تثير معارضة نواب من حزب جبهة التحرير الوطني، لقرار فرض “الشيك” في المعاملات التجارية التي تفوق 100 مليون سنتيم، تساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي جعلتهم يقفون لأول مرة ضد قرار صادر عن حكومة يزكون في العادة كل ما يصدر عنها، لدرجة وصف وجه بارز في معارضة قيادة الأفالان الحالية، هذا الموقف ب«الانحراف الخطير”، بينما يرى خبير اقتصادي بأن مبرراته فيها بعض “الحق الذي يراد به باطل”. عند سؤال النائب بهاء الدين طليبة، أحد أشد معارضي فرض “الشيك” في التعاملات التجارية عن مبرراته يجيب بأن “الجزائر ليست مهيأة لهذا القرار من الناحية التقنية، فأكثر من 70 بالمائة من المواطنين لا يمتلكون حسابا بنكيا ويتعاملون بالحساب البريدي، كما أن عملية فتح حساب بنكي معقدة وتتطلب 3 إلى 4 أشهر، والبنوك الجزائرية لا تتوفر على منظومة لوسائل الدفع الإلكترونية”. لكن رفض طليبة لهذا القرار، وهو أحد رجال الأعمال الذين يمكن أن تحيط بهم شبهة التعامل بما يسمى “الشكارة”، قد يطرح بإلحاح سؤالا حول وجود تضارب مصالح في هذه النقطة. يجيب النائب العضو في اللجنة المالية للبرلمان عن هذه الإشكالية ل«الخبر”، قائلا: “لا أتحدث عن نفسي، فأنا لست مستفيدا من إبقاء الوضع على حاله، ولكني أعلم أن هذا القرار سيكون مضرا بالمواطنين البسطاء في الجزائر العميقة، فكيف مثلا سيتعامل موال مواشي مع قرار فجائي كهذا في مكان تغيب فيه التغطية البنكية؟ ثم كيف ستطبق البنوك هذا القرار وهي غير قادرة على صرف شيك بمبلغ بسيط لعدم توفر السيولة؟ ببساطة هذا القرار نعتقد أنه مستحيل التطبيق عمليا”. “موقف شخصي لا يعبرعن الأفالان” يستمر النائب في سرد حججه ويقول إنه يعبر عن موقف جبهة التحرير الوطني باعتباره عضو لجنة مركزية. غير أن هذا الرأي يخالفه برلماني آخر من نفس الحزب، إذ كتب النائب ناحت يوسف، على صفحته في الفيسبوك، أن ما ردده رئيس المجموعة البرلمانية للأفالان محمد جميعي والمؤيدين له، لا يعبر سوى عن موقف شخصي، يتحمل صاحبه المسؤولية عنه، متسائلا عمن فوضه لاتخاذ هذا الموقف، على اعتبار أن “الكتلة لم تجتمع ولم تتناول هذا الموضوع”. وفي داخل الأفالان الذي لم تنصب كامل مؤسساته بعد المؤتمر، ولا يوجد مفوض للحديث باسمه للإعلام، تحدث أحد القياديين دون أن يذكر اسمه، أنه “لا يمكن معارضة إجراء يهدف لتنظيم الاقتصاد الوطني”. وبكلمات أكثر حدة، يجهر عبد الكريم عبادة، الوجه المعارض لقيادة الأفالان الحالية، برفض أن “يستعمل الأفالان في يد فئة من رجال الأعمال لخدمة مصالحها”، ويشير إلى أن ذلك “انحراف خطير من بعض النواب، حاشا من البقية أن يقبلوا به أو ينخرطوا فيه أو يعارضوا قرارا ضد المصلحة العامة”. ويصف عبادة مبررات الرافضين لفرض الشيك، بأنها “ذرائع واهية، فالقرار اعتمد سابقا وثار عليه أرباب المال الفاسد، والآن حان الوقت لتطبيقه، ولا ينبغي لدخلاء الأفالان ممن لوثوا الحزب وتمكنوا من مفاصله، أن يغير من طبيعته المناصرة للعمال والكادحين والفقراء ويجعلوه في أيدي البرجوازية الطفيلية”. “فرض الشيك هو علاج بالصدمة” وبعيدا عن جدل السياسيين، يعتقد الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، بأن حل أزمة التعاملات في السوق الموازية وتداول السيولة خارج البنوك، لا يمكن أن يكون عبر تقنية “العلاج بالصدمة”. موضحا بأن “كلامه لا يعني أنه يوافق بعض النواب في معارضتهم للقرار، لأن هؤلاء خاصة من فئة رجال الأعمال مستفيدون من الوضع القائم وكلامهم قد يكون حقا يراد به باطل”. وينطلق مسدور في نظرته من مقاربة أكثر شمولا، فهو يعتبر أن فرض التعامل بالشيك يكون ممكنا في حال تبنت الدولة تحفيزات تشجع عليه، كأن تمنح امتيازات جبائية لكل من يستعمل الشيك في معاملة تفوق 100 مليون سنتيم، وأن تقوم البنوك بتشجيع رجال الأعمال الذين يتعاملون بالشيك عبر استفادتهم من قروض بنسب فوائد مخفضة، بالإضافة إلى تحفيز المتعاملين على استعمال وسائل الدفع الإلكترونية بعد تطويرها من خلال إعفائهم الضريبي التام لمدة محددة. ويعتقد مسدور أن هذا القرار في ظل الوضع الحالي لن يجد طريقه للتنفيذ ما دام معظم الجزائريين ليسوا متعودين على التعامل مع البنوك، إلى جانب قناعاتهم الدينية التي تتصادم مع منطق المعاملات البنكية بالفوائد. وفي ظل هذه الظروف المحيطة بقرار فرض الشيك الذي دخل رسميا حيز التنفيذ أمس، تواجه الحكومة اختيارا جديدا يتعلق بمصداقيتها وقدرتها على فرض القانون، بعد أن فشلت مرتين في تطبيق نفس القرار، مرة في عهد رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم سنة 2005، ومرة ثانية في فترة أحمد أويحيى سنة 2010، وانتهى بأحداث “السكر والزيت” المأساوية التي سبقت بها الجزائر بقليل أحداث الربيع العربي.