أكّد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، بوعبد الله غلام الله، عدم وجود إحصائيات مدقّقة حول الأقليات الدّينية في الجزائر. وانتقد في حوار مع "الخبر"، التقارير الغربية التي تزعم التّضييق على ممارسة المسيحيين لديانتهم. موضّحًا أنّ غلق كنيسة في عين الترك بوهران تم لعدم وجود رخصة تُمَكِّن القائم عليها من العمل بحرية وفقًا للقانون الجزائري، الّذي يوافق القانون الدولي والّذي صادقت عليه في هيئة الأممالمتحدة، وتساءل: "هل يحقّ له أن يفتح كنيسة ويفعل فيها ما يشاء دون رقابة؟!"...
هل للمؤسسات الدّينية الرسمية أرقام حول الأقليات الدّينية في الجزائر؟
الأقليات الدّينية في الجزائر تتكوّن من عدّة فئات، فيهم المسيحيين ممّن بقوا في الجزائر بعد الاستقلال ممّن كانوا موجودين بها، وهؤلاء منهم جزائريون من أصل جزائري ومنهم أجانب من فرنسيين وإسبان وإيطاليين ممّن عاشوا إبان الاستعمار وفضّلوا البقاء في الجزائر، ولا نستطيع أن نعتبرهم في نفس المستوى. والمسيحيين من أصول أوروبية جاؤوا إلى الجزائر وبقوا فيها بعد الاستقلال فمرحبًا بهم، وأنّ الدولة الجزائرية لم تتّخذ منهم أيّ موقف سلبي. كما أنّ الجزائر أعطت منحًا دراسية للطلبة الأفارقة ويقدّر عددهم بستمائة شخص، يدرسون في الجامعات والمعاهد الجزائرية، أغلبهم من المسيحيين، ومنهم مَن يعمل في الشركات الأجنبية الأوروبية أو العربية كأوراسكوم فيها مسيحيون أقباط، ومنهم الإنغليكانيين، وكلّ هؤلاء ليس لدينا معهم مشاكل، هم موظفون وليس لهم أيّ علاقة بالتمسيح أو التبشير. أمّا اليهود فلم يكونوا ظاهرين، وإنّما ظهروا قبل أربع أو خمس سنوات وعددهم قليل جدًّا.
هل توجد إحصائية رسمية حول عدد هذه الأقليات؟
ليس لدي إحصائيات مدقّقة حولهم، فهم يأتون ويذهبون، وقد رأينا الأسقف هنري تيسي يبكي على العائلات المسيحية الّتي غادرت الجزائر لأنّه يعتقد أنّ مجيء المسيحي للجزائر لأجل العمل يجب أن يبقى حتّى يقوّي به الصفوف. فالعامل مدة إقامته تتوقف بحسب عقد عمله هنا، فإذا انتهى عليه أن يغادر إلى أهله، وفيه كذلك بعض الموظفين والعمال العاملين في السفارات الأجنبية وهم كذلك مسيحيون.
تتحدث تقارير غربية عن غلق السلطات الرسمية بعض الكنائس في بعض الولاياتبالجزائر، فما صحة هذه التقارير؟
نعم، فيه كنائس لم تستصدر رخصة، بينما الكنيسة البروتستانتية "القلب المقدس" (ساكريكور) جُدِّدَت لها الرخصة وهي تشتغل. لكن أن يأتي شخص وهو مسيحي من المغرب ويفتح محلا ويُسمّيه كنيسة في عين الترك بوهران، ولم يستشر أحدًا من المسؤولين هناك ولم يطلب رخصة وجعل كنيسته لتكوين الإطارات المسيحية وكان يسجّل الإطارات من الولايات الأخرى أيضًا، أعتقد أنّ هذا الوضع خطير. ولأنّ هذا الشخص ليس لديه رخصة ولم يطلبها أيضًا، ولم يعترف بالدولة الجزائرية، فهل يحقّ له أن يفتح كنيسة ويفعل فيها ما يشاء دون رقابة؟!، هناك دولة وهناك قانون. لقد قال الأسقف تيسي في حديث ليومية وطنية: احترام القانون.. نعم ركّز على احترام القانون، وهذا قانون أيّ دولة؟ لا توجد دولة تسمح بفتح مقر لديانة من الديانات ولا تجارة من التجارات دون رخصة. وأنّ الدولة الجزائرية أغلقت الكثير من المصليات الّتي فتحها بعض الجزائريين في بعض الأحياء، سواء في العاصمة أو في قسنطينة أو في عنابة. كما قامت جماعة من المواطنين في أحد الدوائر الغربية ببناء مسجد كبير دون رخصة من الدولة وبدأوا الصّلاة فيه، ولمّا علمنا بذلك أرسلنا لهم إماما، فقالوا لنا أنّ المسجد ملكنا ولا نحتاج لإمامكم، فقلنا لهم إنّكم بنيتم المسجد لكن لابدّ أن يخضع للقانون، والإمام تعيّنه وزارة الشؤون الدينية، ولا بدّ أن يكون بناء المسجد مصرّح به ومكتوب من الوزارة. فالدولة لا تضيّق على ممارسة الشّعائر الدّينية، بالعكس الدولة تبيح وتساعد على ممارسة الشّعائر الدّينية لكلّ الدّيانات شرط احترام القانون، لأنّنا إذا لم نحترم القانون سندخل في فوضى، والفوضى الّتي دخلنا فيها في العشرية السوداء معروفة بسبب عدم احترامنا للقانون.
