من نِعَم الله سبحانه وتعالى على الإنسان أن خلقه ربّه تعالى وخلق معه رزقه، وفاوت عزّ وجلّ بين عباده في هذه النِّعمة بَسْطًا وتضييقًا بناء على عِلمِه وحِكمَتِه جلّ وعلا، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الرُّوم:37. يُعدّ رفع أو نزع البركة مرضًا خطيرًا أصاب المسلمين أفرادًا ومجتمعات، إذ لا يَنعَم الكثير من المسلمين بالبركة، سواء في المال أو الأولاد، مع أنّ الله عزّ وجلّ قال عنها: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الكهف:46، وكثير منهم لا يَنعمون بزوجاتهم مع أنّ الله سبحانه وتعالى جعلها سَكَنًا ومودة ورحمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} الرّوم:21. إنّ العبرة في المال ليست بقِلّته ولا بكثرته، بل فيه بركته وحُسن تصريفه، فلا خير في مال كثير لا يُؤدَّى فيه حقّه من زكاة وصدقات، والخير كلّ الخير في مال تعيش فيه البركة وتصاحبه ولو قلّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النّفس” متفق عليه. فالبركة نماء وزيادة، حظي بها الخُلَّص من عباد الله سبحانه وتعالى، ورسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم دعا بها في مواطن متعدّدة، ولعدد من الصّحابة منهم أنس بن مالك رضي الله عنه، قال عليه الصّلاة والسّلام فيه: ”اللّهمّ أكْثِر ماله وولده وبارِك له فيما أعطيته” متفق عليه. فوجد أنس رضي الله عنه أثر هذه الدّعوة في حياته، فقال كما في الأدب المفرد للإمام البخاري: ”فدفنتُ مائة وثلاثة، وإنّ ثمرتي لتطعم في السنة مرّتين، وطالت حياتي حتّى استحييتُ من النّاس وأرجو المغفرة”. وعند ابن حِبّان قال أنس رضي الله عنه: ”فوالله إنّ مالي لكثير، وإنّ ولدي وولد ولدي يتعاقبون على نحو المئة”. وإنّ نزع البركة والعياذ بالله، على مستوى الأفراد أدّى إلى نزعها على مستوى الجماعة، فالأمّة اليوم كثيرة ولكن كثرة لا بركة فيها، وصدَق فينا قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْوَهْنُ قال: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”. إلاّ أنّ أسباب رجوع البركة وزيادتها، تتمثل في تقوى الله سبحانه، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأعراف:96. وكذلك الشُّكر على الرِّزق؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم:7. إلى جانب عدَم الإسراف؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرنا بأنّ ”أعظمُ النّساء بركةً أيسرُهنَّ صُدَاقًا” رواه البيهقي والنّسائي. كما أنّ من أسباب رجوع البركة وزيادتها، الدّعاءُ واللّجوء إليه؛ روى الإمام البخاري في صحيحه أنّ الزبير بن العوام رضي الله عنه أوصَى ولدَه عبدالله أن يَقضي دَيْنَه الّذي يبلغُ ألفَ ألفٍ ومائتي ألف؛ يعني: مليونًا ومائتي ألف، وقد قال لولده عبدالله: يا بُني، إن عجَزتَ عنه في شيءٍ، فاستَعِن عليه مولاي، فوالله ما وقعتُ في كُربةٍ من ديْنٍ إلاّ قلت: يا مولى الزبير، اقْضِ عنه دَيْنَه، وكان لم يدَع دينارًا ولا دِرْهمًا إلاّ أَرضَين له، ودارَت الأيّام وبارَك الله في أرضِ الزبير وبِيعَتَا، فبَلغت تركةُ الزبير خمسين ألفَ ألفٍ ومائتي ألف يعني: خمسين مليونًا ومائتي ألف، وكان له أربعُ نسوة، فصارَ نصيبُ كلّ واحدةٍ منهنّ ألفَ ألف ومائتي ألف؛ يعني: مليونًا ومائتي ألف، كمقدار الدَّيْن الّذي عليه”. وأيضًا من أسباب رجوع البركة وزيادتها، القناعة والرِّضا بعطاء الله تعالى؛ يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ الله يبتلي عبده بما أعطاه، فمَن رضي بما قسم الله له، بَارَكَ الله له فيه ووسّعه، ومَن لم يرضَ لم يبارك له فيه” رواه أحمد في مسنده بسند صحيح. إلى جانب بركات يومية، ننصح بعدم تفويتها، منها: السّلام عند الدّخول إلى البيت، قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} النّور:61، وفي الحديث الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأنس رضي الله عنه: ”يا بُنَيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فَسلِّم، يَكْنْ سلامُك بركةً عليك وعلى أهل بيتك”. تناوُل الطّعام مع الجماعة؛ روى الإمام أبو داود بسند صحيح أنّ قومًا اشتكوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عدم الشِّبَع، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّا نأكُل ولا نشبَع، قال: ”فلعلّكم تَفترِقون”، قالوا: نعَم، قال: ”فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يُبارك لكم فيه”. وصلة الأرحام، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه، فَلْيَصلْ رَحِمَه” رواه البخاري.