عام 1960: الاتحاد السوفياتي يتوّج بأول نسخة لكأس الأمم الأوروبية على الأراضي الفرنسية

لم تبق سوى أيام قليلة على انطلاق فعاليات كأس الأمم الأوروبية التي ستحتضنها كل من بولندا وأوكرانيا باعتبارها المسابقة التي تكتسي أهمية كبيرة وسط الجماهير المحبة للساحرة المستديرة عبر الأقطار العالمية وليس الأوروبية فقط، لذلك ارتأينا أن نسلط الضوء على كل الدورات منذ انطلاق المنافسة والتي كانت على الأراضي الفرنسية سنة 1960، حيث عرفت هذه الأخيرة تتويج الاتحاد السوفياتي (روسيا حاليا) بالطبعة الأولى لكن قبل ذلك سنتعرف على المسابقة ومن صاحب فكرة نشأتها وكيف جرى التنافس فيها.
بطولة كأس الأمم الأوروبية تصنف في المركز الثاني عالميًا
تعتبر بطولة كأس الأمم الأوروبية بمثابة بطولة كرة القدم الرئيسية للمنتخبات في القارة العجوز، وتصنف هذه البطولة في المركز الثاني عالميا بعد منافسة كأس العالم، حيث تشهد الدورة منافسة شرسة على لقبها بين أقوى وأعرق الدول الأوروبية.
هنري دولوني صاحب الفضل في فكرة إنشاء المسابقة
تعود فكرة انطلاق بطولة الأمم الأوروبية إلى الفرنسي هنري دولوني الذي طرح فكرته للمرة الأولى بالتحديد في 5 فيفري من سنة 1927، لكن فكرته لم تلق قبولا في ذلك الوقت نظرا لانشغال أسرة كرة القدم بوضع اللمسات الأخيرة على انطلاق كأس العالم الأولى في الأوروغواي عام 1930، وانتظرت فكرة دولوني وقتا طويلا من الزمن إلى أن تأسس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في الخمسينات، وشاء القدر أن يموت دولوني عام 1955 قبل أن تبصر فكرته النور.
بيار يدافع عن فكرة والده وينجح في إقناع الاتحاد الأوروبي
بعد موت دولوني حمل نجله بيار الذي خلفه أمينا عاما للاتحاد الفرنسي لكرة القدم المشعل وأعاد طرح فكرة والده التي لاقت صدى واسعا باعتباره نجح في إقناع اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي في اجتماعها في مدينة كولن الألمانية عام 1957 في تبني هذه البطولة.
نجاح مسابقات الأندية شجع الاتحاد الأوروبي على قبول الفكرة
بعد الصخب الكبير الذي صاحب منافسات الأندية الأوروبية والتي انطلقت عام 1956، وتابع مبارياتها جمهور غفير تخطى أحيانا ال70 ألف متفرج في لشبونة ومدريد وبلغراد وميلانو، لتلقى هذه المسابقات نجاحا كبيرا نظرا للصدى الكبير التي أحدثته، وهو الأمر الذي ساهم بدرجة كبيرة في تشجيع المسؤولين في الاتحادات الأوروبية على إطلاق بطولة للمنتخبات.
كل الدول أعجبت بالفكرة إلا بريطانيا
عرض رئيس الاتحاد الأوروبي آنذاك الدنماركي إيبي شفارتس خطوات ملموسة لتحديد انطلاق البطولة الأولى، فلقي تشجيعا خصوصا من اتحادات إسبانيا والمجر واليونان، والتي اقترحت أن تكون البطولة بنظام خروج المغلوب، إلى أن الفكرة لم تعجب الاتحاد البريطاني الذي اعتبر أنها تشكل خطرا على بطولة بريطانيا التاريخية.
