دعا المؤرخ صادق بن قادة، في محاضرة بمركز البحث في الانتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، أول أمس، إلى "محاكمة تاريخية لجرائم منظمة الجيش السري "أواس" على اغتيالاتها لمدنيين عزل، لم يسلم منها حتى الفرنسيين من أمثال ويليام حسان مدير المدرسة المغتال أمام تلاميذته وابنته ببئر الجير والطفل الصغير بطالية بوغاري صاحب ال 4 سنوات، أصغر شهيد في عملية السيارة المفخخة بساحة الطحطاحة بالمدينة الجديدة"، ولم يستبعد المؤرخ ضلوع الجنرال فرانكو في دعم منظمة الجيش السري مقابل تصفية معارضيه المقيمين بوهران أثناء أحداث يوم 5 جويلية 1962. قال المؤرخ في محاضرة بعنوان "يوم 5 جويلية 1962 بوهران: محطة مهمة في ملف المصالحة بين الذاكرات"، من تنشيط الباحثة حليمة مولاي، بأن ما يسمى "أحداث 5 جويلية 1962 ما هو إلا نتيجة تراكم لشهور من جرائم منظمة الجيش السري والأرض المحروقة المتّبعة لخلق جو يدفع نحو تدخّل الجيش الفرنسي، على غرار ما وقع في الكونغو من طرف الجيش البلجيكي واغتيال المناضل باتريس لومومبا". وأكد المحاضر عكس كل الفرضيات المتداولة بأن "بعض أعضاء المنظمة الإجرامية لم يغادروا وهران على غرار بقية الكومندو في 28 جوان 1962 نحو إسبانيا، بل واصلوا اغتيالاتهم في يوم 5 جويلية باستهداف بعض الفرنسيين من أصول إسبانية معارضين للجنرال فرانكو مقابل مساعدتهم على الاستقرار في إسبانيا بعد الأحداث، بدليل أن حكومة فرانكو بعثت باخرتين لإجلاء الأوروبيين ووضع تحت تصرف الجنرال سالون طائرة خاصة للعودة للجزائر، وكان برفقة صهر فرانكو"، لذا يعتقد المؤرخ صادق بن قادة أنه وجب البحث في الأرشيف الإسباني وحتى أرشيف الفاتيكان بالنظر لتدخل البابا في القضية. واعتبر بأن تواجد الجنرال كاتز بوهران بتكليف من وزير الجيوش بيير ميسمير، حال دون تكرار سيناريو الكونغوبوهران، لأن ورقة طريقه كانت "اجتثاث منظمة الجيش السري التي كانت تستفيد من شبكات تواطؤ في كل الشرائح ولم يستطع محاربة المنظمة رغم القبض على الجنرال جوهو في مارس 1962".
يهود ضمن منظمة الجيش السري
وأضاف المحاضر "من بين أكبر المنتقدين لقضية مقطع النشيد "قسما" مؤخرا، نجد ابنة المجرم تابارو أحد مؤسسي منظمة الجيش السري بوهران، ميشيليتي وغونزاليس، واليوناني جيورجيو بولوس، صاحب المقهى الذي كان من بين المنظّرين لاغتيال المدنيين وحرق المدينة والسطو على البنوك، دون أن ننسى الجناح العسكري للمنظمة المتمثل في الجنرال جوهو وغاردي"، كما أشار لسابقة تاريخية هامة تتمثل في "قيام اليهود القاطنين بحي الدرب بخلق فرق كومندو تنشط رفقة منظمة الجيش السري وتم تبني نفس التسمية لخلق منظمة إرهابية ضد الفلسطينيين مؤخرا". في الجهة المقابلة، يقول كان هناك الجنرال جوزيف كاتز ومسؤولي المنطقة المستقلة لوهران، قاموا بعمليات بشعة والتي باشرتها منظمة الجيش السري منذ 1961 بسلسلة اغتيالات لمواطنين عزل في الشوارع وتخصيص يوم لكل الشرائح "يوم فاطمة" لاغتيال المنظفات و"يوم سعادة البريد" وتفجير خزان الوقود بميناء وهران، وبلغت ذروة الإرهاب، حسبه، بعملية السيارة المفخخة في سوق المدينة الجديدة قبل أذان إفطار رمضان.
5 جويلية بوهران... ضحايا من المدنيين و حتى الفرنسيين
استظهر بن قادة صورة أصغر ضحية في التفجير بطالية بوغاري صاحب ال 4 سنوات مولود 1 نوفمبر 1957 وتوفي فيفري 1962 لإظهار بشاعة التفجير. كما تطرّق للوضع الأمني عشية إعلان فرحات عباس 5 جويلية يوم الاستقلال وقال "الجيش الفرنسي كان في الثكنات بأمر من الجنرال كاتز والشرطة الفرنسية والجندرمة بلا سلاح وكل شيء انهار في يومين، وقعت مسألة الأمن العمومي على عاتق الكابتان بختي نميش والفدائيين المنتمين لشبكات سي عبد الحميد الاسم الثوري لبن قاسمية الشادلي وشبكة سي عبد الباقي الاسم الثوري بشير بويجرة، مما أدى لانزلاقات أثناء تنظيم مظاهرة للاحتفال بالاستقلال يوم 5 جويلية الذي شاركت فيه وعمري 13 سنة وسمعنا إطلاق نار بساحة أول نوفمبر وهربنا لأحيائنا". استعان بن قادة بتقارير جرائد "ليكو دوران" و"وهران ريببليكان" حول الأحداث، للتأكيد على وقوع ضحايا أوروبيين وجزائريين، من بينهم أطفال ونساء، وأحصيت من بين الأوروبيين اثنين أو ثلاثة أسماء معارضين جمهوريين للجنرال فرانكو"، متسائلا "فمن قتلهم ولفائدة من؟" وهنا طرح فرضية تصفيتهم مقابل تسهيل المنفى في إسبانيا.
بن قادة يفنّد ما كتبه ستورا حول الأحداث
فنّد صادق بن قادة ما كتبه بنيامين ستورا حول الأحداث "ما كتبه ستورا خاطئ لأنه لا يعرف ما وقع بوهران بالضبط، كونه ينحدر من قسنطينة". كما تناول مسألة شح الشهادات خاصة من الجانب الجزائري وصرح "رفض الفاعلين كبختي نميش والشادلي بن قاسمية وبشير بويجرة الإدلاء بشهاداتهم وحتى الشهادات المسجلة في جوان 1980 بمبادرة من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني اختفت .. يجب استرجاع هذا الأرشيف لأنه ملك للمجموعة الوطنية". كما دعا إلى ضرورة التعاون مع الفرنسيين التقدميين وضحايا منظمة الجيش السري، على غرار جمعية محافظ الشرطة غافوري التي تسعى لمحاربة تزييف تاريخ الحرب في الجزائر من طرف مجرمي منظمة "لواس" والأقدام السود. اقترح المتدخلون في ذات السياق، تنظيم مسابقات مع مدرسة الفنون الجميلة والفنانين لوضع لوحات ونصب تذكارية في المدينة لتخليد الشهداء الذين سقطوا على يد منظمة الجيش السري. كما انتقدوا حرمان ضحايا هذه المنظمة من صفة الشهيد وتصنيفهم كضحايا مدنيين رغم تواجد من بينهم أعضاء في جيش التحرير والمنظمة المدنية.