سجل نادي مولودية الجزائر علامة باسمه سيخلدها التاريخ حتما بمثل تخليد التاريخ أيضا اسم نادي اتحاد الجزائر بعد حصوله على أول كأس إفريقية، بعدما تقاسم باتريس بوميل اللحظات التاريخية للكرة الجزائرية مع عبد الحق بن شيخة بنقطة اختلاف وحيدة وجوهرية بينهما فارقة، فالمدرب الجزائري هو الذي صنع الحدث والمدرب الأجنبي هو الذي غطى الحدث. من تابع نهائي كأس "الكاف" بين اتحاد الجزائر ويونغ أفريكانز، أول أمس، لم ينتبه ربما في الوهلة الأولى لتواجد المدرب الفرنسي لعميد الأندية الجزائرية، ليس في المدرجات إنما في أرضية الميدان، وبعد ساعات على تلاشي نشوة الجزائريين بالتتويج استفاق الرأي العام عامة وجمهور المولودية خاصة على "نشاز" صنعه "المدرب الأجنبي" الذي يتلقى من إدارة المولودية راتبا نظير إشرافه على تدريب أحد أعرق الأندية الجزائرية على الإطلاق، وهو يحمل ميكروفونا محدقا في الكاميرا التي أمامه، مخاطبا مشاهدي قناة "كنال بلوس" الفرنسية التي لم تجد حرجا في كتابة عبارة "باتريس بوميل.. المبعوث الخاص إلى الجزائر". والصادم في الأمر أكبر من تغطية مدرب مولودية الجزائر حدثا صنعه مدرب اتحاد الجزائر، فإدارة عميد الأندية الجزائرية بقيادة عبد الحكيم حاج رجم لم تتحرج من هول الفضيحة التي انتشرت بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وأخذت نصيبا أكبر من الاهتمام ساعات بعد تتويج النادي الجار باللقب القاري، حتى أن حاج رجم راح يدلي بتصريح فاقت صدمته تحوّل بوميل من مدرب إلى صحفي، بقوله ل"الخبر" أمس: "المدرب بوميل كان لديه عقد مع "كنال بلوس" قبل مجيئه إلى مولودية الجزائر.. لقد صارحني بالأمر"، مضيفا، وهو التصريح الأخطر، "الناس تريد الاصطياد في المياه العكرة.. لأول مرة استقدمنا مدربا ذا كفاءة..". تصريح حاج رجم، وهو اعتراف "اضطراري" أملته ردود أفعال مواقع التواصل الاجتماعي من الذين يرون الوقائع بنظرة صحيحة ومنطقية، يجمع بين "عذر أقبح من ذنب" وبين "عدم الخجل من الفضيحة" وبين قطع الشك باليقين بأن مستوى التسيير في العميد بلغ الحضيض، بل هو تصريح يبرز اضطراب قائله حتى أنه، وهو يسعى لتتفيه المهزلة، راح يقلل من شأن مدربين كبار مروا على العميد وحققوا ألقابا وكتبوا تاريخا يبدو أن حاج رجم لم يطّلع عليه بعد. قول حاج رجم بأن العميد استقدم لأول مرة مدربا ذا كفاءة يعني قطعا بأنه يقصد بأن من مر على العارضة الفنية لنادي الشعب منذ 1921 إلى اليوم لا يساوون شيئا. ففي نظر صاحبنا، فإن أسماء مثل حميد زوبا وعبد الحميد كرمالي أقل مستوى من "المدرب الصحفي" وبأن نور الدين سعدي فاقد للكفاءة.. ربما كان حاج رجم وهو يوجه كلاما مثل "الرجم" لتلميع صورة المبعوث الخاص ل"كنال بلوس" لا يعرف قيمة إسماعيل خباطو أو علي بن فضة. وإذا كان من جعلت منه الأقدار رئيسا لأحد أعرق الأندية الجزائرية يملك "ذاكرة السمكة"، فيكفي العودة به إلى الماضي القريب للقول إن من سبق حامل الميكروفون كانت توجّه لهم الميكروفونات من الصحفيين للحديث عن التتويجات والألقاب في مختلف الفئات العمرية لفرق نادي مولودية الجزائر، فمن الأجانب مثله شهد العميد مدربا من طينة الكبار ترك بصمته إلى اليوم، وهو روبير نوزاري، حتى وإن لم ينل أي لقب من العميد غير أن فترته شهدت استعادة المولودية اللعب الجميل الراقي، فيما نال فرانسوا براتشي ألقابا لم يحققها اليوم المدرب الذي لم ترشحه كفاءة لأن يكون أكثر من مساعد في أكبر فترة من مشواره التدريبي، في وقت شهدت المولودية بزوغ نجم العديد من شبانها بالأمس واليوم بفضل مدربها المحلي محمد مخازني. يكون "الحكيم" قد عجز عن التمييز بين "الصحفي" وبين "المحلل" حين راح يقبل بشروط مدربه المساعد وهو يمنحه، لأول مرة في مشواره، رتبة مدرب أول لناد (تولى بوميل منصب مدرب رئيسي ثلاث مرات، الأولى مع منتخب المغرب الأولمبي والثانية مع منتخب زامبيا والثالثة مع منتخب كوت ديفوار)، حتى أصبح بوميل، المحضر البدني الأسبق لنادي مونبيليي، أكثر كفاءة مرت على العميد من منظور حاج رجم. ولأن الأمر يتعلق بمدرب أجنبي، فلا بأس أن يكون موفدا من فرنسا إلى الجزائر لحساب "كنال بلوس" وهو أصلا متواجد في الجزائر لتدريب العميد، ولا بأس أيضا، وهو المدرب غير المحلي، بقبول أي شروط أو مطالب منه.. فلا حرج مثلا، بمنطق صاحبنا، قبول أن يجمع مدرب المولودية (غير المحلي) بين مهنة التدريب وبين عمله كسائق سيارة أجرة.. ربما كنا سنشهد، بعد تتويج "الكاف"، انتظار بوميل داخل سيارته بحظيرة الملعب الأولمبي ليقل بن شيخة إلى مكان إقامته..