس شورى المجاهدين في العراق” الّذي اتّحد مع مجموعة من الفصائل المسلحة ونتج عنه تكوين “حلف المطيبين”، كرد فعل عن عدم رضا تنظيم “القاعدة” في بلاد الرّافدين عن اختيار أبي أيوب المصري خليفة لزعيم تنظيم “القاعدة” في العراق أبو مصعب الزرقاوي. وبعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي، في جوان 2006 في ديالي بالعراق، تأسّس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” في أكتوبر 2006 بقيادة “أبي بكر البغدادي”، وما لبث أن أعلن البيعة لأبي عمر البغدادي أمير مجلس شورى المجاهدين في العراق في ذلك الوقت، والذي يتكوّن من ثمان جماعات مسلّحة تواجه الولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق منذ بداية الغزو عام 2003، والّذي كان أميره من قبل أبو مصعب الزرقاوي. وبعدها تمّ حلّ جميع الجماعات الجهادية، بما فيها تنظيم القاعدة بالعراق ومجلس شورى المجاهدين، وأعلن الجميع مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق. وبعد مقتل أبي عمر البغدادي في أفريل 2010 على يد القوات الأمريكية في العراق، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق عن تولّي أبي بكر البغدادي إمارة التنظيم خلفًا لأبي عمر، والّذى يُعدّ أحد أبرز قادة القاعدة في العراق منذ عام 2006، وكان يشكّل تهديدًا حقيقيًا لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق. وبعد سلسلة من العمليات الإرهابية أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 4 أكتوبر 2011، أنّ أبا بكر البغدادي يعتبر إرهابيًا عالميًا، وأعلنت عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمَن يُدلي بمعلومات تؤدّي إلى القبض عليه أو لوفاته. وفي أفريل 2013 أعلن أبوبكر البغدادي مدّ نشاطه إلى الشّام وإعلان ضمّه لجبهة النصرة ليصبح اسم تنظيمه الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وهو الأمر الّذي رفضه أبو محمد الجولاني، قائد جبهة النصرة، وأعلن تبعيته المباشرة لتنظيم القاعدة الرئيسي بقيادة الظواهري. يذكر أنّ العلاقة بين الجولاني والبغدادي تمتد إلى ما قبل اندلاع الأحداث فى سوريا، حيث سبق للجولاني مبايعة تنظيم البغدادي والقتال تحت إمرته فى العراق، قبل أن ينتقل إلى سوريا ويشكّل جبهة النُّصرة بدعم مالي وعسكري من الدولة الإسلامية، حيث يرى البغدادي أنّ النّصرة فرع من فروعه أسّسها أحد جنوده بدعم منه شخصيًا. وبعد فترة قصيرة من حكم تنظيم الدولة، بدأت تظهر الممارسات المتطرّفة ل«داعش” على مستوى تحكّمها في المناطق “المحرّرة” الخاضعة لسيطرتها وسعيها لتطبيق الشّريعة الإسلامية وفق فهمها، لتحتلّ منابر المساجد وتبدأ في سنّ بعض القوانين “الشّرعية” وفرضها بالقوّة على المواطنين (الحجاب ومنع الاختلاط وتحويل كافة الكنائس إلى مقرات لهم وتطبيق الحدود..)، وهو الأمر الّذي كانت جبهة النُّصرة تمتنع عنه بدرجة واضحة اتّباعًا لتنظيم القاعدة (لا تطبيق للحدود في غياب الحاكم). أستاذ الشّريعة بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر1 الدكتور عمّار جيدل “توسيع مساحة الحريات للحد من خطر داعش” ما هي قراءتكم لتفشي ظاهرة الانضمام إلى التنظيمات التكفيرية؟ تضمّن السّؤال كثيراً من المبالغات؛ والواقع أنّها ليست ظاهرة هي تصرّفات معزولة عن الحراك العام للمجتمع، بدليل أنّها ليست منتشرة أفقياً بشكل لافت كما يصوّرها السّؤال، ولهذا يمكن أن يكون التّهويل بنشر القول بأنّها ظاهرة مبالغات قد تدفع إلى فرض حلول هي أبعد عن الواقع المعيش. رأس ما يشغل بال العقلاء التّفكير في جبهة تجمع كلّ الغيورين بصدق على البلاد والعباد، ومواجهة كلّ مصادر التوترات، ودفع التوتر والاقتصاد في كلّ ما من شأنه أن يعرض البلدان لخطر استعداء المجتمع ضدّ بعضه البعض، فكلّما عملنا– بوصفنا مجتمعاً- ضدّ الخطر المحدق بنا جميعاً كلّما أبعدنا بلدنا وشبابنا عن الانخراط في مثل هذه التنظيمات؛ وهذا يستوجب التطعيم ضدّ هذا الوباء، والّذي لا يكون بغير شراكة حقيقية للمجتمع في الحراك العام، لأنّ الشراكة المصطنعة أو القائمة على المنشطات ليست ذات طائل إذا جدّ الجد. وبالرغم من أنّ الانتساب إلى هذه التنظيمات ليس ظاهرة، أي بالرغم من القلّة المشار إليها، فهي حالة مَرَضِيَة تسترعي التفكير بجدية بهذا الطاعون الذي أصاب الأمة شرقا وغربا، وهي مهمّة الأمة من خلال نخبها الحقيقة، وليست النخب المصطنعة العاجزة عن تأطير نفسها فضلا عن تأطير الآخرين. ما حكم الشّرع في اشتراك الشّباب في “الجهاد” دون إذن والديه، وحتّى إذن وليّ الأمر؟ إنّنا أمام مؤامرات عالمية، ولا يمكن دفع تأثيرها على بلداننا من غير حذر الجميع (السلطة والمعارضة وغيرهما) من أن نكون مصدرًا لتوتّرات من قبيل استعمال العنف- بكلّ أشكاله القول والفعل وإهمال إرادة المجتمع والتّعامل باحتقار للمخالف- للبقاء في السّلطة أو الوصول إليها، لهذا كلّه فالمنخرط في مثل هذه الأعمال يُساق إلى حتفه وتدمير مجتمعه، والتّفريط في مكاسبه. والمانع للمجتمع من الانخراط الحقيقي في المسعى التنموي العام، يهيّء الجو ل«التدعيش”. فالحذر من “داعش” والحذّر كلّ الحذر من “التدعيش”. كيف تواجه الدولة “الدّعوة إلى الجهاد”؟ يحسن في المستهل التّأكيد على أنّ الدولة أوسع وأهم من السلطة، لهذا حسناً فعلتَ عندما سألت عن دور الدولة في الحدّ من هذه الدّعوات الخطيرة على الحاضر والمستقبل. والمبادرة بالتّساؤل عن الدولة في حقيقة الأمر سؤال عن دور المجتمع، كلّ المجتمع؛ السّلطة والموالاة والمعارضة وغيرها، فضلاً عن جملة مؤطري المشهد المجتمعي والإعلامي.. والإعلام الّذي نقصده هو إعلام الدولة أي إعلام المجتمع، ولهذا أستبعد الإعلام الّذي يكتب حاشية على متن الغالب، ويسوّق أطروحة من يعطيه الرّغيف أو يمنّيه برغيف محسّن.. لأنّ الخطر العام يستوقف العقلاء قاطبة وينبّه إلى أنّ استفحال هذا الدّاء في المجتمع لا يبقي ولا يَذر. وينبّه السلطة إلى أنّ الإعلام الكاذب يعرّض الدولة للخطر والمجتمع إلى الخلل، لأنّ مواجهة الحقيقة الماثلة على الأرض لا تكون بغير تشخيص حقيقي، لهذا الإعلام الممالئ مائل عن الحقيقة مهوّل من التوافه، مهوّن من الحقائق، وإذا جدّ الجد فإنّه لا يقوم على غير الحقائق، لأنّ الأوهام تتهاوى أمامه كالثلج في الجو الدافئ فكيف بالحار. وما مقترحاتها للحدّ من الظّاهرة؟ يعلم أنّه في ظلّ حريات أكبر ينتج المجتمع قواه الحيّة المؤسّسة لصحوة وطنية حقيقية مسكونة بالتنمية، وقيام دولة قائمة على الحقائق الواقعية ولا تقوم على المنشّطات المالية والإعلامية، لأنّ الواقع السياسي المصطنع بالمنشّطات لا يؤسّس دولة، وإن كان قد يؤسّس سلطة. تؤسّس دولة إذا استعادت ثقافة الدولة في النّظر للمسألة السياسية وتدبّر أمورها بها، ويُستعاد ذلك باستعادة الشّباب إلى الحراك التنموي العام بمشاركة حقيقية في واقع التنمية، وهذا كفيل بدفع خطر “داعش” أو “تدعيش”. ويتم هذا المسعى بانفتاح حقيقي على مساحات إضافية للحريات المؤسّسة للفعل، وليست الّتي تمنع تحوّل القول إلى فعل. اتركوا النّاس يقولون، وصحّحوا لهم أحسن من أن يستقطبهم الخطر ويختطفهم من بين أيدينا. وهل المؤسسة الدّينية الرسمية وغير الرسمية، سواء كانت وزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف أو المجلس الإسلامي الأعلى أو الزوايا وغيرها، بوضعها الحالي قادرة على مواجهة هذه الظّاهرة؟ مجموعة مَن لهم سلطة القول والتّأثير بالدّين في المشهد– بصرف النّظر عن الجهة الّتي أكسبتهم تلك السلطة- بعضها يدفع إلى ضرورة التّأسيس لخطاب ديني ظاهره الابتعاد أو- إن شئت- الاستقلال عن التأثّر بالزحام السياسي الوطني أو الجهوي أو الدولي، لكنّه في حقيقة الأمر ليس بريئاً بالجملة من الاستغلال من قِبل المتزاحمين في المشهد السياسي. يجتهد بعض أصحاب سلطة القول في الدّين في منع التوترات وتطعيم المجتمع ضدّ هذا الخطر الدّاهم، وبعض العاملين عليها (التطعيم) يبالغ فيؤسّس للكتمان، بمعنى السكوت على الخلل الطارئ على الدولة؛ أي المجتمع بعناوين متباينة، فبعضها بعنوان الزُّهد في الدّنيا، وبعضهم الآخر بعنوان طاعة وليّ الأمر، وفريق ثالث مصوّب لكلّ ما جادت به قريحة الغالب، فنحن في هذا السّياق مع اتّجاهات متباينة. لهذا ينتظر من الصّادقين مع اللّه ثمّ المجتمع أن ينصحوا للجميع، يبرمجون أنفسهم على الارتباط بالغالب الأبدي، بمعنى التعلّق باللّه وحده ولا مطمع لهم في سواه، فلا مطمع لهم في رُغَيْفَة أو وظيفة، هؤلاء هم معقد الأمل في التّأسيس لاستعادة الأمّة لدورها الحضاري المنشود، تؤسّس لاستعادة العقول والقلوب والمحبّة والشّفقة والرّحمة والتنمية وخدمة البلاد والعباد والإنسانية، يطلبون مرضاة الحقّ بخدمة الخلق، وسرّه الإخلاص للّه تعالى، ومَن فقده فقد خيراً كثيراً. برمج نفسك على مرضاة الحقّ تكن مسكوناً بخدمة الخلق كلّ الخلق. الخبير الأمني الدكتور أحمد عظيمي “السلطة مسؤولة عن كلّ العنف المفرّخ في مجتمعنا” هل تعتقد أنّ المواقع الإلكترونية حلّت محل الحاكم في الدعوة إلى “الجهاد”؟ بداية، وجب تحديد ما المقصود بالحاكم وما المقصود ب”الجهاد”. حاكم هذا الزمن، وبالمفهوم العصري، هو مجرد مسير، بمعنى هو مكلف بتسيير شؤون المواطنين الذين انتخبوه على أساس قناعات بمحتوى برنامج معين، وبالتالي فهو لا يحتكر لا الدّين ولا الوطنية ولا حتى السلطة، لأن المؤسسات هي التي تسير أمور البلد. صحيح أن الأنظمة العربية لم تبلغ بعد هذا المستوى، لكنها في الوقت نفسه، ورغم مظاهر تقديس الحاكم وتسلّطه وانفراده بالحكم، إلا أنه لا أحد منهم تتوفر فيه شروط الدعوة إلى “الجهاد”، كما أن لا أحد منهم يحظى بالاحترام والتقدير الكافيين لجعل أيّ دعوة ل«الجهاد” تجد الصدى اللازم. أما عن “الجهاد” فالأمر أعمق، لأن شروطه جدّ محدّدة في النص القرآني، كما أن الداعي إليه لا بد أن تتوفر فيه جملة من الشروط هي غير متوفرة في كل الذين يدعون إليه اليوم دون فهم أهدافه ومقاصده. أما القول بأن المواقع الاجتماعية حلّت محل الحاكم في الدعوة إلى الجهاد، فأظن بأن الأمر لم يصل إلى هذا المستوى بعد. صحيح أن المواقع الاجتماعية تسهّل عملية التبليغ والاتصال، لكن دورها يبقى ثانويًا أمام أسباب عدّة تدفع بالشباب إلى اختيار طريق ما يعتقد أنه جهاد في سبيل اللّه. هل السلطة بسياستها الحالية السياسية والاجتماعية عامل في انضمام الشّباب للتطرّف؟ هذا هو بيت الداء. السلطة السياسية، منذ بداية الثمانينيات إلى اليوم، هي المسؤولة عن كلّ العنف المفرّخ في مجتمعنا؛ لقد أفرغت الساحة الوطنية من كل الرموز الإيجابية، فلا صورة ترفع غير صورة الحاكم ولا صوت يعلو على صوته، ولا فكر يبلغ غير فكره رغم ضحالته وضعف مستواه. نحن نعيش في بلد تدمّر في رحابه الكفاءات وكل الإرادات الصادقة والمخلصة. بلد يمجّد فيه الفساد والولاءات. بلد جعل من المنظومة المدرسية مجرّد فضاء لمسح الأمية، ومن الخطاب المسجدي مجرّد كلام عام مسروق من مرحلة انحطاط الأمّة الإسلامية. في وضع كهذا، وفي زمن تمكّنت فيه تكنولوجيات الإعلام والاتصال الشباب من الاتصال والتعرف والاستماع إلى شخصيات جعلت من الدّين الإسلامي الحنيف وسيلة لتخدير الشباب وتوجيههم، فإن شبابنا الذين لم تعلّمهم المدرسة كيفية التفكير بهدوء ولا معنى الشك المنهجي، كما لم تلقّنهم خطب الجمعة معاني الدّين الإسلامي الحنيف، سرعان ما ينجرون وراء حلم “الجهاد” في سبيل الدّين أو من أجل إعادة إحياء الخلافة الإسلامية أو القتال ضدّ الغرب أو أية فكرة أخرى. التعاطي الأمني مع ظاهرة انضمام الشّباب ل«داعش” هل هو تطوّر علمي منظور أم متخلّف؟ لا بدّ أن نتفق على أن المعالجة الأمنية البحتة لظاهرة الإرهاب لا تكفي وحدها. لا يكفي أن تقوم الأجهزة الأمنية بالبحث عن المجموعات الإرهابية والقضاء عليها أو اقتياد أفرادها إلى السجون. لا يكفي ذلك، لأن الإرهاب ليس تصرّفًا تقنيًا يعالج تقنيًا، بل هو ممارسة وقناعة تتطلّب توفّر استراتيجية ذات أبعاد متعدّدة، منها ما هو أمني بحت ومنها ما هو اجتماعي ونفسي وسياسي وفكري.. في نهاية القرن الماضي كانت الجزائر قد خرجت من مرحلة الإرهاب الموسّع، ولم تبق سوى بعض الجيوب في مناطق جبلية معزولة. وكان الاعتقاد السائد هو أن السلطة ستعمل على تسطير استراتيجية متكاملة لمرحلة ما بعد الإرهاب حتّى لا تتكرّر المأساة ثانية؛ لكن كلّ ذلك لم يحدث، وهو ما يجعلنا اليوم في غير منأى عن ضربات إرهاب أبشع وأخطر من ذلك الذي عرفناه وواجهناه سابقًا. أقول أبشع وأخطر، لأن إرهاب التسعينيات كان من عندنا. صحيح أن الفكرة كانت مستوردة، لكن القيادات والنشاط كان من مواطنينا وعلى أرضنا. ورغم كل محاولات التدخّل الأجنبي ورغم فظاعة العمليات الإرهابية إلّا أن النصر كان حليف وحدات الجيش وقوات الأمن؛ بينما “داعش” يمثّل، اليوم، تنظيمًا عالميًا عابرًا للدول وللقارات. هو تنظيم خلق أصلًا لتدمير الدول العربية، وتحضيرها لمرحلة جديدة وخارطة جديدة أعدّت من سنوات في مخابر أجهزة الاستعلامات الغربية. لو أننا درسنا ظاهرة الإرهاب وحصّنا بلدنا وطوّرنا نظامنا السياسي، ووفّرنا العدل بين المواطنين ورفعنا الغبن عن المظلومين، وسلّمنا الأمانة (أي الحكم) للأكفأ والأقدر من أبنائنا لكانت الوحدة الوطنية أكثر صلابة ودفاعاتنا أكثر قوّة. أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر الدكتور الزبير عروس “عنف داعش أسبابه هيكلية في ثقافتنا” ما قراءتكم لتفشي ظاهرة التطرف وانضمام الشّباب للتنظيمات التكفيرية؟ التطرف الذي تجسّد في ظاهرة “داعش” الآن هو ظاهرة تاريخية لها علاقة بمخزوننا الثقافي وتراثنا الدّيني، إلى جانب الممارسة السياسية التي تمّت باسم التراث تاريخيا. إذًا العنف المجسّد في ظاهرة “داعش” أسبابه هيكلية. أسباب هيكلية على المستوى الثقافي؛ إذًا ثقافتنا الدّينية والثقافة العربية والإسلامية بشكل عام ترتكز على مجموعة من الركائز التي تنفي الآخر، بل تدعو إلى إبادته ومَحْوِه؛ فإذا أخذنا مثلاً الثقافة الدّينية أوّل ما نلاحظه هو قاعدة الولاء والبراء، فكلّ مَن هو معي نواليه وندافع عنه بينما المخالف نتبرأ منه ونعمل على إبادته. وفي مجال ثقافتنا الدّينية دائمًا هناك ما يسمّى بمفهوم الفرقة الناجية؛ فهناك فرقة ناجية بمنطق الحكم المطلق، والباقية هي على ضلال ومحاربتها جائز شرعًا. إلى جانب القاعدة الثالثة وهي عدم التشبّه بالآخر، فكلّ مَن يخرج عن قيمنا فقيمه فاسدة، وبالتالي لا بدّ من إزالة هذا الفساد بمحوه من الوجود. إذًا ثقافة تقوم على الإقصاء والدّعوة إلى نحر الآخر مهما كان هذا الآخر فقط القاعدة لنحره أنّه مخالف لي. هذا من الناحية الثقافية من جانبها الدّيني. أمّا الجانب الاجتماعي فحدّث ولا حرج، والمواطن في منطقتنا العربية الإسلامية مُداس عليه على جميع المستويات، على المستوى المادي والمستوى المعنوي أيضًا، فهو يعاني من فاقة الحاجة المادية وأيضًا من فاقة الحاجة المعنوية وخاصة في جانبها الأمني، كما أنّه معرّض للمحن داخليًا وخارجيًا، فهو مقبور من قِبل القوى العالمية التي تدّعي العدل والمساواة وحقوق الإنسان. والعنف الّذي يمارسه تنظيم “داعش” مركّز على مجموعة من الصور الرمزية. فعندما يقوم بجريمة “النّحر” (الذبح) دائمًا الضحية يرتدي لباسا برتقاليا، وهو اللباس نفسه القمعي الّذي تفرضه القوى العالمية على كلّ مَن يرونه خطرا ولو كان خطرا افتراضيا. إلى جانب أنّهم يعتمدون صورة الجبابرة نفسها الّتي تعتمدها القوى العالمية لفرض هيمنتها على شعوب المنطقة. إنها صورة الجبّار الّذي يعمل على إهانة الآخر والسّيطرة عليه، وإذا تحتّم الأمر إبادته وسحقه عند الضّرورة. ما هي مخاطر التطرف على التماسك الاجتماعي؟ التطرّف كقيمة وممارسة نتائجه رهيبة، على مستوى النّسيج الاجتماعي والانسجامية بين أفراد المجتمع، إن كان على مستوى المؤسسات القاعدية مثل مؤسسة الأسرة، أو على مستوى التنوّع الثقافي القائم على التعددية الثقافية والّتي تقوم على قبول قاعدة احترام الآخر والاعتراف به في زمن العيش المشترك الّذي كان مرسّخا تاريخيًا. والحالة السورية والعراقية نموذج على ذلك. وفي الحالة الجزائرية حدّث ولا حرج، فعنف التسعينيات ضرب الانسجامية على مستوى الذّوات المتعدّدة الّتي شكّلتها محن التاريخ لتتحوّل إلى ذات منسجمة. بل عدم الانسجامية وصلت إلى ضرب الخلية الأولى وهي الأسرة، فأصبح التّناحر يتمّ على مستوى أفراد الأسرة الواحدة هذا مع وذاك ضدّ. ما هو تصوّركم للأزمة الاقتصادية في البلاد وعلاقتها بتطرّف الشّباب؟ الأزمة الاقتصادية لا يمكن أن يفسّر بها لوحدها العنف، لكن هي أحد الأسباب المكمّلة للأسباب الأخرى، لكي تحوّل الفرد من إنسان مسالم إلى إنسان عنيف طالب للشّهادة على حساب الحياة الّتي يركّز عليها الدّين الإسلامي. بل العنف قد يصبح جهادا بهذه الأسباب الاقتصادية، ويُبرَر من قِبل الّذين يقومون به بصور رومانسية عرفتها ممارسات الجهاد في مراحل تاريخ العزلة والعمل من أجل التحرّر. كيف تؤدّي النُّخب المثقفة دورها في منع التطرّف ونشر قيم السّلم والمواطنة؟ بالعكس قد تكون ما يسمّى بالنّخب أحد أسباب العنف، والعاملة على شرعنته وتبرير صوره بتحليلات قد تكون نافية للواقع أو مشوّهة له. علماء ومشايخ يعتبرونهم خوارج “ما يقوم به “داعش” خارجٌ عن تعاليم الإسلام” ❊ على ضوء ما يحدث بالعراقوسوريا من انتهاكات في حقّ تلك الشّعوب على يد “داعش” أجمع عددٌ من العلماء والمشايخ في العالم الإسلامي على أنّ ما يقوم به تنظيم “داعش” أو ما يُسمّى تنظيم الدولة الإسلامية من أعمال قتلٍ وسفكٍ للدّماء خارجٌ عن تعاليم ديننا الحنيف؛ معتبرين “داعش” خوارج وشوكة في نحور المسلمين والعدوّ الأوّل لديننا الإسلامي، دين التّسامح والسّلام والوسطية. العلامة عبد اللّه بن بيه “طريق داعش لا يؤدّي إلى الجنّة” أكّد رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في أبو ظبي، الدكتور الشيخ عبد اللّه بن بيه، أنّ الشّباب المنضمين إلى تنظيم داعش “إنّما يعملون على خراب الدّنيا والآخرة”. وقال الشّيخ عبد اللّه بن بيه مخاطبًا مقاتلي “داعش”: “هذا الطّريق لا يؤدّي إلى الجنّة، وإنّ طريق سفك الدّماء المتبادل ليس طريقًا”، وأضاف أنّ “الجهاد الصّحيح هو جهاد بناء الأوطان، والإحسان إلى النّاس والوالدين”. مشدّدًا على أنّ مناهج وبرامج التّعليم في الدول الإسلامية ينبغي أن يتمّ تطويرها لتلائم العصر، من رحم الشّريعة. مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ “أفكار التطرف والإرهاب ليست من الإسلام في شيء” قال مفتي المملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، في بيانٍ له: “إنّ أفكار التطرف والتشدّد والإرهاب الّذي يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنّسل ليس من الإسلام في شيء، بل هو عدوّ الإسلام الأوّل، والمسلمون هم أوّل ضحاياه”. وأضاف: “كما هو مشاهد في جرائم ما يسمّى بداعش والقاعدة وما تفرّع عنهما من جماعات، وفيهم يصدق قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: “سيخرج في آخر الزّمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنّ في قتلهم أجرًا لمَن قتلهم عند اللّه يوم القيامة”. وتابع آل الشيخ موضّحًا أنّ الجماعات الخارجية لا تُحسب على الإسلام، ولا على أهله المتمسكين بهديه، بل هي امتداد للخوارج الّذين هم أول فرقة مرقت من الدّين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب، فاستحلّت دماءهم وأموالهم. الدّاعية الشّيخ عائض القرني “تحصين شبابنا من أكاذيب الغلاة والإرهابيين” شدّد الدّاعية السعودي الشّيخ عائض القرني على ضرورة تحصين شبابنا وعقيدتنا وأوطاننا من أكاذيب الغلاة والإرهابيين، بالرجوع الصّادق إلى الكتاب والسنّة؛ بواسطة العلماء الصّادقين والدّعاة المخلصين أهل الوسطية؛ مؤكدًا أنّ الخطر يدهمنا ونحن مشغولون بالتعصب والسِّباب. وأضاف القرني في تصريحات للصّحافة السعودية قائلاً: “لا بدّ من الاعتدال بلا تفريط ولا إفراط؛ وذلك من خلال الدروس والمحاضرات والندوات والتأليف”؛ محيلاً باللائمة على وسائل الإعلام؛ لعدم استضافتها كثيرًا من المشايخ الّذين ينوّرون للنّاس الطريق ويُبَيّنون لهم كثيرًا من هذه المسالك الضّالة؛ حتّى إنّنا نجد قلّة الدروس والمحاضرات والنّدوات والمقالات في التلفزيون والراديو والصحف اليومية؛ بينما الخطر يهدّدنا ويدهمنا من كلّ مكان، ونحن مشغولون بالتعصب والتّراشق بالتّهم والسّباب والشّتائم.. فإلى اللّه نشكو حالنا.