أجمع الخبراء والمختصون في المجال الاقتصادي على أن الإجراءات المقررة من قبل الحكومة لا تحل جوهر الأزمة الاقتصادية والمالية الوطنية، التي كشفت عدم قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود أمام الصدمات الخارجية، بحكم تبعيته التامة لاقتصاد الريع، على الرغم من أنهم أشاروا إلى أن اتخاذ التدابير الاستعجالية أمر مفروض على السلطات العمومية لمواجهة تداعيات الأزمة. واعتبر الخبراء الاقتصاديون التصريحات التي أدلى بها الوزير الأول، عبد المالك سلال، بمناسبة لقائه بولاة الجمهورية مجرد تدابير تهدف إلى التخفيف من وطأة تراجع المداخيل الوطنية جراء تدني أسعار البترول وانكماش الصادرات من النفط، من منطلق أن غالبية القرارات تصب في خانة الطابع الاستعجالي، كونها تمتد إلى آفاق سنة 2016 على أقصى تقدير، وهو مدى قصير جدا لا يمكن أن تقوم عليه الاستراتيجية الاقتصادية. وفي هذا الشأن، قال الخبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، شفيق أحمين، إن الوضعية الحالية التي توجد فيها الجزائر تتجاوز الاعتماد على الحلول الظرفية فقط، إذ تفرض وضع استراتيجية مؤسسة قائمة على نظرة بعيدة المدى، تهدف لترقية الإنتاج الوطني وتخفيف التبعية لما تنتجه حقول النفط. ودعا إلى تجنيد، تجسيدا لذلك، أكبر عدد من الخبراء بالإضافة إلى الحكومة والشركاء الاجتماعيين لمناقشة الوضع وتحديد الخطة التي يمكن الاعتماد عليها على المدى البعيد.
تابعونا على صفحة "الخبر" في "غوغل+"
وقال المتحدث، في تصريحه ل”الخبر”، إن التدابير العاجلة الأخرى ضرورية هي كذلك، وأشار إلى تقليص أو “عقلنة الإنفاق العمومي” المرتبط بالأظرفة المالية التي تنفقها الجماعات المحلية والولايات، مؤكدا على أن الجزائر تملك هامشا كبيرا للتخفيف من جملة من النفقات التي تثقل كاهل الخزينة العمومية، واستند في ذلك على رأي المختصين بخصوص إمكانية تقليص 6 مليار دولار بفضل تغيير النمط الاستهلاكي فقط. ومن جانبه، تساءل الخبير في الشؤون الاقتصادية، عبد الرحمان مبتول، عن قدرة السلطات العمومية على تطبيق هذه القرارات، على اعتبار أن التجسيد الميداني للتدابير الحكومية هو ما يبقى غير مؤكد، بالنظر إلى العديد من المعطيات وتجاذبات المصالح التي تشكل الواقع الذي تصطدم به الإجراءات المقررة من قبل الجهات الوصية، كما هو الشأن لجملة القوانين التي تجد صعوبة في أن تترجم على الواقع. وبالموازاة مع ذلك، قال مبتول إنه على الرغم من رسائل الوزير الأول التطمينية للرأي العام، إلا أن الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تكشف أن ذلك مرتبط بشكل أساسي بالحكم الراشد، الذي قال إنه لابد على الحكومة الالتزام به، وحذّر بأنه في حالة العكس فإن لجوء الجزائر إلى صندوق النقد الدولي للاستدانة مجددا بحلول 2018 سيكون الحل الوحيد الموجود في يد الحكومة، بما لذلك من تداعيات جيوسياسية على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا على الشروط والتنازلات التي ستفرضها هذه الهيئة المالية. وقدم الخبير تعليلا لهذا الرأي العديد من المؤشرات، أورد في مقدمتها انكماش المداخيل الوطنية، إذ لن يتوفر صندوق ضبط الإيرادات في نهاية 2015 سوى على 30 مليار دولار، مشيرا إلى أن قانون المالية التكميلي للسنة الحالية بنى الاحتمالات على سعر للبترول يقدر ب 60 دولارا للبرميل، بينما تسجل البورصة العالمية مستوى أقل من 50 دولارا، وذكر في هذا الإطار تداعيات دخول الإنتاج الإيراني وتدخل البنك المركزي الصيني بتقليص الاستهلاك، التي ستجد إسقاطاتها نهاية السنة الجارية وبداية سنة 2016.