يتعرّض الأطفال في مجتمعنا للإهمال والاعتداء والاختطاف بشكل يبعث على القلق والخوف من المستقبل الّذي ينتظر هذه الفئة الهامة في المجتمع، والّتي من الواجب الاهتمام بها ورعايتها وتنشئتها التّنشئة الصّالحة. قال الله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةً أَعْيُنٍ} الفرقان:74، وقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} الكهف:46. لقد أصبح الاهتمام بالأطفال مؤشّرًا حضاريًا تتسابق فيه الشّعوب والدول وتسنّ العديد من التّشريعات الخاصة بحمايتهم وضمان حقوقهم والدّفاع عن قضاياهم، حتّى أصبح هذا المجال مقياسًا لتقدّم المجتمعات ورقيها وتحضّرها. اهتمّت الشّريعة الإسلامية بهذا الموضوع من خلال آيات القرآن الكريم وسنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الّتي تطرّقَت إلى كافة شؤون الأطفال وقضاياهم وطريقة تربيتهم وكيفية التّعامل معهم وحقوقهم الشّرعية والأدبية، كما أوصت بالإحسان إليهم والرّفق في التّعامل معهم وعدم تكليفهم ما لا يُطيقون. وتبدأ حقوق الطّفل قبل ولادته، حيث تحُثّ الشّريعة الإسلامية على حُسن اختيار الزّوج أو الزّوجة، وعدم التّهاون في أهمية الوراثة في التّناسل، حيث يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: “تخيّروا لنُطفكم فإنّ العِرق دسّاس”، كما أنّ هناك توجيهًا على اختيار الزّوجة الصّالحة ذات الأصل الطيّب نظرًا لمَا يترتّب على ذلك من نتائج وراثية وتربوية مستقبلية. كما اهتمت اهتمّت الشّريعة الإسلامية بالجنين وحرّمت الاعتداء عليه بالإسقاط، وها هي الكثير من جماعات حقوق الإنسان تنادي بتحريم الإجهاض وجعله عملاً غير قانوني في كثير من دول العالم، ليس هذا فحسب فلقد أوجبت الشّريعة الإسلامية ضرورة النّفقة على المرأة الحامل حتّى في حالات الطّلاق، فإنّ للمرأة الحامل حقوقًا خاصة تكفل لها الرّاحة والاستقرار من أجل ضمان حمل سليم وطفلٍ سليم خالٍ من العيوب. ولقد أجازت الشّريعة الإسلامية عدم الصّيام للحامل وإسقاط بعض التّكاليف الشّرعية عنها والقصد من ذلك تحقيق مصلحة الجنين. والشّريعة الإسلامية تحرّم إسقاط الجنين حتّى في حالة رغبة أبيه وأمّه، لأنّ حقّه في الحياة هبة من الخالق سبحانه وتعالى ويستثنى من ذلك الضّرورات الصحيّة عندما يشكّل وجود الجنين خطرًا على حياة الأم. وبعد ميلاد الطفل، فإنّ هذه الحقوق تستمر وأوّلها اختيار الاسم الحسن وتجنّب الأسماء القبيحة. ولقد حرّمت الشّريعة الإسلامية قتل الأطفال أو إيذائهم تحت أيّ ظرف مهما كان. وكانت تعاليم الشّريعة الإسلامية واضحة في تحريم قتل الأطفال وخصوصًا البنات، حيث كانت هذه العادة سائدة في الجاهلية. قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} الإسراء:31. وحثّ الإسلام الأم على الرّضاع وأمرها بذلك وأن تضمّ طفلها أو طفلتها إلى حجرها لكي يَشعر بالدفء والحنان والاستقرار، وناقش تهيئة الظّروف للأم المرضع وعدم حرمانها من رضاعة ابنها. قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} البقرة:233. ويعتبر طلب العلم وضرورة تعليم الأولاد من أساسيات التربية الصّحيحة، أكّدت الشّريعة الإسلامية على هذا في دعوة صريحة وواضحة، قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلق:1-5. والشّريعة الإسلامية تحثّ على معاملة الأطفال برفق وحنان وتوفير الأمن العاطفي لهم وعدم القسوة عليهم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الحسن رضي الله عنه فقال له الأقرع بن حابس: يا رسول الله، إنّ لي عشرة من الولد لم أقبّل واحدًا منهم قط، فقال له الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: “مَن لا يَرحم لا يُرحم”. ولا بدّ من تعليم الأطفال المفاهيم والقواعد الحسنة وغرسها في نفوسهم وتعويدهم على ممارستها، فعن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: كنتُ خَلف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: “يا غلام إنّي أُعلِّمُك كلمات: احفظ الله يَحفظك، احفظ الله تَجده تجاهك، إذا سالتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعْلَم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجُفّت الصّحف”. لقد اهتَمّت الشّريعة الإسلامية بالآداب الاجتماعية الّتي تساعد في تعاون أفراد المجتمع وتكاملهم من أجل تكوين مجتمع صالح يوفّر لأفراده العيش الكريم، فيجب تعليم الصّغار على الوعي والحسّ المجتمعي وضرورة احترام عناصر هذا المجتمع مثل: احترام الجار وكفّ الأذى عنه واحترام كافة أفراد المجتمع وعدم تتبّع أخطائهم وكشف عوراتهم وضرورة مساعدتهم في الشّدائد. *كلية الدراسات الإسلامية / قطر