كشفت وزيرة الثقافة، الدكتورة مليكة بن دودة، أنّ الذكرى الثامنة والخمسين لعيد الاستقلال والشباب، ستكون فرصة لتقديم حصيلة لكل المنجز الثقافي الوطني، وستعرف المناسبة تنظيم عدة فعاليات ثقافية وفنية. وقالت في حوار ل"الخبر"، إن وزارة الثقافة تعمل على مستوى ثلاثة مشاريع كبرى مهمة هي الكتاب والمسرح والتراث، بغية تحقيق رؤيتها الجديدة للفعل الثقافي. واعتبرت الوزيرة أن إشراك كل الفاعلين الثقافيين يعتبر مسألة حيوية، موضحة أنها تسعى لأن تكون الثقافة طرفا فاعلاً في الانتعاش الاقتصادي بعد إحداث تعديلات على مستوى عدة قوانين. نحن مقبلون على الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال والشاب، هل حضرتم برنامجا ثقافيا لهذه المناسبة؟ فيما يخص تنظيم احتفالات الذكرى الثامنة والخمسين لعيد الاستقلال والشباب، فكرنا على مستوى وزارة الثقافة أن تكون هذه المناسبة الوطنية فرصة لكي نُقدم حصيلة لكل المنجز الثقافي طيلة ثمانية وخمسين عاما على مستوى السرد والرِّواية والشعر، وعلى المستوى المنجز الفكري والفنون وكل المنجز المرتبط بكل ما تم تحقيقه من إنجازات مادية، خاصة ثقافيا وفكريا. نحتفل بثمانية وخمسين عاما من الحرية، ومن مشروع ثقافي، فقلنا إنها بمثابة فرصة لتقييم المشروع الثقافي حتى تتضح الصورة أكثر وحتى يكون لنا تصور لمشروعنا الثقافي، من خلال ما تم تحقيقه وما يحتاج للتعديل وما يحتاج للقطيعة وما يحتاج للتجديد، وهي أيضا فرصة للقاء كل الفاعلين الثقافيين، خاصة الكتاب والفنانين والرِّوائيين ليتحدثوا عن طموحاتهم وعمّا تم تحقيقه وإنجازه لحد الآن. بالإضافة إلى ذلك، نُنظم عدة فعاليات ثقافية فنية خلال هذه المناسبة، على شكل سوق عكاظ، بمشاركة مجموعة من الفاعلين الثقافيين والمساهمين من الجمعيات الثقافية واتحاد الكتاب. تجدر الإشارة إلى أن تجسيد البرنامج المتعلق بالاحتفالات بهذه الذكرى، كان بعد التشاور وإشراك الفاعلين الثقافيين على غرار المجلس الإسلامي الأعلى، المجلس الأعلى للغة العربية والمحافظة السامية للأمازيغية واتحاد الكتّاب الجزائريين أيضا. أردنا فعلا أن يكون مشروعا ثقافيا حقيقيا لا تستفيد منه وزارة الثقافة لوحدها، بل جميع الفاعلين على الساحة الثقافية والفكرية، وأيضا يعتبر هذا النشاط فرصة للتلاقي والعمل المشترك، فالجميع أدرك أننا نشتغل سوياً بغية تحقيق هدف ثقافي مشترك، فالعمل سويا هو الأهم وليس ضد بعض. إن الهدف واحد ونبيل، فالأجدر إذن أن نعمل سويا.
