مهما كان موقفنا الشخصي من الحكم الصادر عن المحكمة، والقاضي بإبطال عملية التنازل عن أسهم “الخبر” لشركة “ناس برود”، فهذا لا يمنعنا من تطبيقه حرفيا، لأننا في “الخبر” نؤمن بأن تطبيق القانون هو الطريق الوحيد لحل الأزمات وبناء دولة الحق والقانون، إلا أن على الرأي العام أن يعلم أن لا أحد في هذا الكون، ومهما بلغ من اليأس، يمكنه أن يتخلى عن ابنه إلا إذا تيقن أن هذا الفعل هو السبيل الوحيد الذي من شأنه إنقاذ حياة فلذة كبده. وبالنسبة لجريدة “الخبر”، فإن (التضييق) بلغ أشده عندما وجدنا أنفسنا في كماشة تضغط علينا من كل الاتجاهات، فلا يمكن لأي مؤسسة أن تقاوم، لفترة ربع قرن، كل الضغوطات والاستفزازات من كل النواحي: المحاكم، الضرائب، غلق مصادر الخبر، تجفيف مصادر الإشهار، وغيرها... وهذا لسبب وحيد، هو أننا أردنا الدفاع عن العمل المهني الاحترافي، وأن نمارس مهامنا بالطريقة التي تعلمناها في المدارس والجامعات، وأن يكون خطنا الافتتاحي مفتوحا على الجميع، ولا نحتكم إلا لضمائرنا المهنية بعيدا عن المزايدات والديماغوجية ولغة الخشب، التي كانت نتائجها وخيمة على البلاد والعباد، وأوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. ألصقت بنا اتهامات شتى، فمن قائل إننا بوق للمعارضة، ومن قائل أننا نتحرك، بإيعاز من شخصيات نافذة، ضد النظام القائم.. ومن قائل إنه يقف خلفنا جنرالات.. وغيرها من الأقاويل والصفات.. ونقول لهؤلاء: لو كان ما قيل صحيحا، ما كنا لنقع تحت كل الضغوطات... فقد سُلطت علينا مصالح الضرائب من دون وجه حق، وجُرّدنا من حقنا في الإشهار العمومي لمدة 20 سنة، ورفضت المطابع الحكومية سحب جريدة “الخبر” في الجنوب مثل بقية الجرائد... و... و... و...ونقولها اليوم بملء الفم: “الخبر” ليست في خط المعارضة ولا هي في خط الموالاة... “الخبر” جريدة مستقلة... نقطة إلى السطر. نقول هذا، لأننا على علم بأن أغلبية المعارضة في الجزائر هي معارضة مناسبات، وأغلب الشخصيات فيها كانت أول من قهر حرية التعبير وكبّل الصحافة بقيود مازالت آثارها قائمة إلى يومنا هذا. ونقول هذا أيضا، لأننا ندرك أن السلطة القائمة لا ولن تسمح بالانفتاح وتحرير الحريات، مادامت على منطقها القائل: “من ليس معي.. فهو ضدي”. وبين هؤلاء، توجد الجزائر العميقة بكل مشاكلها اليومية، والمجتمع المدني بنشاطاته في جمعيات حقوق الإنسان، والنقابات المستقلة والشباب المؤطر في المنظمات وغير المنظم، والبطالون والعمال وطلبة الجامعات والثانويات والفلاحون بمشاكلهم، وغيرهم من مكونات مجتمعنا المتحرك على أكثر من صعيد... هؤلاء هم من يقفون وراء جريدة “الخبر” وتقف معهم هي أيضا... ودليلنا في ذلك الهبّة الشعبية التي رأيناها مؤخرا خلال المحنة التي اجتازتها “الخبر”. نقول هذا، ونحن نعلم أن السلطات تدرك كل هذا وأكثر.. تدرك أن أيادي مؤطري “الخبر” مستقلة عن كل نفوذ، وتدرك أيضا أنه لا يوجد لديهم حسابات سياسية يصفّونها لا مع هذا ولا مع ذاك، وتدرك أنه في الأمور الجادة تعرف “الخبر” بمهنيتها كيف تتموقع إلى جانب المصالح العليا للبلد، مثلما حدث مع ملفات ليبيا، سوريا والصحراء الغربية... ونعرف أيضا أنه عندما يتعلق الأمر باستتباب الأمن عبر التراب الوطني، كيف تكون “الخبر” المنارة التي ترشد بها الرأي العام الوطني إلى ما هو صالح للبلاد والعباد... إذا كان هذا هو القصد من إرادة النظام إبقاء “الخبر” بين أيدي المهنيين... فعليه أن يرفع يده ويفك قبضته الحديدية عن “الخبر”، ويتركها تتفرغ للمهمة الإعلامية التي وجدت من أجلها...