غريب حقا هو ذاك التصريح الذي أدلى به الناخب المغربي الجديد القديم بادو الزكي، حين وصف المنتخب المغربي بأنه «أقوى على الورق من منتخب الجزائر» وذلك عشية المواجهة الودية التي جمعت كتيبته بالمنتخب الروسي الذي يحضر للمونديال واختار لفهم أبجديات لعب الشمال الإفريقي كونه سيواجه منتخبنا في آخر جولة من لقاءات الدور الأول من المونديال منازلة أسود الأطلس، إذ يصعب على عقل محلل كروي من أي مستوى كان أن يفهم هاته القوة الورقية التي يتحدث عنها بادو الزكي، وهو الذي خسر ثاني مواجهاته الودية منذ أعيد تنصيبه على رأس المنتخب المغربي ضد أنغولا في البرتغال، في الوقت الذي هزم فيه محاربو الصحراء رومانيا بسويسرا ليتصدروا إثرها ترتيب الدول الإفريقية على سلم الفيفا مؤخرا، فما الذي يكون قد قصده زكي بالقوة الورقية التي يمتلكها، وعلى أي أساس رسم تلك القوة على الورق في مخيلته؟ هل هو احتباس فكري عند الزكي؟ فأغلب الظن أن الزاكي لا يزال يحتفظ في ذاكرته القريبة بالفوز الذي سبق وحققه في ربع نهائي كأس أمم إفريقيا التي جرت بتونس، وقتما كان المنتخب الوطني يعاود لملمة شؤونه، ويستدعي من أجل ذلك عناصر شابة وقتها كعنتر يحيى، كريم زياني، سمير بلوفة وغيرهم، بعد سقطة كأس أمم إفريقيا بمالي في 2002 وما صاحبها من نزاع بين الاتحادية الجزائرية لكرة القدم بقيادة محمد روراوة ومدرب الخضر آنذاك رابح ماجر، الأمر الذي لم يمكن المدرب البلجيكي جورج ليكانس من قيادة المنتخب بالشكل الهادئ فآثر الانسحاب، وهو الانسحاب الذي جاء بالشيخ سعدان مرة أخرى على رأس المنتخب وحاول في ظرف أربعة أشهر إعادة تكوين منتخب قوي وذلك بمساعدة كل من شارف وشرادي، وكادوا يفلحون في مهمتهم تلك لولا الاخفاق الفظيع وغير المفهوم من طرفهم في تسيير الدقائق الأخيرة من مواجهة منتخب المغرب، حين كان رفقاء أشيو متفوقين في النتيجة بهدف لشراد، قبل أن يعدل الشماخ النتيجة ويضيف زايري وحجي يوسف هدفين نقلا المغرب إلى الدور نصف النهائي، فلربما لا يزال تفكير زكي حبيس هذه اللحظة، مثلما انحبس تفكيرنا نحن كجزائريين لسنين طويلة عند فوزنا على الألمان! سوء قراءة لهزيمة مراكش إذا لم يكن الأمر كذلك، أي أن زكي لم ينحبس تفكيره ونذكره للحظة فوزه على الطاقم الفني الجزائري في كأس أمم إفريقيا 2004، فسيكون حتما قد ارتكز في رسم قوته الورقية على لقاء مراكش التاريخي، الذي مرغ فيه المنتخب المغربي أنف منتخبنا برباعية لم تعكس في حقيقتها قوة المنتخب المغربي، كونه خرج بعدها من الدور الأول في نهائيات كأس أمم إفريقيا مع كل من الغابون وغينيا الاستوائية، وكما ولم تعني تلك الهزيمة المذلة قط ضعف العناصر الوطنية التي عادت فيما بعد للتألق تحت قيادة المدرب وحيد حاليلوزيتش، وتقطع تأشيرة المرور إلى المونديال، في الوقت الذي لم يستطع فيه المنتخب المغربي المرور حتى مباريات السد ، الأمر الذي يعني بالضرورة أن ثمة خطأ حدث