دأب الرئيس عبد المجيد تبون، منذ توليه مقاليد قصر المرادية، على اتخاذ إجراءات عقابية فورية ضد مسؤولين عموميين بمختلف مراتبهم الحكومية أو المركزية، وحتى المحلية، وغالبا ما ترتبط تلك القرارات "بتقصير في أداء المهام أو الأخطاء الجسيمة المثبتة". في أحدث قرار يطال مسؤولا حكوميا مهما، قرر تبون ليلة أول أمس إنهاء مهام وزير الفلاحة والتنمية الريفية محمد عبد الحفيظ هني. وأرفق قراره بتعديل وزاري محدود عيّن بموجبه وزير النقل يوسف شُرفة وزيرا للفلاحة والتنمية الريفية خلفا لزميله المقال. فيما عيّن محمد لحبيب زهانة وزيرا للنقل خلفا لشرفة. وإن لم تذكر الرئاسة أسباب إقالة هني، فالسياق الذي صدر فيه القرار وبيان اجتماع الحكومة أمس لا يخرج عن دائرة الغضب الرئاسي من أداء المسؤول الأول عن قطاع استراتيجي يعاني الخلل ويرتهن به الأمن الغذائي الوطني، وهو القطاع الذي أحدث ولا يزال صداعا مزمنا للمواطن المكتوي بنيران الأسعار الملتهبة، وتذبذب المواد الأساسية التي يتحكم في إنتاجها وتوزيعها واستيرادها قطاع الفلاحة. يُفهم من بيان اجتماع الحكومة الذي تلا قرار الإقالة أن الوزير هني قد فشل في امتحان "الوفرة والأسعار" المتعلقة بالمنتجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، ومنها البقوليات التي طالتها "الأيادي المشبوهة"، كما لمّح إلى ذلك الرئيس تبون، وعرفت ارتفاعا فاحشا وغير مسبوق، ومنتجات أخرى سجلت صعودا تاريخيا في الأسعار، وخاصة اللحوم البيضاء والبيض والمنتجات الحيوانية. ومنذ الدخول الاجتماعي توالت القرارات الرئاسية التي طالت مسؤولين بمختلف هرم المسؤوليات، ففي مطلع الشهر الجاري أنهى الرئيس تبون مهام الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، وعين مدير ديوانه نذير العرباوي خلفا له لقيادة التشكيلة الحكومية التي لا تزال تواصل عملها، باستثناء ما طرأ عليها من تغييرات مست 3 قطاعات وزارية أول أمس. يأتي هذا القرار بعد أيام فقط من أوامر وجهها تبون إلى وزير داخليته إبراهيم مراد، بإقالة والي ولاية غليزان لكحل عياط عبد السلام، ورئيس دائرة زمورة ومسؤول كبير آخر، إلى جانب 3 مسؤولين محليين من قطاع التربية بنفس الولاية، على خلفية "ثبوت تقاعس في تطبيق تعليمات رئيس الجمهورية، واكتشاف ما يؤكد وجود تقارير كاذبة تخفي الحقائق في تنفيذ برامج التنمية"، مثلما أشار إليه بيان الرئاسة حينها. ومنذ أسبوعين فقط، وقع رئيس الجمهورية مرسوما يتضمن إنهاء مهام كل من رئيس دائرة عنابة بن أودينة لمنور، ورئيس دائرة الڤرارة بولاية غرداية سريم يوسف، بسبب "التقصير في أداء المهام المنوطة بهما والإخلال بواجب التحفظ"، حسبما وضحته الوزارة الوصية في بيان لها. وأرفقت الداخلية قرار الإقالة ببيان أكدت فيه أن الإجراء العقابي المتخذ يندرج ضمن "الحرص الدائم الذي يوليه رئيس الجمهورية للتكفل بالانشغالات اليومية للمواطنين، والتي لا تقبل أي تهاون، والتزامه بالمتابعة المستمرة لتسيير الشأن العام، فضلا عن اعتماد مبدأ وضع المواطن في مركز الأولويات كمعيار أساسي لتقييم كل الإطارات، سواء على المستوى المحلي أو المركزي". وخلال الصائفة الماضية، أنهى تبون في ساعة متأخرة من الليل مهام وزير الاتصال محمد بوسليماني، وهو القرار الذي ربطه متابعون بخطأ يكون الوزير قد وقع فيه، ويتعلق بأخبار كاذبة بثتها وسيلة إعلام محلية. وبنفس الطريقة والمبرر، كان الرئيس قد لجأ إلى إقالة عضو بحكومته الأولى، حينما أعفى وزير النقل عيسى بكاي من منصبه على رأس وزارة النقل، مكتفيا في تعليل ذلك بأنه "ارتكب خطأً فادحا". ولم تكن إقالة بكاي جديدة في عهد تبون، بل سبقها إبعاد مفاجئ لكل من وزيري السياحة الأسبقين حسان مرموري، ووزير النقل السابق هاني لزهر، وقبلهما وزير العمل أحمد شوقي عاشق الذي أقيل بشكل مفاجئ بعد 6 أشهر قضاها في المنصب. وتؤشر هذه القرارات بأن الرئيس تبون ماض في تنفيذ وعيده وتسليط العقاب الفوري ضد كل يثبت تقصيره أو ارتكابه للخطأ الجسيم، بعيدا عن ترتيبات التعديل أو التغيير الحكومي، علما أن عبد المجيد تبون قد عمد منتصف الشهر الماضي إلى إعادة تشكيل فريقه الرئاسي واستبعاد 5 من مستشاريه، وذلك بعد أيام من إصداره مرسوما يتضمن توسيع مهام وصلاحيات الفريق، بما يشمل مراقبة عمل الفريق الحكومي.