لا، الأقليات شأن اجتماعي، حيث يمارس النّاس شعائرهم، لكن مَن يضمَن أنّهم لا يتجاوزون ديانتهم إلى الاعتداء على المرجعية الوطنية، وحتّى من المسلمين. هناك الكثير من الجزائريين يعتدون على هذه المرجعية، فمَن يردعهم بعد ذلك؟ التكوين والقانون هما الرّادع، لأنّ القانون الّذي تتّخذه السلطات أو الجمعيات الدولية بصفة خاصة سيتحرّك لحماية المرجعية الوطنية لتجنّب الفوضى. من الجهة المقابلة تقوم بعض المنظمات بتصدير بيانات تزعم التّضييق على الأقليات وهي بالونات ليس لها أيّ معنى.
ألا تخشى الجزائر الضغط الأممي بزعم التضييق على ممارسة الشّعائر الدّينية؟
لا، الجزائر لا تخشى ما دامت تحترم القانون، ما دامت تعمل بمقتضى القانون، والقانون الجزائري يتوافق مع القانون الدولي ولا يخرج عنه، والجزائر لا تخرج عن قانون هيئة الأممالمتحدة المتفق عليه والّذي صادقت عليه، ولهذا الجزائر لا تضيّق على أحد ولا تخشى أحدًا. أعطيك مثالاً عن تصريح الأسقف هنري تيسي مؤخّرًا، حيث يعتبر أنّ من حقّ رجل الكنيسة أن يذهب لأيّ جماعة مسيحية ويقدّم لهم خدمة دينية ولا يحتاج إلى رخصة، ويقول بأنّ الكاهن بيار فلاز الّذي كان في مغنية وذهب إلى مجموعة من الأفارقة على الحدود الجزائرية المغربية وأخذ لهم أدوية وقدّم لهم خدمة مسيحية، قال بأنّه ظُلِم لأنّ المحكمة في مغنية حكمت عليه وأدانته، واعتبر تيسي أنّ هذه الإدانة ظلم. وفي الحقيقة تيسي ينادي باحترام القانون، لكن هذا الكاهن لم يحترم القانون. في ذلك الوقت كنتُ وزيرًا للشّؤون الدّينية والأوقاف وقلتُ: لو تلطّف هذا الكاهن وقصد مدير الشرطة واستأذنه للذهاب لتلك المجموعة ليصلّي معهم، سيوافق على ذلك، ولو طلب أيضًا رخصة عن تلك الأدوية الّتي أخذها بصفة غير قانونية من المستشفى لأعطاها له مدير المستشفى، لأنّه بذلك سينال الأجر من الله والشّكر من عند النّاس لأنّه قام بعمل إنساني، أمّا أن يأخذ أدوية بصفة غير قانونية ويذهب ليتحدث مع جماعة موجودة بصفة غير قانونية، ويقول إنّي أقدّم لهم خدمة كنيسة، فهذا غير مقبول. نحن نتكلّم مع عقلاء وليس مع مَن يحقد علينا ويريد إفساد ذات بيننا ولا يريد لنا الخير. ويقول الأسقف تيسي أيضًا، من باب التحدي في رأيه، أنّه ذهب إلى المدية وقام بخدمة دينية لجماعة السيرك في إحدى المناسبات، ولم يطلب رخصة. لكن فاته أنّ السيرك مُقام في المدية بصفة قانونية، وليس بحاجة لرخصة، لأنّ الرخصة مطلوبة لمَن يقيم بصفة غير قانونية. كما اعتبر تيسي أنّ الدولة الجزائرية تكيل بمكيالين، مكيال في مغنية وآخر في المدية. لكن هناك فرق بين الجماعة الّتي كانت في مغنية وكانت تقيم في غابة بصفة غير قانونية، وذهاب الكاهن إليهم دون إذن من السلطات، وأخذه أدوية بغير رخصة من المستشفى. بينما عمل تيسي معروف، وهو مواطن جزائري، نثق فيه، والسيرك مقام في المدية برخصة من الولاية، والمقيمين به موجودون بصفة قانونية، والاتصال بهم يتم دون حاجة لترخيص.
