ينتظر الوسط الكروي بشغف ما ستسفر عنه ندوة "تجديد" الكرة الجزائرية، التي ستختتم اليوم باقتراحات وتوصيات، قيل أنها ستطبق على أرض الواقع وستُفرض على الفاعلين، عكس ما حدث في الجلسات التي أشرفت عليها الاتحادية الجزائرية لكرة القدم عام 1994 في فترة تسيير رئيس "الفاف" الأسبق المرحوم رشيد حرايق. بالرغم من مرور 23 سنة عن الجلسات الرياضية التي أشرف عليها آنذاك وزير القطاع، سيد علي لبيب، لا شيء تغير ولا شيء تقدم، بل بالعكس تراجعت الكرة الجزائرية بخطوات عملاقة نحو الوراء، حتى وإن عرفت الكرة المستديرة في بلادنا نقلة نوعية في سنوات عجاف، بتأهل "الخضر" مرتين إلى أكبر عرس كروي عالمي سنتي 2010 و2014، دون نسيان تتويج النسر السطايفي برابطة أبطال إفريقيا بطبعتها الجديدة.. تأهل المنتخب الوطني بقيادة البوسني حاليلوزيتش إلى الدور الثاني من مونديال البرازيل، لم يكن إلا بمثابة الشجرة التي تغطي غابة الكوارث التي لا تزال كرتنا تعيشها، ومرشحة أيضا للبقاء على هذا الوضع، إذا لم تتدخل السلطات العليا في البلاد لتنظيم وتقنين هذه الرياضة التي تقف على الطرف النقيض لما نشاهده عبر شاشات التلفزيون من وراء البحار. من الجلسات.. إلى ندوة إصلاح أو إعادة بعث أو تجديد الكرة الجزائرية برعاية فخامته، كلها مصطلحات وتسميات لن تحرك من الوضع ساكنا ولن تأتي أُكلها، ما لم نلمس إرادة سياسية من أعلى مستوى لفرض التغيير ولن يأتي التغيير ما لم تتوفر أدنى الشروط لممارسة هذه الرياضة الأكثر شعبية، ونقصد بها الملاعب، فمن غير المعقول وبعد مرور أكثر من 23 سنة عن آخر جلسات، أننا لم نبن ولا ملعب واحد، رغم النمو الديمغرافي الكبير الذي عرفته الجزائر، فجزائر 1994 كان عدد السكان فيها أقل من 30 مليون نسمة، أما الآن في 2017 فالجزائر فيها أكثر من 47 مليون نسمة.. فلا يمكن أن نتحدث عن تطوير الكرة، وأكثر من ألف ناد تقريبا في العاصمة بمفردها يتصارعون على ملاعب تحسب على الأصابع، هذا دون الحديث عن مخلفات أزمة غياب المنشآت، من برمجة كارثية، ومظاهر عنف كنا سنتفاديها لو كثرت المنشآت مثلما كثرت وعود المسؤولين بتسليم ملاعب براقي وتيزي وزو والدويرة ووو.. بعد "مقتل" لاعب شبيبة القبائل، الكاميروني ألبير إيبوسي، في 23 أوت 2014، قامت الدنيا وتجند الجميع على موقف محاربة العنف بوسائل تبدو بالنسبة لبلد مثل الجزائر، سهلة، من خلال مثلا توفير كاميرات مراقبة في الملاعب، غير أن لا شيء حدث بعد مرور أيام فقط عن الحادثة التي تكلم عنها العالم، فلا كاميرات مراقبة ولا ملاعب تتوفر على المقاييس الدولية ولا هم يحزنون. الإرادة السياسية لا تتوقف عند حد إنشاء الملاعب فحسب، بل تتعدى إلى ضرورة معرفة ماذا نريد من رياضة كرة القدم؟ ولن نجيب عن هذا السؤال إلا إذا فصلنا في أذهاننا وأذهان مسؤولينا بين الرياضة الجماهيرية ورياضة النخبة، لنصل إلى عالم الاحتراف الذي دخلناه ب32 فريقا، دون أن يتمكن ولا فريق من مسايرة "الريتم"، بما فيها الأندية التي منحتها الدولة شركات دون غيرها بطريقة عشوائية لا تمت بصلة إلى روح الرياضة التي تتساوى فيها كل الأندية في ضربة الانطلاقة.. أزمات الأندية من أمثال اتحاد الحراش واتحاد البليدة وجميع الأندية دون استثناء، بما فيها اتحاد الجزائر (لاعبوه لم يتقاضوا أجورهم لمدة خمسة أشهر)، ستتكرر ما لم نشجع مؤسساتنا التجارية العمومية والخاصة على ولوج عالم ال"سبونسورينغ" بشعار "رابح رابح" وليس بشعار "الاستثمار دون مقابل". تصحيح مسار الكرة الجزائرية لا يقتصر على الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، ولا على الوزارة الوصية فقط، بل على جميع الوزارات، باعتبار أن الكرة في العصر الحالي أصبحت العامل المشترك الثابت الذي "يخرج" الناس إلى الشارع، بجميع الفئات، وما حدث في مباراة أم درمان إلا دليل على أن الكرة أصبحت بمثابة وحدة الشعب.