تحولت اللحظات الأخيرة للقائد والزعيم يحيى السنوار، وهو يقاوم حتى الرمق الأخير، جالسا على الأريكة ملثّما، مقاوما بعصا وبنظرة ثاقبة وجسد نازف، إلى رسومات ولوحات وصور وأيقونات متداولة عالميا، جعلت منه رمزا خالدا. غزت صور الشهيد يحيى السنوار الفضاء الافتراضي وحظيت بإعجاب وتفاعل الملايين، بالرغم من محاولات الطمس والتزييف التي مارستها قنوات وحسابات عربية وعبرية. كما انتشرت صور لأطفال وشباب يقلدون وضعيات وجلسات السنوار على الأريكة، ملتفتا نصف التفاتة أو ممددا يديه عليها، كما هي صورته في كتابه المعنون "القرنفل والشوك". واعتقد جنود الكيان الصهيوني أن نشر فيديو حول استشهاد القائد والزعيم يحيى السنوار، سيشكل انتصارا لهم، في حين أنهم وثّقوا لحظات خالدة وملهمة للأجيال، وكان مفعولها عكسيا بامتياز. وقد جعلت تلك الصور والرسومات جلسة "أبا إبراهيم" على الأريكة وعصاه التي ألقاها على كاميرا طائرة درون ونصف التفاتته باللثام، وجسمه النازف، مضرب مثل عالمي للحرية ولمقاومة الغزاة، كنيلسون مانديلا والمهاتما غاندي والعربي بن مهيدي وعمر المختار وغيرهم من عظماء العالم. وتغلبت تلك اللوحات والرسومات على الترسانة الإعلامية الصهيونية والغربية، التي حاولت تصوير عملية اغتياله كانتصار كبير للغرب، وجعلت من مشهد السنوار مقاوما حتى اللحظة الأخيرة مصدر قوة نفسية للمقاومين وأيقونة خالدة، يتعين طبعها في الملابس أو رسمها على الجدران وإدراجها في خلفيات شاشات الهواتف النقالة أو كإطارات في المنازل والمكاتب والحوانيت وإخراجها في فيلم أكثر من هوليودي. فمن حيث لا يعلم الجلاد وأذنابه، فقد منح للسنوار "نهاية" كان يتمناها وتليق به كمجاهد ومقاوم للاحتلال، وتحولت موته من طعم الهزيمة إلى الفوز المبين، ثبّت السردية الفلسطينية في الذهنية الجمعية للبشرية، وأثبت للعالم بأنها الحقيقة، وما دونها سوى أوهام وأضغاث أحلام.
لقد بدا الأسير السابق في سجون الصهاينة لمدة 23 سنة، بصبره ثم باستمراره في المقاومة حتى الرمق الأخير من حياته وبيده قنبلة وعصا وبنظرة ثاقبة، عملاقا، والجنود والدبابات والطيران الحربي الصهيوني أقزاما. هذا المشهد المألوف لدى الغرب في أفلام ال"أكشن" الهوليودية فقط، جسّده أبو أبراهيم في الواقع أمام أنظار العالم، كاشفا عن قلب شجاع سيذكره التاريخ إلى الأبد. وشكلت تلك المضامين البصرية والشعارات المرافقة لها، والصور المركبة المنتشرة في شبكات التواصل، رسالة لقادة الاحتلال، تفيد بأن لا مكان للاستسلام في القاموس الفلسطيني ولا لغة إلا لغة السلاح والمقاومة. الإرث الذي تركه السنوار ونهايته الأسطورية، ستخدم المقاومة أكثر من لو ظل الرجل حيا ويدير الحركة والمعركة من "غزة السفلى والعليا"، بدليل أن الكيان الصهيوني حاول، بعد أن أدرك أنه أخطأ حين بث فيديو السنوار مقاوما، شيطنته بفيديو ثان عما قال إنه بيت السنوار في الأنفاق، في محاولة بائسة لإحداث شرخ بين المقاومة وحاضنتها الشعبية. هذه هي قدرة الفلسطيني المقاوم على ترميز أبطاله وبطولاته وتخليدها إلى الأبد، ومنحها مناعة وذاكرة ضد النسيان.