لا يضيّع المسؤولون في فرنسا أي فرصة لإقحام الجزائر في خطاباتهم وسياستهم لتحويل أنظار المجتمع الفرنسي عن الأزمات الداخلية، فيما يبدو أن الرئيس إيمانويل ماكرون سلّم الملف الجزائري لليمين المتطرف لتفادي أي توترات سياسية قد تؤدي لسقوط الحكومة أو حل البرلمان أو إجراء رئاسيات مبكرة. يبحث السياسيون في فرنسا عن أي مبرر مهما كانت طبيعته وحجمه، من أجل تحميل الجزائر مسؤولية تدهور الأوضاع الداخلية الناتج عن تراجع رقم الأعمال في فرنسا والضغط الذي تتعرض له الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وروسيا وخسارتها لمعركة أوكرانيا، إضافة إلى الصراعات السياسية التي تهدد بالذهاب نحو رئاسيات مسبقة. وقالت وزارة الخارجية في بيانات لها "إن الجزائر قد صارت على ما يبدو محط مشاحنات سياسية فرنسية-فرنسية يسمح فيها بكل أنواع المناكفات السياسوية القذرة في إطار منافسة يحرض عليها ويوجهها ويأمر بها اليمين المتطرف"، وأكدت أن هذه الحركية التي تستدرج في سياقها، ليس فقط القوى السياسية الفرنسية، بل أيضا أعضاء الحكومة الفرنسية سيكون لها عواقب غير محسوبة على جميع جوانب وأبعاد العلاقات الجزائرية الفرنسية. وأوضحت الوزارة أنه في خضم التصعيد والتوترات التي أضفاها الطرف الفرنسي على العلاقات بين الجزائروفرنسا، لم تبادر الجزائر بأي شكل من أشكال القطيعة، بل تركت الطرف الفرنسي وحده يتحمل المسؤولية بصفة كاملة. وطيلة كل هذه الفترة، أخذت الجزائر على عاتقها الالتزام بالهدوء والاتزان وضبط النفس. وفي هذا الإطار، فقد عملت على هدف وحيد وأوحد يتمثل في ممارسة حقوقها والاضطلاع بواجباتها تجاه مواطنيها المقيمين في فرنسا، اذ أن أحكام التشريع الفرنسي والاتفاقيات الثنائية والقانون الأوروبي والدولي تصبّ جميعها في صف الجزائر، خاصة فيما يتعلق بالحماية القنصلية لرعاياها. وأوضحت الخارجية أن الإخلال بالالتزامات الوطنية والدولية، تسبب فيه الطرف الفرنسي مثلما يعكسه اللجوء المفرط والتعسفي للقرارات الإدارية بغرض ترحيل المواطنين الجزائريين وحرمانهم من استخدام طرق الطعن القانونية التي يضمنها التشريع الفرنسي في حدّ ذاته. وتؤكد الجزائر أنها ستظل حريصة على مكانتها الدولية، وستبقى متشبثة باحترام وحدة الترسانة القانونية التي تؤطر حركة الأشخاص بين الجزائروفرنسا، دون انتقائية ودون تحوير عن المقاصد التي حددتها الجزائروفرنسا بشكل مشترك لهذه الترسانة. ومن ذات المنظور، رفضت الجزائر رفضا قاطعا مخاطبتها بالمهل والإنذارات والتهديدات، مثلما ستسهر على تطبيق المعاملة بالمثل بشكل صارم وفوري على جميع القيود التي تفرض على التنقل بين الجزائروفرنسا. وشددت أن أي مساس باتفاقية 1968، التي تم أصلا إفراغها من كل مضمونها وجوهرها، سينجرّ عنه قرارا مماثلا من الجزائر بخصوص الاتفاقيات والبروتوكولات الأخرى من ذات الطبيعة، وذلك دون استبعاد أي تدابير أخرى قد تقتضي المصالح الوطنية إقرارها. وأكدت أن اليمين الفرنسي المتطرف قد كسب رهانه باتخاذ العلاقة الجزائرية الفرنسية رهينة له وتوظيفها لخدمة أغراض سياسوية مقيتة لا تليق بمقامها ولا بمنزلتها. وقبل ذلك، كان وزير أوروبا والشؤون الخارجية لجمهورية فرنسا، قد أعلن أن تدابير تقييدية على التنقل والدخول إلى الأراضي الفرنسية قد تم اتخاذها في حق الرعايا الجزائريين الحاملين لوثائق سفر خاصة تعفيهم من إجراءات الحصول على التأشيرة. وأعربت الحكومة عن استغرابها ودهشتها إزاء هذا الإعلان الذي لم يتم إبلاغها به بأي شكل من الأشكال مثلما تنص عليه أحكام المادة الثامنة من الاتفاق الجزائري الفرنسي المتعلق بالإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو لمهمة. واعتبرت أنها تمثل حلقة أخرى في سلسلة طويلة من استفزازات والتهديدات والمضايقات الموجهة ضد الجزائر، غير أن هذه التدابير لن يكون لها أي تأثير على بلادنا التي لن ترضخ لها بأي شكل من الأشكال، بل على العكس سترد الجزائر على أي إجراء يضر بمصالحها بتدابير مماثلة وصارمة وفورية. وقبل ذلك كانت الجزائر قد أعلنت عن تسجيل إفادات متطابقة لعدد من المواطنين الجزائريين حول المعاملة الاستفزازية والمهينة والتمييزية التي يتعرضون لها من قبل شرطة الحدود في مطاري رواسي شارل ديغول وأورلي. وعلى إثر التأكد من صحة هذه المعلومات، استدعى كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، سفيان شايب، السفير الفرنسي بالجزائر، للتعبير عن احتجاج الحكومة الجزائرية الشديد على مثل هذه التصرفات غير المقبولة البتة. كما أكد رفض الجزائر القاطع لأي مساس مهما كان نوعه أو شكله بكرامة مواطنيها أو استخدامهم كأداة للضغط أو الاستفزاز أو الابتزاز ضد بلدهم. وقد طلب كاتب الدولة من السفير إبلاغ حكومته بضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لوضع حد، وبشكل عاجل، لهذه التصرفات والممارسات غير المقبولة التي تهين سمعة الحكومة الفرنسية في المقام الأول وفي المقام الأخير. وتسعى الإدارة الفرنسية من حملتها ضد الجزائر، إلى تحويل أنظار المجتمع الفرنسي عن إخفاقاتها المتتالية وتوجيه أصابع الاتهام للجزائر بهدف الضغط عليها، من خلال كيل الاتهامات الباطلة للمصالح الجزائرية واستغلال ملف الجزائريين المقيمين بطريقة غير قانونية والذين صدرت في حقهم مذكرات بمغادرة التراب الفرنسي. ويرى مراقبون أن سبب التكالب الفرنسي على كل ما هو جزائري له علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية المقبلة بهدف ثني عزيمة الجالية الجزائريةبفرنسا عن لعب دور محوري في تحديد هوية ساكن قصر الإيليزي المقبل، خاصة وأن كل المؤشرات توحي بأن انتخابات رئاسية مسبقة تلوح في الأفق مع الانحدار الشديد في شعبية الرئيس ماكرون.