هل لديكم ملاحظات أخرى حول تصريحات أسقف الجزائر الأسبق؟
الأسقف هنري تيسي مواطن صالح ومخلص، يحبّ الجزائر، ومخلص لدينه، وليس من أهدافه تنصير الجزائريين، وإنّما هدفه أن تبقى الكنيسة الكاثوليكية محافظة على وجودها وعلى خدماتها الّتي تقدّمها للمسيحيين حيثما كانوا. وإنّما يتناقض حينما يقول هناك اعتداء عندما يطبّق القانون، أو عندما يطلب مثلاً أن يكون هو أو مَن ينوب عنه عضوًا في اللجنة الوطنية الّتي أنشأتها الدولة الجزائرية لتنظيم ممارسة الشّعائر الدّينية، ليطّلع على الأمور الّتي تناقش داخل هذه اللجنة. ليس له الحقّ في أن يطلب هذا. وأحيانًا الجانب الذّاتي يتغلّب على الجانب الموضوعي، من جهة يقول احترام القانون، ومن جهة أخرى يقول أتحدّى القانون وأذهب لأقدّم الوعظ وخدمة دينية لأناس مسيحيين، هذا ممكن، ولكن في إطار القانون، وليس في إطار فوضوي.
هل هناك مخطط غربي لخلق أقلية مسيحية لضرب استقرار الجزائر؟
خلق أقلية قصة معروفة، وهي من مرامي الاستعمار الفرنسي، ولا زالت موجودة، وأعتقد أن الرئيس الفرنسي ميتران في رئاسته الثانية استصدر قانونا لحماية الأقليات بهدف خلق أقليات ليأتي بعد ذلك بالجيش الفرنسي لحمايتها. وهذا المخطط موجود منذ عهد نابليون.
نعم هو موجود في هذه الهيئة بمبادرة من الرئيس الفرنسي ميتران، وأصبح يحقّ لهذه الهيئة التدخّل لحماية الأقليات. وأيضًا، هل الوجود الأمريكي في سوريا لحماية الأكراد، وهل أمريكا مثلاً تحبّ الأكراد أم تحبّ السوريين كجماعة النصرة؟ تحبّهم وتشفق عليهم وتدفعهم لقتال بعضهم البعض.
هل نشاط الأقليات الدّينية بما فيها الجماعات الّتي تدّعي الإسلام كالأحمدية يعكس ضعف المؤسسات الدّينية في الجزائر؟
لا أبدًا، لأنّ المنظومة الدّينية في الجزائر تستمدّ قوّتها من تعلّق الجزائريين بالإسلام، وهذا لا يعني أنّه لا توجد بؤر ضيّقة، فالأحمديون ممّن قُدّموا للمحاكمة عددهم قليل لا يتجاوز ال200 شخص وسط 40 مليون. فهل هذا ضعف من المؤسسة الدّينية؟. ليس ضعف من المؤسسة الدّينية وإنّما ضعف في الإعلام الدّيني وفي لفت انتباه أسر هؤلاء النّاس إلى ضرورة التمسك بالمذهب السني. ولهذا ندعو دائمًا إلى التمسّك بالمرجعية الوطنية، سواء في المدرسة أو في البيت أو في المسجد. وأنّ الإسلام هو المكوّن الأساسي لها، إلى جانب اللغة العربية واللغة الأمازيغية أيضًا. واليوم اللغة الأساسية في دراسة العلوم وغيرها في الجامعات هي اللغة الفرنسية، لكن قبل أسبوع فقط سمعتُ تصريحًا للوزير الأول الفرنسي يلحّ على الجامعيين والباحثين تعلّم اللغة الإنجليزية والاعتماد عليها بدل لغتهم، وهذا يعتبر انقلابًا يجب أن نفهمه جيّدًا. بينما عليّ بن محمد عُزِل وضُيّق عليه عندما دعا إلى اعتماد الإنجليزية.
قبل فترة قصيرة، انتُقِدَت الجزائر بسبب قضية الأحمدية، واليوم بزعم التضييق على المسيحيين، هل يوجد رابط بينهما؟
لا، كلّ سنة يخرج تقرير من الكونغرس الأمريكي يعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية المسؤولة عن العالم، وهو يصنّف النّاس حسب النّظرة الأمريكية، حيث يقول هنا تضييق على ممارسة الحرية الدّينية، وهناك تضييق على الممارسة السّياسية، ومرّة يقول هناك تضييق على الأقليات، وغيرها من التصنيفات، وهي أسطوانة تتكرّر كلّ سنة.
هل ترون رابطًا بين التبشير وبين اليمين المتطرف في أمريكا والحركة الصهيونية العالمية؟
أكيد، يوجد رابط، إذًا فمن يقوم بالتبشير في البلاد الإسلامية ككلّ، ابتداء من ميرزا غلام أحمد، مؤسّس الأحمدية، الّذي وظّفته المخابرات الإنجليزية لإبعاد المسلمين عن الإسلام، ولإحداث شرخ في اعتقاد المسلمين أيضًا.