لا أحد كان يتصور أن تتحول ملاعب كرة القدم إلى مقابر للموتى في هذه الألفية التي طوت صفحات النازية والفاشية والشيوعية وكل أنواع التطرف، فما حدث أول أمس بمصر صدم كل سكان العالم من رياضيين وغير رياضيين، إلى درجة أن رئيس الفيفا جوزيف بلاتير وصف هذا اليوم “باليوم الحزين”. كرة القدم التي نجحت في توحيد الشعوب وحاربت العنصرية ونجحت في قتل الضغينة والحقد بين الشعوب، وسمحت بمشاهدة مباريات بين منتخبي بلدين تصارعا لعشريات، في صورة إيران وأمريكا، وكوريا الجنوبية ضد كوريا الشمالية، وانجلترا ضد الأرجنتين وغيرها، كرة القدم هذه التي صنعت الفرجة وجعلتنا نصفق للاعبين مسيحيين ويهود ومسلمين وملحدين مهما كانت جنسياتهم ودياناتهم وأوصولهم وقناعاتهم، هذه الرياضة الشعبية تحولت في مصر إلى وسيلة للقتل والتقتيل، وتحول الملعب الذي ظل يؤم الشباب والمراهقين والنساء والأطفال للترفيه، إلى مشرحة تستخرج فيها السكاكين من الغمد وتنخر الأجساد حتى الموت. وحتى إن ربط المحللون “الفاجعة المصرية” بالوضع الغامض في بلد النيل بعد رحيل آل مبارك، فإن الغريب في كل الصور التي بثت عبر القنوات، هو تلك الكراهية التي نمت بشكل كبير بين المصريين في الملاعب، وهو مؤشر خطير سيجعل من كرة القدم ومبارياتها موعدا للتقتيل والعنف، ولا توجد أي قوة أمنية تستطيع التحكم في جماهير تعدى عددها عشرات الآلاف. ما حدث في مصر ليس استثناء، وما يحدث في ملاعبنا نحن كذلك شبيه بما وقع في ملعب بورسعيد، ولكن بدرجات أقل، لأن ملاعبنا هي الأخرى غير آمنة، ونشر ثقافة الحقد بين الفرق والنوادي هو السبب الرئيسي في تنامي مثل هذه الممارسات المنبوذة، ولعل وسائل الإعلام ومسيري النوادي الرياضية إضافة إلى السلطات الرياضية والأمنية، مطالبون بلعب دورهم التوعوي كما ينبغي، فلا يمكن أن يبقى المناصر البسيط مكتوف الأيدي وهو يسمع رئيس ناديه يتهجم على الحكم أو على الفريق المنافس، ولا يمكن للمناصر المراهق أن لا يتحرك وهو لا يقرأ ولا يسمع سوى عن “الحرب” و”الموقعة”، إلى درجة أن كسب نقاط أي مباراة أضحى مسألة حياة أو موت. وبالرغم من أن الفرق بين المجتمعين المصري والجزائري موجود في عدة نقاط، فإن السلوكات تبقى رهينة شرارات ليس إلا، ومقتل 75 شخصا في ملعب بورسعيد رقم ضخم، لكننا لسنا في منأى عن هذا الكابوس، الذي يجعلنا نكفر بكرة القدم، ونكفر بالملاعب التي وعوض أن تجلب لنا السعادة، أصبحت أماكن للقتل البشع.