تأخر الرد الجزائري على مبادرة الملك المغربي، محمد السادس، للحوار المباشر والصريح من أجل طي صفحة الخلافات بين الجارين، وبدا للكثير من المتابعين لهذه الخصومة أن الجزائر لا ترغب في تطبيع العلاقات المتوترة منذ 1975 بعد احتلال الصحراء الغربية. المراقبون لمواقف الجزائر الدبلوماسية يعتبرون مبادرة محمد السادس "لا حدث" وتجاهلا لواقع إقليمي ودولي يؤكد على أن القضية الصحراوية قضية ثنائية بين المغرب والصحراء الغربية ولا دخل للجزائر بها وإن كانت تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الشعبية بأنها قضية تصفية استعمار ولا حل لها سوى بتقرير الصحراويين مصيرهم بأيديهم باستفتاء عام تحت إشراف منظمة الأممالمتحدة الراعية الرئيسية للمسار منذ اندلاع الأزمة. ويجمع هؤلاء على أن ما قاله الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة مرور 43 سنة على اجتياح أراضي الصحراء الغربية بعد جلاء الاستعمار الإسباني لها يصب في اتجاه إشغال الرأي العام المغربي وتسويق صورة رجل السلام والداعي إلى إصلاح ذات البين، وهو ما أمكنه تحقيق الصدى الإعلامي الدولي والإقليمي الذي كان يستهدفه، علما أن توقيت الخطاب والدعوة للحوار يدل على نية في التوظيف لحشر الجزائر التي ستشارك في مفاوضات جنيف من 5 إلى 7 ديسمبر القادم بين الرباط والبوليساريو بصفتها مراقبا إلى جانب موريتانيا. هذا التجاهل أو "التريث" الجزائري في الرد على المبادرة المغربية له ما يبرره، إذ مثل هذه المبادرة كثير، وبالنظر إلى مصيرها فإن المراقبين يؤكدون أنها لا تتجاوز حد الكلام وإلا لكانت الرباط بادرت بخطوات عملية عبر القنوات الرسمية، وهو ما يضيف إلى سجل المناورات المغربية محاولة أخرى للضحك على الذقون. فقد سبق للرباط أن عصفت بمسعى تطبيع حقيقي في العلاقات سنة 2005، بعد لقاء جمع الرئيس بوتفليقة ومحمد السادس لأول مرة بصفة رسمية في الجزائر بمناسبة القمة العربية، إذ عادت الأوضاع إلى الصفر عشية توجه رئيس الحكومة أحمد أويحيى على رأس وفد هام مكون من ستة وزراء إلى الرباط، قبل أن يتم إلغاء الزيارة ببرقية صادرة عن وزارة الخارجية المغربية نشرتها وكالة الأنباء المغربية دون مبرر يذكر إلى غاية اليوم. وفي جانفي 2012 وعلى نفس المنوال، جاءت محاولة أخرى لتحسين العلاقات قادها وزير الخارجية آنذاك، مراد مدلسي، بمناسبة زيارة نظيره المغربي سعد الدين العثماني للجزائر (في زيارة لأول وزير خارجية مغربي منذ 2003)، لكنها سرعان ما سقطت في الماء بسبب "تغطرس" مغربي هدفه استدراج الجزائر إلى أزمة يتم استغلالها للترويج لعلاقتها بالنزاع الصحراوي الذي تؤكد الجزائر بخصوصه على حيادها وترحيبها بنتيجة استفتاء تقرير المصير، سواء أكانت لصالح الاستقلال أو الانضواء تحت السيادة المغربية. وتلت زيارة العثماني زيارة مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية، للجزائر بهدف تعزيز العلاقات، لكن تحطم كل شيء في نوفمبر 2013 باعتداء الشاب المغربي حميد نعناع على القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء وتدنيسه العلم الجزائري، لتقرر الجزائر في الشهر الموالي مقاطعة الاجتماعات والنشاطات السياسية التي قد تقام في المغرب، وذلك عقب ما وصفتها ب"الاستفزازات المتكررة من طرف الرباط"، خصوصا بعد حكم القضاء المغربي بمعاقبة مدنس العلم الجزائري بشهرين حبسا مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 250 درهم (نحو 20 أورو). وفي 2016، كرر الوزير الأول عبد المالك سلال المحاولة، عندما أعلن استعداد الجزائر لتطبيع العلاقات مع المغرب وفق مقاربة شاملة لكل الملفات، ذهبت أدراج الرياح بسبب إصرار الرباط على تجاهل اليد الممدودة التي تكرست بعد ذلك بتفادي الانخراط في الحملات الإعلامية أو الرد عليها وعدم التعرض أو المساس برموز المملكة المغربية، بالموازاة مع اتهام الرباط للجزائر بدورها ب"عدم تقدم مفاوضات قضية الصحراء"، عندما صرحت الوزيرة المغربية المنتدبة بوزارة الخارجية، مباركة بوعيدة، بأنه "لا يمكن أن يكون هناك تقدم في مفاوضات قضية الصحراء إذا لم يكن هناك اعتراف دولي بدور الجزائر في استمرار هذا النزاع".