تسود حالة من الارتباك والانقسام داخل أروقة الحكم في الكيان الصهيوني؛ على خلفية الخلافات حول استئناف المفاوضات مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار، على ضوء المقترح الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، نهاية الشهر الماضي، إذ في الوقت الذي دعت فيه قيادات عسكرية صهيونية لإبرام اتفاق هدنة، هدد وزراء متطرفون بالاستقالة وإسقاط الحكومة، بداعي أن قبول وقف إطلاق النار هو إعلان انتصار حركة حماس، بينما خرج "رئيس" الكيان الصهيوني، إسحاق هرتسوغ، أمس، ودعا إلى إتمام صفقة للإفراج عن الأسرى. كتب هرتسوغ في منشور على منصة "إكس": "بعد خطاب الرئيس بايدن، أخبرت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنني سأقدم له وللحكومة الدعم للاتفاق الذي سيعقدونه من أجل إطلاق سراح المختطفين". ويأتي تعهد هرتسوغ بدعم رئيس الوزراء، بعد ساعات من الإنذار الذي وجهه وزيرا الأمن القومي، إيتمار بن غفير، والمالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى نتنياهو، مهددين فيه بإسقاط الحكومة الائتلافية إذا تم قبول اتفاق بشأن غزة يتضمن إنهاء الحرب "دون القضاء على حماس". وفي منشور على موقع "إكس"، طالب سموتريتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، بمواصلة الحرب على غزة حتى يتم تدمير حركة حماس وإنقاذ جميع الأسرى لدى الحركة، قائلا إنه "لن يبقى في الحكومة إذا لم يحدث ذلك". كما أشار أنه يعارض أيضا أي إجراءات ضمن هدنة مؤقتة مثل انسحاب القوات الصهيونية أو عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة أو إطلاق سراح أعداد كبيرة من المحتجزين الفلسطينيين. كما هدد وزير الأمن القومي الصهيوني، إيتمار بن غفير بتفكيك الحكومة إذا وافق الكيان على مسار الصفقة المقترح، قائلا "هذه صفقة سيئة وانتصار لحماس وخطر أمني على دولة إسرائيل"، وأضاف زعيم حزب القوة اليهودية المتطرف أن مثل هذا الاتفاق سيكون "تهورا وسيشكل انتصارا للإرهاب وتهديدا للأمن القومي الإسرائيلي". وكان بيان مشترك للولايات المتحدة وقطر ومصر دعا كلا من الكيان وحركة حماس، أول أمس، إلى إبرام اتفاق يجسد المبادئ التي حددها الرئيس الأمريكي جو بايدن في نهاية شهر ماي الماضي لإنهاء الحرب في غزة. وكان بايدن أعلن عن مقترح شامل من 3 مراحل يتضمن وقفا دائما لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع المحتجزين وعودة النازحين وإعادة إعمار قطاع غزة. وبينما حث بايدن القيادة السياسية الصهيونية على دعم المقترح إلى حين دخوله حيز التنفيذ، أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالات هاتفية منفصلة مع وزراء خارجية تركيا والأردن والسعودية ومصر والإمارات لبحث مقترح وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدا أن الاقتراح يصب في مصلحة الصهاينة والفلسطينيين. بالمقابل، وفي الوقت الذي قالت فيه حركة حماس إنها تنظر بإيجابية إلى إعلان الرئيس الأمريكي وسترد عليه إذا رأت الحركة أن المقترح يلبي مطالبها، أشار بيان منسوب إلى مكتب نتنياهو عدم وضوح الرؤية بخصوص الهدنة، من خلال تجديد التأكيد أن "شروط إسرائيل لإنهاء الحرب لم تتغير: تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس، وإطلاق سراح جميع مختطفينا، التأكد من أن غزة لن تشكل بعد الآن تهديدا لإسرائيل". ويخشى نتنياهو الآن أن يؤدي قبول الهدنة إلى سقوط حكومة الائتلاف بعد أن ينسحب منها وزراء اليمين المتطرف، وهو ما سيؤدي إلى نهاية مشواره وبدء مساءلته ومحاكمته في قضايا الفساد المتابع فيها. وتدرك عائلات الأسرى الصهاينة والقيادة العسكرية الصهيونية هذا المعطى، ولذلك صعدت من ضغوطها، إذ واصلت العائلات والمتعاطفون معها احتجاجاتها من أجل عودة ذويها من غزة، سواء أحياء أم أمواتا. كما كشفت تقارير إعلامية عبرية عن كواليس الموافقة على الوثيقة التي أعلن عنها بايدن، لافتة إلى أن كبار المسؤولين الصهاينة يعتقدون أن هذا هو الوقت المناسب للتحرك نحو الصفقة. وأضافت أن أعضاء الجهاز الأمني اعترضوا جميعا في اجتماع مجلس الوزراء الحربي على رفض نتنياهو الموافقة على الاقتراح الذي قدمه فريق التفاوض الصهيوني في البداية.
وتابعت: "وقف الجهاز الأمني بكامله أمام نتنياهو، من رئيس الأركان، ورئيس الشاباك، وكذلك الوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت، فاضطر رئيس الوزراء إلى قبول اقتراح الفريق المفاوض، حيث جرت الموافقة في مجلس الوزراء على نفس الوثيقة التي تضمنت الاقتراح الصهيوني الذي جرى تقديمه إلى الوسطاء". ويتضمن المقترح الصهيوني، وفق ما أعلن الرئيس الأمريكي، في مرحلته الأولى التي ستستمر لمدة 6 أسابيع، وقفا كاملا لإطلاق النار، وانسحاب القوات الصهيونية من جميع المناطق المأهولة بالسكان في غزة، وإطلاق سراح عدد من الأسرى الصهاينة، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين. وخلال المرحلة الأولى؛ ستتفاوض حماس والكيان على الإجراءات الضرورية لتنفيذ المرحلة الثانية، التي تتضمن خارطة طريق "لإنهاء دائم للأعمال العدائية، وتبادل وإطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين، وحتى الجنود، كما ستشمل انسحاب القوات الصهيونية من غزة". وحسب التقارير، فإن النقطة المهمة الأخرى؛ تتعلق بمواصلة الاتصالات بين الطرفين لتنفيذ الخطوات التالية في الاتفاق، موضحة أنها المرة الأولى التي يوافق فيها الكيان على تمديد وقف إطلاق النار إلى ما بعد الأسابيع الستة الأولى، ما دامت المفاوضات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية، التي تشمل إطلاق سراح الأسرى، بمن فيهم الجنود، مستمرة. وأما المرحلة الثالثة؛ فتتضمن خطة إعادة إعمار كبرى لغزة، وإعادة ما تبقى من رفات المحتجزين إلى عائلاتهم. ومع ذلك، كشفت التقارير نفسها عن غياب التوافق داخل الكيان حتى الآن، بخصوص وقف إطلاق النار خلال مفاوضات الهدنة، في المقابل تطالب حماس باستمرار وقف إطلاق النار حتى يتم التوصل إلى اتفاق.