ما هي رؤيتكم لتجسيد سياسة ثقافية جديدة؟ أولا، أريد أن تنحى وزارة الثقافة منحى التجديد، باعتباره بحث عن الجدّية الحقيقية. أعتقد أنه بتوفر النوايا الحسنة، وهذا هو الأساس، إذ لا عمل دون نية صادقة، ولا ننجح إطلاقا إذا لم تكن نوايا صادقة، بتوفر كل هذا بإمكاننا البحث عن الجدّية، والجدّية تكون عبر إشراك الجميع دون إقصاء لأي طرف كان، وهذه قاعدة أساسية. أعتقد أنه مهم إعطاء الكلمة للجميع، لكل المثقفين سواء كانوا في العاصمة أو بعيدا عنها وإعطاء نفس الفرصة لكل الأجيال. هناك أشياء كبيرة تحققت عبر السنوات الماضية، فقط لم تتح الفرصة لتثمينها كإنجازات، وعليه سيكون ذلك فرصة لاسترجاع فضائل كل الشخصيات الكبيرة التي ساهمت في بناء الإرث الثقافي الجزائري على كل الأصعدة. فكثيرا ما نتحدث فقط عن الكتّاب والشعراء والرِّوائيين، لكن هناك مجالات أخرى كالتراث والخط والموسيقى والرسم، وهي مجالات يتم تهميشها في الغالب، وهي تستحق الإشادة. إنّ ذكرى الاستقلال هي فرصة لاسترجاع كل هذا الإرث الثقافي بغية تثمينه، لتكون هناك انطلاقة حقيقية وتصور أوضح.
شرعتم مؤخرا في تنظيم سلسلة لقاءات مع الفاعلين في حقل الكتاب الذي عرف ركودا كبيرا بسبب انتشار وباء "كورونا"، ما هي الخطوات التي سوف تتخذونها لإنقاذ الكتاب؟ صحيح أن وباء "كورونا" ساهم في تأكيد أزمة الكتاب، لكنها أزمة قديمة، وأدى انتشار الوباء إلى زيادة حدتها، كما زاد من حدة أزمات الفنانين والكتاب. لا أريد حلولا مرتبطة بأزمة الوباء فقط، بل حلولا جذرية لمشكلة الكتاب. وأؤكد بأنه يوجد عمل تم القيام به قبل تقلدنا لهذا المنصب، لكن هذا العمل كان ينقصه التطبيق والواقعية، وربما الإسراع في تنفيذ كل الأفكار الجميلة والجيدة بخصوص سياسة الكتاب بشكل عام في الجزائر. لذلك، قدمتُ تعليمات للجنة التي تعمل على صياغة حلول للكتاب، والمشكلة أن تشرع في وضع القوانين التطبيقية لصناعة الكتاب، وهذا ما ينقصنا. قانون الكتاب جيد وبإمكانه أن يُحدث نقلة نوعية في مجال الكتاب، لأنه يتناول مسائل مهمة كالنشر والتوزيع والاستيراد. والقانون له علاقة بقطاعات أخرى مثل التجارة والتربية الوطنية والمالية، وما ينقص الآن هو تطبيق هذا القانون، وقد اندهشت كيف أنه بعد مرور أكثر من سبع سنوات لم يطبق هذا القانون. كفانا كلاما ووعودا، أريد أن تصدر النصوص التطبيقية في أقرب وأسرع الآجال حتى تنتعش صناعة الكتاب حقيقة. وحتى يجد المشتغلون في صناعة الكتاب الظروف الملائمة والمواتية للعمل، وبذلك يكون لقانون الكتاب معنى حقيقيا. وأنا متأكدة أنه بعد صدور القوانين التطبيقية، سيكون لسوق الكتاب معنى حقيقيا. من جهة أخرى، نحن نشتغل على المكتبات لتوزيع الكتاب، فتلك مشكلة الكتاب الأساسية. فالتوزيع وعدم خروج الكتاب من العاصمة، وبقاء صالون الجزائر الدولي للكتاب بمثابة السوق الوحيد للكتاب كل هذا يعتبر أمر غير عادي، يجب تجاوزه، أريد أن يكون الكتاب متوفرا طيلة السنة، لذلك نفكر في حل مشكلة المكتبات، ونشتغل على تحفيز ظهورها بالتنسيق مع قطاعات أخرى كقطاع السكن والمالية والتجارةوهي مستعدة ومتفهمة لتطوير صناعة الكتاب ودعمه وخلق سوق حقيقية للكتاب. وأنا متأكدة أنه بتعاون الجميع، سنخرج بحلول جذرية تخلق جوا جديدا للكتاب الجزائري.