في لقاء مراكش أو ربما حتى خطيئة ، جعلت اللقاء ينتهي على تلك الشاكلة التي تبين فيما بعد أنها خدمت المنتخب وجسدت فعلا مقولة رب ضارة نافعة، فلو فازت الجزائر وقتها لبقى الوضع على ما كان عليه، ولما كانت الاتحادية قد استقدمت حاليلوزيتش، وما كان منتخبنا قد حقق القفزة النوعية التي حققها اليوم. المنتخب هو تسيير قبل اللعب! تصريح بادو الزكي الغريب يجعلنا نقف عند نقطة مهمة ربما كانت هي السبب الرئيسي في تردي مستوى المنتخب المغربي في العشرية الماضية، نقصد الإحساس بالقوة لوجود لاعبين ينشطون في نواد أوروبية كبيرة ولو كانوا دائمي الجلوس على مقاعد البدلاء، وهذا لعمري أكبر خطأ عشناه كجزائريين ويعيشه الأشقاء المغاربة حاليا، والدرس في الحقيقة سبق وأعطاه الراحل برينو ميتسو حين قاد منتخب السينغال إلى الدور ربع النهائي من كأس العالم سنة 2002 بلاعبين معظمهم ينشطون في بطولتين متواضعتين بأوروبا، وخاصة بلجيكا وفرنسا، ومنهم الكثير ممن كانوا ينشطون في فرق القسم الوطني الثاني، لكن حسن تسيير المنتخب من قبل الاتحاد السينغالي في تلك الفترة جعله يحقق المعجزة الإفريقية في المونديال، وها هو اليوم حاليلوزيتش يسلك ذات المسلك حين رفض أن يضع أيا من اللاعبين نفسه في منزلة النجومية داخل المنتخب، وراح إلى حد التضحية بلاعبين لم يتخيلوا يوما أن يروا أنفسهم مبعدين عن المنتخب بعدما صاروا مدللين لدى أنصار الفريق الوطني في صورة كل من زياني، بلحاج، بودبوز وقادير، فالمنتخب تسيير على كل المستويات قبل أن يكون لعب فوق أرضية الميدان، وهو ما حرصت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم على ترسيخه بوصفه من أهم الدروس المستخلصة من أفراح وأتراح المنتخب. المغرب أضعف من أنغولا وأقوى من الجزائر! ما زاد من دهشتي شخصيا في تصريح الزكي الغريب، في اعتبار المنتخب المغرب «ورقيا» أقوى من المنتخب الجزائري، هو عدم استطاعة الأسود تأكيد تلك القوة «الورقية» على رقعة الميدان أمام منتخب إفريقي عاد مثل أنغولا، حين سقطوا أمامه في ميدان حيادي وديا منذ أسبوعين تقريبا بثنائية نظيفة، فإذا سلمنا بكلام زكي فالمنتخب الجزائري أقل قوة حتى من المنتخب الأنغولي، ولكي نسلم حقا بذلك علينا أن نتخلى لبعض الوقت عن عقولنا ونتحلى بشيء من الغباء أو «الهبل» حتى. أخيرا نعتقد أن الزكي بتصريحه غير المتزن ذلك، قد كشف عن جزء من استراتيجية عمله القادمة مع المنتخب، والتي يبدو أنها تقوم على بسط دبلوماسية جديدة في التعامل مع الأسماء الثقيلة التي كانت مصدر مشاكل سابقة في المنتخب وأعاقته عن التطور على مستويي النتيجة والأداء، ومن ثمة ليس مشروعه يقوم على أساس بسط تصور جريء يطمح لبناء فضاء عملي جدي وجديد للمنتخب يكون أعمق وأدق على درب ترسيخ ثقافة جديدة في إدارة شؤون المنتخب المغربي، لهذا هو يتوهم الآن أنه فريقه أقوى من أول الفرق الإفريقية ضمن سلم الفيفا، لكن على الورق فقط!