كشفت الأرقام التي عرضها الوزير الأول، عبد المالك سلال، بخصوص مستوى احتياطي الصرف، خلال اجتماع الثلاثية، عن الهاجس الذي يواجه السلطات العمومية، بشأن شح الموارد المالية، بما في ذلك الاحتياطي الذي تراكم، بفعل ارتفاع أسعار المحروقات طيلة السنوات 15 الماضية، وبين الانهيار المتسارع للاحتياطي ونضوب صندوق ضبط الموارد، عن ضيق هوامش حركة حكومة فشلت في تسيير مواردها طيلة السنوات الماضية، لضمان تنويع الاقتصاد وبناء منظومة قادرة على التكيف مع المتغيرات المستجدة في سوق المحروقات. بيّن العرض المقدم من قبل الوزير الأول سلال عن سيادة المقاربة الكمية، المبنية على مؤشرات الاقتصاد الكلي مجددا، دون تقديم بدائل عملية، تسمح بخروج الاقتصاد الجزائرية من الارتهان إلى المحروقات، والوقاية من الصدمات، فقد قدر الوزير الأول مستوى احتياطي الصرف ب136.9 مليار دولار، ما يعني أن هذا الاحتياطي انخفض في ظرف ثلاثة أشهر بأكثر من 6 ملايير دولار، بمعدل ملياري دولار شهريا، حيث كان ناتج الاحتياطي يقدر نهاية السنة الماضية ب143 مليار دولار، وقد فقد نفس الاحتياطي قرابة 36 مليار دولار ما بين 2014 و2015، وفقد 51 مليار دولار ما بين نهاية 2013 ونهاية 2015، حيث بلغ مع انقضاء سنة 2013، ما قيمته 194 مليار دولار. ويكشف التراجع المتسارع لاحتياطي الصرف عن إشكال كبير، لا يرتبط فحسب بتقلبات أسعار المحروقات، بل بعوامل تقنية، منها تقلبات سعر الصرف، ونسب الفوائد المتدنية وهوامش الأرباح الضعيفة، في وقت لم يتم الكشف بالتحديد عن معالم سياسات التوظيف المعتمدة من قبل بنك الجزائر، باستثناء تخصيص جزء من الاحتياطي بالدولار الأمريكي وجزء آخر بالأورو، وتوظيف جزء من الاحتياطي على شكل سندات خزينة أمريكية وأخرى كسندات أوروبية منها ألمانية، وقد سجلت الفترة الممتدة ما بين 2013 و2015، بالخصوص تراجعا كبيرا في هوامش ربح الاحتياطي الجزائري، في وقت بدأت الجزائر تعاني أيضا من انعكاسات انخفاض أسعار المحروقات وتراجع الإنتاج أيضا. ويتوقع بناء على كافة المعطيات المسجلة أن يتراجع مستوى احتياطي الصرف الجزائري مع نهاية السنة الحالية، دون مستوى 120 دولار للبرميل، أي أقل من المستوى المتوقع في قانون المالية لسنة 2016، حيث قدر ب121.2 مليار دولار (23 شهر واردات)، بينما يتوقع أن يتدنى الاحتياطي دون هذا المستوى، بناء على معطيات إحصائية منها توقعات بلوغ معدل سعر النفط الجزائري هذه السنة، حوالي 45 دولار للبرميل، مقابل 52.79 دولار للبرميل سنة 2015، وتتأثر الجزائر بصورة مزدوجة من انهيار أسعار المحروقات وتراجع مستوى الإنتاج النفطي والغازي، ما يؤثر بصورة كبيرة على الإيرادات الإجمالية.
ونفس الأمر ينطبق على مستوى صندوق ضبط الموارد، فالحكومة توقعت في قانون مالية 2016، بلوغ ناتجه 1797.4 مليار دينار (17,028 مليار دولار)، على أساس معدل سعر نفط يقدر على الأقل ب50 دولار للبرميل، بينما التراجع الكبير للأسعار، يخلط حسابات الحكومة، حيث يرتقب أن تنضب الموارد، قبل الفترة المتوقعة، مع ارتفاع مستوى الاقتطاعات ما بين 2014 و2016، ويرتقب أن يتدنى صندوق ضبط الموارد مع نهاية السنة الحالية، دون 7 ملايير دولار، وهو مستوى لن يسمح للسلطات العمومية استغلاله مع السنة المقبلة، لتغطية العجز في الميزانية والخزينة التي ستقارب 60 مليار دولار، هذا الوضع هو الذي يدفع السلطات إلى خيار الاستدانة الخارجية،لاسيما وأن البدائل الداخلية منها القرض السندي والالتزام الجبائي تعد حلولا محدودة الأثر، كآلية لتمويل الاقتصاد.