لا يزال اتفاق الشراكة الموقّع عام 2002 بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، والذي دخل حيز التنفيذ في الفاتح جويلية 2005، بعيدا عن تحقيق أهدافه المعلنة والمأمولة، ورغم اتفاق الجانبين على استفادة الجزائر من فترة إعفاء لرزنامة التفكيك الجمركي الذي ينتهي في 2020 بدلا من 2017، فإن الاختلال يبقى سيد الموقف، سواء بالنسبة لأطراف التبادل التجارية أو التدفقات المالية، بل إن الجزائر بعيدا عن تجارة المحروقات تسجل عجزا كبيرا، إذ إنها تستورد ما بين 16 إلى 18 دولارا مقابل تصدير دولار واحد باتجاه دول الاتحاد الأوروبي. تبقى مسؤولية الجانب الجزائري كبيرة على المستوى الاقتصادي والتجاري بالخصوص، لعدم قدرته على استغلال مزايا الاتفاق، فيما لا يزال الجانب الأوروبي لم يحترم التزاماته المتعلقة بالاستثمارات المباشرة وتسهيل حرية تنقل الأشخاص، يضاف إليها العقبات شبه الجمركية والسياسات الجبائية المعتمدة من قبل دول الاتحاد، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الزراعية المشتركة الأوروبية التي تجعل من أوروبا قلعة حصينة في مواجهة المنتجات الزراعية التي يخضع بعضها لنظام الحصص وبعضها الآخر لمقاييس صارمة جدا في مجال التقييس والتعبئة، ونفس الأمر ينطبق على المواد الفلاحية الصناعية. وقد حدد اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي عددا من الأهداف لخصتها المادة الثانية بالفقرة الثانية بالخصوص، وتتمثل في توفير إطار ملائم للحوار السياسي بين الأطراف المعنية لتدعيم علاقتهم وتعاونهم في جميع المجالات التي يعتبرونها ملائمة، وتطوير المبادلات وضمان تنمية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، وتحديد الشروط لتحرير تدريجي لتبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال، وأخيرا تحفيز التبادل على المستوى الإنساني وتشجيع الاندماج المغاربي. والملاحظ أن اتفاق الشراكة كرس واقعا كان معروفا في السابق ولم يتغير، بل تضاعف خلال السنوات الماضية على خلفية الشروع في تفكيك الرسوم والتعريفات الجمركية تدريجيا، إذ إن الجزائر لم توظف قط كافة المزايا التي استفادت منها في إطار اتفاق الشراكة، على الرغم من احتفاظها بالعديد من المزايا الخاصة باتفاقيات 1976 وغيرها، والتي تسمح للجزائر بتصدير العديد من المواد والمنتجات الفلاحية والصيد البحري، ولكنها بخلاف دول الجوار لم تستغل المزايا التي كان بالإمكان أن يسمح بها بعد 10 سنوات من ضمان توازن خارج نطاق المحروقات، حيث تمثل الجزائر 12% من حاجيات الغاز الأوروبي ونسبة أقل من النفط. ويلاحظ أن حجم المبادلات التجارية عرف ارتفاعا متسارعا بين الجانبين، ولكن بنية المبادلات لم تتغير، إذ ظلت بالنسبة للجزائر تطغى عليها صادرات المحروقات بنسبة تفوق 95%، وقد كانت قيمة الواردات الجزائرية تقدر ب6.732 مليار دولار في سنة 2002، و7.954 مليار دولار في 2003، و10.097 مليار دولار في 2004، و11.225 مليار دولار في 2005. بالمقابل، قدرت صادرات الجزائر ب12.100 مليار دولار في 2002، و14.503 مليار دولار في 2003، و17.396 مليار دولار في 2004، و25.593 مليار دولار في 2005، ولا تحقق الجزائر فائضا في الميزان إلا بفضل المحروقات، فيما تضاعفت المبادلات التجارية بين 2002 و2014 ب51 مليار دولار، إذ كان تقدر ب18.832 مليار دولار، وارتقت إلى 70.014 مليار دولار، مع عجز واضح في المبادلات خارج المحروقات. إضافة إلى ذلك فإن الجزائر استفادت من إعفاءات واسعة لم تستغل لعدم مطابقة المنتج الجزائري للمواصفات والشروط الأوروبية. وعليه فإنه في إطار “نظام الحصص ذات المزايا الخاصة”، أي المنتجات التي تستفيد من الإعفاء من الرسوم والتعريفات الجمركية لدى دخولها السوق الأوروبية، لم تستهلك الجزائر إلا نسبة متواضعة، فمن مجموع 41 صنفا أو حصة لمواد يمكن للجزائر تصديرها دون رسوم، لم تستغل الجزائر سوى 6 إلى 10 أصناف وبنسب قليلة لم تتجاوز 10%، وتتمثل في الخمور والعجائن والكسكسي ومواد زراعية. بالمقابل، يستنفد الطرف الأوروبي في ظرف الأشهر الثلاثة الأولى من السنة أهم المنتجات والحصص المعفاة من الرسوم والتعريفات الجمركية، بل إن المواد “الهامة” مثل السكر والحبوب والحليب تنفد خلال الشهر الأول. كما تظل الاستثمارات المباشرة الأوروبية متواضعة مقارنة بدول الجوار. ففي إطار اتفاق الشراكة، قامت دول الاتحاد الأوروبي باستثمار أقل من مليار أورو، بينما استفادت دول الجوار من قيمة مضاعفة تعدت سقف 5 ملايير أورو. وبقيت الجزائر التي أصرت على التركيز على اتفاق الشراكة خارج إطار مسار السياسة الأوروبية للجوار وبرنامج التمويل الخاص بها ما بين 2009 و2017، كما أنها الدولة الوحيدة التي لم تعتمد مخطط عمل خاصا في هذا الإطار، وهي من الدول التي لم تستهلك نصيبها المخصص لها في برامج “ميدا 1” و “ميدا 2” بنسبة كبيرة، إذ ظلت نسبة الاستهلاك متواضعة في حدود 30%.