لقد صدمتني الأخبار الّتي تظهر استغلال بعض التجار للظروف القاهرة لمرضى وباء كورونا، ومغالاتهم في بيع قارورات الأكسجين والمضاربة في أسعارها بأضعاف عن سعرها الطبيعي.. ولقد كان من الواجب عليهم توفيرها ومساعدة أفراد المجتمع المحتاجين لها بسعرها المعقول، إن لم نقل بالمجان، احتسابًا للأجر عند الله سبحانه. لا بدّ على المسلم في زمن المصائب والشّدائد والفتن أن يتنازل عن حظوظ نفسه، ومصالحة الشّخصية، من أجل مصلحة العامة، فالطمع والجشع، وحبّ الذات، يظهر في النّفوس؛ لأنّه لا يثبت على الأخلاق العظيمة في مختلف الظروف إلّا العظماء. ففي وقت الشّدائد تظهر معادن النّاس الحقيقية. إنّ حبّ الخير للآخرين، أفضل ما في طبيعة البشر، ولذلك فإنّ مدّ يد المساعدة لمَن يحتاج العون، إنّما هو واجب إنساني أوّلًا ولا ينبغي النّظر إليه على أنّه مِنّة. إنّ جائحة كورونا أدّت إلى أزمة إنسانية وصحية غير مسبوقة، وتسبّبت الإجراءات الضرورية لاحتواء الفيروس إلى إحداث هبوط اقتصادي حاد، وهناك درجة كبيرة من عدم اليقين في الوقت الراهن حول مدى حدّتها وطول مدّتها. طالت آثار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الّتي تعمّقت بسبب جائحة كورونا منظومة القيم الاجتماعية والتكافل الاجتماعي الّتي تعتبر من التقاليد المتأصلة في المجتمعات العربية. نعلم أنّ هذه الجائحة وتأثيرها يزيد من حالات الفقر وذلك نتيجة البطالة الّتي ضاعفتها هذه الظروف، حيث لا بدّ من زيادة التكاتف المجتمعي وتنظيمه وأن تتّسع رقعة هذا الدّعم والتّفكير بطريقة جدية وعملية لتفعيل هذا التّرابط المجتمعي. وإنّ المساعدات والتبرعات حتّى لو كانت صغيرة، يمكن أن تشيع مشاعر التضامن والتعاطف وروح الإيثار بين النّاس، وتساعدهم على مواجهة الوباء والتّصدي لأوقات الأزمات. والأهم من هذا كلّه، أنّ أفعال الخير التلقائية تعطي الفئات الضعيفة بارقة أمل وتشعرها بأنّ فعل الخير ما زال موجودًا، ولن يختفي حتّى في أحلك الظروف. لقد بات من الواجب والضّروري تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي؛ وهو ما يفرض على أفراد المجتمع تعزيز التعاون والتنسيق فيما بينهم لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية، إعمالًا تعاليم الدّين الإسلامي ومبدأ التضامن الدولي الّذي أكّدت عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. لقد حرص ديننا الإسلامي على إقامة مجتمع متماسك مترابط ومتحاب، فوضع بعض القيم في السّلوك الاجتماعي لتحقيق هذا الغرض. ومن هذه القيم قيمة التكافل (التضامن) بين أفراد المجتمع، حيث جعل من أفراد المجتمع وحدة قوية متماسكة، سداها المحبّة، ولحمتها الصّالح العام. قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مَثلُ الجسدِ، إذا اشتكَى منه عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى". إنّ تعزيز مفهوم التضامن في المجتمع ونشره كقيمة سلوكية هو مسؤولية المجتمع بمختلف شرائحه، هيئات وجماعات وأفرادًا، وبمقدار ما يتمّ تعزيز هذه القيمة بقدر ما يحقّق المجتمع وحدته وتماسكه وقوته لمواجهة هذه الظروف الصعبة. ويظلّ فعل الخير من شأن مجتمعنا هو من أكبر العوامل لدفع هذا الوباء ورفع هذا البلاء من صلة الأرحام وتفقّد ذوي القُربى ورعاية الأرامل وكفالة الأيتام والنّفقة على المساكين، وسنظلّ بخير ما أنفقنا في وجوه الخير نبتغى بذلك وجه الله ورفع البلاء. من أعظم القيم الّتي أرساها الإسلام في المجتمع واعتبرها أسًا وركنًا ركينًا من أعمدة بنائه هو التكافل بين أبنائه وتضامنهم فيما بينهم، ولا حياة لمجتمع تنعدم فيه تلك القيمة وهذا الخلق؛ إذ فقدان التكافل يعني شيوع الأثرة والأنانية والصّراع الطبقي والحقد والضغينة فضلًا عن تفشي كثير من الجرائم المرتبطة بما يلحق النّاس من ضوائق وكُربات كالسرقة والسطو على أموال النّاس ونحوها، وهذا كلّه مؤذن بالخراب والدمار. فأين نحن من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أحبّ النّاس إلى الله أنفعهم، وأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبّ إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته، حتّى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزلّ الأقدام، وإنّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل". اللّهمّ ادفع عنّا كلّ بلاء، وارفع عنّا هذا الوباء وجنّبنا كلّ فتنة. كلية الدراسات الإسلامية بقطر