يقدم الباحث الجامعي الدكتور بومدين بوزيد الذي يشغل منصب مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف تجربة المديرية في خدمة الخصوصية الدينية والوطنية الجزائرية، من خلال النّشر وطبع الكتاب وتوزيعه وسُبل الترويج له. يقول في حوار مع “الخبر” إنه طبعت منذ خمس سنوات عشرات المؤلفات، منها أمهات في الفقه والتفسير والأصول وتراجم علماء الجزائر وبحوث الملتقيات والقوافل العلمية التي نظمتها. في أي مجال تمحورت إصدارات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية؟ تَسعى مديرية الثقافة الإسلامية منذ سنوات لتوفير الكتاب العلمي المرجعي خصوصاً ما تعلق بهويتنا الجزائرية والمغاربية، ويخدم الانتماء المذهبي والحضاري مثل كتب المذهب المالكي والإباضي والتصوف والأشعرية والتاريخ الإسلامي كالحواضر الجزائرية، والإمارات التي قامت في “المغرب الأوسط” كالدولة الرستمية والزيانية والحفصية وحواضر الشلف وتوات وبجاية ومشدالة، كما أصدرنا كتباً لها علاقة بالحوار الحضاري والديني، هذا فضلاً عن سِيَر ومناقب أعلامنا في سلسلة أسميناها “سلسلة القوافل العلمية”، وهي مُوجهة للجمهور بمختلف مستوياتهم. أما المجلة السداسية المحكمة “الثقافة الإسلامية”، فهي موجهة في الغالب للباحثين والطلبة من الأئمة والمُختصين في مجالات الشريعة والفكر الإسلامي. وللمساهمة الرمزية في تظاهرة قسنطينة، برمجنا حوالي مائة عنوان بدأنا نستقبل بعضها هذه الأيام فقط، أولينا فيها أفضلية لمواضيع تتعلق بقسنطينة. لم هذا التأخر في طبع كتب التظاهرة؟ التأخر في الطبع استدرك ولكن السنة لا تستدرك، فالكتب هي التي ستبقى، واليوم ما بقي من ملتقيات الفكر الإسلامي هو الذي طبع ويحتاج من الناشرين إعادة طباعته، بدل أن ينتظرَ جلهم ما تجود به عليهم خزينة الدولة باسم التظاهرات أو من صندوق الكتاب. واليوم الحمد لله استقبلنا مجموع مؤلفات جديدة منها “المعالم الأثرية في بجاية” و”الكليات التشريعية وأثرها في الاجتهاد والفتوى” و”الفتوى في الجزائر: واقع وآفاق”، وسنمكّن الإعلام من هذه الكتب للتعليق والمناقشة. أشير هنا كذلك إلى أن الميزانية التي أعطيت للوزارة في التظاهرة رمزية، ولكن رغم ذلك الحمد لله وجهنا جلها للكتاب الذي سيخدم مرجعيتنا، فالمنافحة عن الخصوصية تكون بالعلم والاجتهاد، وأتصور أن التخصيص في أبواب الميزانية مستقبلاً يولي أهمية لرفع سَحب كمية المصحف الشريف بقراءة ورش ليسد العجز في المساجد، وكذلك ميزانية باسم “ترقية المرجعية الدينية والحضارية” أو تقوم بذلك مراكز بحث أو هيئات بصورة ما تُسند لها تلك المهام الحضارية. وبالمناسبة، أدعو الجامعات ومراكز البحث إلى تشجيع شراء الكتب التي لها علاقة بخصوصيتنا وتعطى الأولية للكتب التي تصدر في الجزائر، والقصد كذلك هنا تشجيع الكاتب الجزائري، أي بمعنى أن يشترط قانونياً نسبة مئوية في شراء كتب مخصصة لما هو جزائري، ولكن ليس على حساب المواصفات العلمية المطلوبة. بعض الجامعات اليوم تقتني كتب التطرف والتخلف، ومنها مثلا كتب تفسير الأحلام والترغيب والترهيب ومن إصدارات دور غير علمية، أو كتب ستوكاج، وهو ما يدعو إلى ضرورة مراجعة عملية الاقتناء العشوائية للكتب في الجامعات والتي يشوب بعضها الفساد الواضح. كيف يتم قبول الكتب التي توجه للطبع في هيئتكم؟ أنشئت لجنة علمية بقرار وزاري من مختلف التخصصات التي تعني اهتمام القطاع، واشتغلت لمدة سنة تقريباً في اجتماعات مكثفة لمراجعة الكتب المقترحة للطبع، وإذ أحيي زملائي الباحثين الذين عملوا مجاناً وحرصوا على تطبيق ما تمّ الإعلان عنه في الجرائد من كون الوزارة لا تطبع إلا ما هو جزائري وما لم يسبق طباعته إلا في النادر الذي نفد من المكتبات، وأن يشكّل الكتاب إضافة علمية ومرجعاً للأئمة والطلبة والمرشدات، كما يسهم في تجديد الخطاب الديني وإحياء تراثنا الفقهي والديني والحضاري. وقد تمكن حوالي اثنين وخمسين ناشراً من المشاركة في هذه العملية. وبالمناسبة من خلالكم أود لفت انتباه الناشرين إلى أن الوزارة ليست معنية بطبع الكتب أو تشجيع طبع الكتب فذلك من مهام وزارة الثقافة، ولكننا حاولنا قدر الإمكان استغلال جزء من ميزانية رمزية، كما قلت، مخصصة للتظاهرات التي عاشتها الجزائر، وليست عندنا أبواب في الميزانية سنوياً تنص على ذلك ما عدا المصحف الشريف الذي لا تتجاوز كميته في العام مائتي ألف نسخة، في حين وصلت الكمية في المملكة المغربية إلى مليون نسخة، توزع كمية معتبرة منها في البلدان الإفريقية، ونحن نجد صعوبة في إيصال مصاحفنا إلى بلدان الساحل الإفريقي إلا بجهد بعض المخلصين في الخفاء من شدة حبهم لكتاب الله وحفاظاً على بعدنا الإفريقي وانتصاراً لميراث ورش في هذه البلدان. أي الجهات تستفيد من منشوراتكم وهل من صعوبات في ذلك؟ سبق لنا أن وزعنا منشوراتنا على الجامعات ومراكز الثقافة الإسلامية ودُور الثقافة والمخابر العلمية في اتفاق مع وزارة التعليم العالي، كما نوفرها لبعض الثانويات كهدايا تخرج حين يطلب منّا ذلك، وأرجو أن يتطور هذا التوزيع بشكل منظم وكاف، فتوزيع الكتب في الجزائر وتسويقها يشوبه الضعف والتّأخر، كما أنه للأسف لا نستطيع إيصال ذلك إلى الجامعات العربية ومراكز بحثها إلا عبر الأفراد في زيارات علمية ورسمية، والخارجية عليها أن تدرك أن تسويق صورة الجزائر فنياً وجمالياً وعلمياً أهم بكثير من الخطب والاجتماعات المشتركة في القاعات المُغلقة. أنا أتمنى أن تكون هذه المكتبة الوزارية التي يمكن تسميتها “مكتبة المرجعية الدينية والوطنية” متوفرة عند الإمام والباحث والطالب في رفوف خاصة في مكتبات الكليات التي لها علاقة بذلك وفي المساجد الأقطاب الكبرى، وإننا نتصور مستقبلا بحول الله من خلال هذا التراكم أن يكون لدينا “موسوعة الجزائر” التي نفتقدها في تاريخ حواضرنا وعلمائنا ومدننا ومدارسنا العلمية التاريخية.