لم يظهر في قائمة الشهود، الذين مرّوا على مجلس قضاء الجزائر، الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، ولا حتى شقيقه السعيد، رغم أن قضية "التمويل الخفي للحملة الانتخابية" ترتبط بهما مباشرة. ويحضّر بعض المحامين، للبناء على هذه النقطة، في استراتيجيتهم في الدفاع عن موكليهم. لم يكن مفاجئا أن يقابل طلب الوزير الأول الأسبق، عبد المالك سلال، بإحضار الرئيس بوتفليقة بالرفض، لاعتبارات قد تتجاوز المسائل القانونية وتتعداها لرغبة أصحاب القرار في البلاد، بعدم الذهاب بعيدا في نبش هذا الملف. وعلى الرغم من أن السلطة في الجزائر، قد دفعها الحراك لتقديم رؤوس كبيرة للمحاكمة، إلا أن إخضاع الرئيس حتى للشهادة، يبدو خطا أحمر لا يمكن تجاوزه في التقاليد الجزائرية، التي يمكن أن تضع الرئيس قيد الإقامة الجبرية، كما حدث مع الراحل أحمد بن بلة، لكن لا تتعدى ذلك إلى محاكمته حتى بشكل رمزي، حفاظا على هيبة النظام. ويقول المحامي أمين سيدهم، المتأسس في القضية الجارية أطوارها بمجلس قضاء الجزائر، إن الرئيس السابق يفترض أن يكون طرفا في القضية وليس مجرد شاهد، لكونه هو ممثل السلطة التنفيذية وفق الدستور الجزائري. وأبرز سيدهم أن الدستور الجزائري بعد تعديله سنة 2008، ألغى منصب رئيس الحكومة وحوّله إلى وزير أول، تقتصر مهمته على التنسيق بين الوزراء والعمل على السير الحسن لبرنامج الرئيس. ومن غير المفهوم، في رأي سيدهم، ألا تتم متابعة بوتفليقة وشقيقه في هذه القضية، لأن الاعتماد على المعايير القانونية البحتة يجعل من الواجب إحضارهما، كونهما المسؤولين المباشرين عن قضية التمويل الخفي للحملة الانتخابية. لكن من الواضح، حسب المحامي، أن هناك، بلغة القانون، "مانعا إراديا" وليس مانعا قانونيا، جعل من السلطات القضائية تتحفظ على الذهاب إلى هذه الخطوة. ويعود للقاضي عند استئناف الحكم حرية التقدير وفق ما ينص عليه قانون الإجراءات الجزائية، في قبول أو رفض السماع لشهود يطلبهم الدفاع، وهو ما يجعل القاضي في هذه القضية في راحة من أمره. وكان السعيد بوتفليقة، قد طُلب للشهادة أمام محكمة سيدي امحمد في نفس القضية، لكنه رفض الإدلاء بأي أقوال. وبدا واضحا أن تلك الحادثة، وفق قراءات المحامين، قد أثرت في المتهم الآخر علي حداد، الذي كان ينتظر من السعيد بوتفليقة، أن يدلي بأقوال تكون في صالحه، كون الأخير مجرد شاهد وليس له ما يخسره. وهذا ما جعل حداد يحاول التبرؤ كليا عند مثوله أمام مجلس قضاء الجزائر، واضعا مسافة بينه وبين السياسة والحملة الانتخابية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في معاكسة لأقواله السابقة أمام محكمة سيدي امحمد. وتوحي الأقوال الجديدة لعبد المالك سلال وعلي حداد، بأن ثمة تغيّرا في استراتيجية الدفاع، بحيث يتم إلقاء كل مسائل التسيير والصفقات واستغلال النفوذ، على عاتق الرئيس السابق وشقيقه. وعلى هذا الأساس، قال محامون في القضية، إن التركيز في المرافعات سيكون على مسؤولية الرئيس السابق المغفلة تماما في الملف، واعتبار باقي المسؤولين مجرد منفذين أو ضحايا لسياسات بوتفليقة. بالمقابل، ستكون مرافعة النائب العام مبنية على إثبات التهم الواردة في الملف. وما يشير إلى أن المواجهة ستكون ساخنة بين الطرفين، هو الملاسنات المتكررة التي حدثت أثناء استجواب المتهمين والأطراف المدنية بين المحامين والنائب العام، خصوصا في جلسة أمس التي حاول فيها محامو إطارات وزارة الصناعة نفي حجج ممثلي الأطراف المدنية (الضحايا). ومن اللحظات القوية في ما دار أمس، هي المواجهة بين الإطار في وزارة الصناعة، تيرة أمين، وبين رجل الأعمال عشايبو الذي كان مالكا لعلامة "كيا" وتم نزعها منه لصالح رجل الأعمال حسان العرباوي. وأثناء الحديث بين الطرفين، انتفض محامو تيرة أمين، واتهموا عشايبو بالتناقض في أقواله وعدم امتلاك ملف كامل، ما دفع النائب العام للرد، قائلا إن هناك ملفات بأكملها تم تمريرها دون استيفاء الشروط مثلما هو ثابت في الملف، وأوضح أن مسؤولية المتهم قائمة. وظهر من بين الأطراف المدنية التي تبحث عن التعويض، أيضا رجل الأعمال عمر ربراب الذي نزعت منه علامة "هيونداي"، زمن الوزير السابق الفار من العدالة، عبد السلام بوشواب.