وما هو تصوركم لعمل المؤسسة المسرحية على ضوء هذه الرؤية الجديدة؟ نعمل حاليا على مستوى ثلاثة مشاريع أساسية، هي المسرح والتراث والكتاب. قمنا باستغلال أيام الحجر وتعطل النشاط الثقافي، والاقتصار على النشاط الافتراضي للاشتغال على الإصلاحات على مستوى هذه المشاريع الثلاثة. وهناك ثلاثة مشاريع مهمة متواجدة الآن على مستوى الحكومة، منها مشروع قانون مسرح المدينة الذي سيغير هيكلة المسرح، وأيضا هناك عقود النجاعة مع مديري المسارح، لهذا تأخرت التعيينات والتأكيدات. نريد أن نقدم لكل مدير مسرحا، نريد عقد النجاعة للإمضاء عليه، وهذا العقد سيكون فيه أولا التزام بالمدة، حتى لا يكون عقد مفتوح، وفيه شروط يجب أن تتوفر ونجاعة يجب أن تتحقق خلال مدة زمنية معيّنة. هذه العقود تم وضعها من خلال حالة كل مسرح، بالأخص حالته المادية وحالته الفنية. فكل مسرح له عقده حسب الحالة التي يتواجد فيها، وكل مدير عنده تحديات في عقده تبعا لحالة المسرح المتواجد به، فإذا قبل بالتحدي وشعر أنه جدير به سوف ينخرط في العمل، أما إذا شعر بأنه صعب المنال، فعليه أن يرفض. كما نريد أن يتوجه المسرح أكثر نحو الطفل، لهذا نعمل مع وزارة التربية الوطنية على إعادة بعث المسرح المدرسي. والمسارح التي تتحول لمسارح المدينة نريدها كذلك أن ترافق هذا المشروع، المسألة ليست بسيطة لكن يجب أن تقام بدقة حتى تنجح.
شرعتم كذلك في اتخاذ عدة تدابير وخطوات في مجال التراث، هل لنا أن نعرف تفاصيلها أكثر؟ طبعا، في مجال التراث فتحنا ورشة العمل مع الأستاذ عبد الرحمن خليفة مع المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة لوضع الخريطة الأثرية، فالخريطة الأثرية الوطنية الموجودة حاليا هي خريطة المؤرخ الفرنسي "ستيفان غزال" وأُنجزت سنة 1925، ومنذ هذا التاريخ لا يوجد تحيين لهذه الخريطة مع كل الاكتشافات الأثرية التي تتم يوميا. أتمنى أنه في سنة 2020 تخرج اللبنة الأولى لهذه الخريطة الجزائرية على أن نستكملها فيما بعد، لكن على الأقل نتجاوز النقطة السوداء لسنة 1925 التي لا تشرف كثيرا عمل الأثريين في الجزائر. نريد أن يكون لدينا خريطة أثرية جزائرية حقيقية ذات صبغة وطنية تكون أكثر تحديثا، فهناك اكتشافات أثرية يومية لكن تثمينها وجمعها هو الذي لم يحدث إلى حد الآن، لهذا بادرتُ بسرعة واعتبرت ذلك بمثابة مسألة حيوية. هذه الخريطة مهمة جدا، وأنا متشوّقة أن تظهر خلال هذا العام، حتى لا تمرّ الاكتشافات الأثرية الحديثة مرور الكرام دون أن تُسجل.
