هل طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه فرع من فروع العقيدة، بناء على قول الله تعالى {يا أيُّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأُولي الأمر منكم}؟ نعم، طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه فرع من فروع العقيدة، فطاعتُه واجبة والخروج عليه محرّم، لقوله تعالى: {يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، ولقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “اسمعوا وأطيعوا وإن تأمّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه زبيبة” رواه البخاري. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني”، رواه البخاري. فطاعة وليّ الأمر من طاعة الله ورسول صلّى الله عليه وسلّم، يُطاع في غير معصية الله عزّ وجلّ، حتّى وإن منع رعيّته حقوقهم، فقد أرشدنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّبر على مِثل هذا الحاكم وسؤال الله تلك الحقوق، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّها ستكون بعدي أثرةُ وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمُر من أدرك منّا ذلك؟ قال: “تؤدّون الحقّ الّذي عليكم وتسألون الله الّذي لكم”، رواه البخاري ومسلم. قال ابن تيمية: فقد أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الأمراء يظلمون ويفعلون أمورًا منكرة، ومع هذا فأمرنا أن نؤتيهم الحقّ الّذي لهم ونسأل الله الحقّ الّذي لنا، ولم يأذن في أخذ الحقّ بالقتال، ولم يرخِّص في ترك الحقّ الّذي لهم. وقال النووي في شرح مسلم: هذا من معجزات النّبوة، وقد وقع هذا الإخبار متكرّرًا ووُجد مخبره متكرّرًا، وفيه الحثّ على السّمع والطّاعة وإن كان المتولّي ظالمًا عسوفًا فيُعطى حقّه من الطّاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع، بل يُتضرّع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شرّه وإصلاحه. هذا إن كان الحاكم ظالمًا عسوفًا يمنع رعّيته من حقوقهم، أمّا إن كان عادلاً يؤدّي ما عليه فطاعته واجبة من باب أولى، وقد توعّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من عصى حاكمه بقوله: “ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيًا” رواه البخاري، والإمام هنا هو الحاكم وكلّ من وُلِّي على أمر. أمّا عن الخروج على الحكام المسلمين، فلا يجوز ولو كانوا ظالمين، وقد دلّت نصوص شرعية على ذلك، منها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “خِيار أئمتكم (أي حكّامكم) الّذين تُحبّونهم ويحبّونكم، ويُصلّون عليكم (أي يدعون لكم) وتُصلّون عليهم، وشرار أئمتكم الّذين تُبغضونهم ويُبغِضونكم، وتعلنوهم ويلعنوكم، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابِذُهم بالسّيف؟ فقال: “لا، ما أقاموا الصّلاة، لا، ما أقاموا الصّلاة، وإذا رأيتُم مِن وُلاّتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة” رواه مسلم. فالواجب على الرعية السّمع والطاعة لوليّ أمرِهم المسلم حتّى وإن فسق وارتكب المحرّمات الّتي هي دون الكفر الواضح الظاهر الّذي عليه دليل وحُجّة، لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعُسرنا ويُسرنا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: “إلاّ أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان” رواه مسلم، والكفر الواضح الظاهر الّذي لا يُتّهم به الحاكم إلاّ إذا كان عليه دليل وحُجّة يُقرِّرها العلماء وليس العوام. والله أعلم.