وما هو موقع المتاحف الوطنية ضمن هذه الرؤية الجديدة؟ طبعا، هناك أيضا قانون 9804، وهو قانون يتطلب المراجعة منذ 2013، هناك فريق عمل يتضمن خبراء من الوزارة ومن خارجها مع مديريات التراث على المستوى المركزي، فتم تعديل هذا القانون. وتكمن أهميته لمن لا يعرف، أننا أضفنا له عدة مواد تساعد أو تعمل على تثمين واستغلال التراث، لأن التراث المادي، خاصة في الجزائر، كان شبه مقدس إذ نرممه، لكن لا نستفيد منه. حتى علاقة المواطن أصبحت علاقة ملتبسة بهذا التراث، فبعض الناس يتساءلون لماذا الدولة تهتم بهذه "الأحجار القديمة" كما يرددون، وما قيمتها؟ لكن لو كان هذا الإرث التراثي مصدر رزق ومصدرا اقتصاديا بالنسبة للجزائريين، لكان المواطن هو أول المدافعين على هذا الإرث الحضاري المهم. علينا أن نعرف بأن الجزائر تزخر باثنين مليون سنة حضارة، وكل هذه الحضارة من شأنها أن تكون مصدر انتعاش اقتصادي حقيقي في البلاد لو عرفنا استغلالها بشكل جيد. هذا القانون كان يعمل فقط على حماية التراث وتقديسه، حيث لا يمكن أن نلمسه، لذا أدخلنا عليه تجديدا حيث تكون فيه إمكانية استغلاله اقتصاديا أكثر. وهذا طبعا يندرج ضمن سياسة الحكومة بشكل عام، حيث نعمل على التوجه نحو تجاوز الاقتصاد الريعي الذي عرفناه منذ الاستقلال، وجعل من الثقافة مصدر انتعاش اقتصادي حقيقي، وبإمكان الثقافة أن تصبح كذلك لو كان فيه مشاريع حقيقية وأفكار تجديدية حقيقية. الثقافة بإمكانها فعلا أن تصبح جزءا من هذا الانتعاش الاقتصادي، لهذا فالتغييرات التي نجريها حاليا على مستوى مديري التراث نعطي من خلالها فرصة لجيل الشباب الذي يفكر خارج الأطر القديمة وبشكل جديد، وهو غيور على التراث ويريد أن يكون هذا التراث مصدر ثروة للبلاد، وهذا ممكن جدا. وأتمنى أن يمر هذا القانون الذي لا يزال أمامه مشوار طويل وهو الآن على مستوى الحكومة، وأنا متأكدة بعد مرور القانون سننتقل لمرحلة أخرى. ونعمل كذلك على عصرنة المتاحف، حيث نريد أن تكون متاحفنا مثل باقي متاحف العالم نزورها ونشعر بمتعة ولذة الاكتشاف والتجول بين الآثار ونقتني أيضا ما نريد للذكرى، نريد أن يكون للمتاحف إمكانية البيع وتصبح تسيّر بشكل يعود عليها بالمداخيل وهذا طبعا يتطلب تغيير القانون. ونحن نسعى حاليا لتغيير القانون الداخلي للمتاحف حتى يصبح مثل كل متاحف العالم. فالوضعية الحالية لا تشجع على ذلك حتى وإن أتينا بمدير يريد فعلا عصرنة المتحف، وهذا توجه جديد نعمل عليه، وقد أخبرتُ كل مديري المتاحف بذلك.
وما هو الدور الذي ينتظر المكتبة الوطنية على ضوء هذه الرؤية الجديدة، هل تعود كما كانت مركزا للإشعاع الثقافي؟ المكتبة الوطنية ليست مكانا للإشعاع الثقافي، إذ لدينا مؤسسة تحمل هذا الاسم وهي المكلفة بهذه المهمة، المكتبة الوطنية يجب أولا أن تؤدي غرض وجودها وهو الكتاب، صحيح أنها عرفت بعض الانتعاش خلال سنوات معيّنة وجرى فيها إشعاع ثقافي، لكن وضعيتها الحالية لا تمنحها إمكانية حتى تقديم الخدمة المنوطة بها بحكم الوضعية التي آل إليها المبنى، فهي دون مدير منذ 2015. الرهان الحقيقي الآن هو تعيين مدير في المستوى وإدارة جديدة في المستوى كذلك للقيام بعملية التسيير الفعال. والأهم من هذا وذاك هو إعادة تأهيل الهيكل الذي يعاني، حتى تعود المكتبة الوطنية لمستواها. كل هذا لا يمنع أنني أفكر جديا في مكتبة وطنية أخرى، تكون في مستوى الجزائر وفي مستوى 2 مليون سنة حضارة.