الاتحاد الأوروبي يقرر إنشاء البطولة من مؤتمر كوبنهاغن 1957
ارتأى الاتحاد الأوروبي درس الأمر في مؤتمر دعا إليه في 28 من شهر جوان سنة 1957 في كوبنهاغن، وقد شارك في المؤتمر ممثلون عن 26 دولة منظمة إلى الاتحاد الأوروبي، وتقدمت لجنة منتدبة من الاتحاد الأوروبي مؤلفة من الفرنسي بيار دولوني والمجري غوستاف شيبيش والإسباني أوغوستين بوغول باقتراح يقضي بنظام خروج المغلوب من مباراة واحدة وليس بنظام الذهاب والإياب، فصوت 14 اتحادا في مصلحة هذا الاقتراح وهي تشيكوسلوفاكيا وفرنسا والدنمارك وألمانيا الشرقية واليونان والمجر ولوكسمبورغ وبولندا والبرتغال رومانيا والاتحاد السوفياتي وإسبانيا وتركيا ويوغوسلافيا، وعارضته سبعة اتحادات هي بلجيكا وفنلندا وهولندا وإيطاليا والنريوج وسويسرا وألمانيا الغربية، وبعد أن حصل على أكثرية الأصوات البطولة قرر الاتحاد الأوروبي إقامة البطولة مرة كل أربع سنوات على أن تنطلق بين عامي 1958 و1960.
أبرز المنتخبات لم تشارك في الدورة الأولى
على عكس التوقعات لم تلق النسخة الأولى من بطولة أمم أوروبا الاهتمام المتوقع من معظم دول القارة، حيث لم تشارك العديد من المنتخبات العريقة في هذه المنافسة على غرار إنجلترا وإيطاليا بالإضافة الى ألمانيا الغربية، بحجة أن هذه المنتخبات لم تعتقد أن هذه البطولة ذات أهمية كبيرة أو قادرة على النجاح وهو الأمر الذي جعل هذه الدول تعتذر عن المشاركة.
البداية كانت بالأدوار التمهيدية التي انطلقت سنة 1958
قرر الاتحاد الأوروبي تنظيم البطولة والتي أقيمت بنظام خروج المغلوب عبر مباريات ذهاب وعودة من خلال إقامة الدور التمهيدي ودور ال 16 والدور ربع النهائي والتي جرت ابتداء من سنة 1958 قبل سنتين من إقامة أول دورة لكأس أمم أوروبا.
الاتحاد السوفياتي كان أول المتأهلين إلى ربع النهائي
كانت انطلاقة التصفيات في 28 سبتمبر عام 1958 بمباراة جمعت بين الاتحاد السوفياتي والمجر في ذهاب دور الستة عشر على ملعب لينين المركزي (لوجنيكي حاليا) في موسكو وانتهت المباراة لصالح أصحاب الأرض بنتيجة (3-1) لتجرى بعدها مباراة العودة والتي أقيمت بعد عام كامل في العاصمة المجرية بودابست والتي أنهاها السوفييت لصالحهم مرة أخرى بهدف دون مقابل ليكونوا أول المتأهلين إلى دور الثمانية.
فرنسا تتأهل على حساب اليونان، ورومانيا على حساب تركيا
لحقت كل من فرنسا ورومانيا بركب المتأهلين إلى الدور ربع النهائي بعد أن تمكن المنتخب الفرنسي من تحقيق فوز تاريخي وصل إلى سبعة أهداف لهدف في لقاء الذهاب ليكتفي المنتخبان بالتعادل الإيجابي في لقاء العودة، بالمقابل نجح المنتخب الروماني في تحقيق التأهل على حساب تركيا بعد أن انتهى مجموع اللقاءين لصالح رومانيا بنتيجة ثلاثة مقابل اثنين.
يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا آخر المتأهلين إلى ربع النهائي
بعد ضمان كل من البرتغال والنمسا بالإضافة إلى إسبانيا كان منتخبا يوغسلافيا و تشيكوسلوفاكيا آخر المتأهلين بعد أن حققا الانتصار على حساب كل من بلغاريا و الدنمارك على التوالي ليصبح عدد المنتخبات الذي وصل إلى ثمانية وهي من ستنشط الدور ربع النهائي.
إسبانيا تنسحب من نصف النهائي لأسباب سياسية
تأخر انطلاق الدور ربع النهائي في أواخر سنة 1959 وكانت المفاجأة انسحاب المنتخب الإسباني الذي كان من أقوى المنتخبات المرشحة لنيل اللقب الأوروبي خاصة في ظل تألق نادي ريال مدريد في المسابقات الأوروبية إلى أن الجنرال فرانكو حاكم إسبانيا رفض السماح لمنتخب بلاده بالسفر إلى موسكو لأسباب سياسية، وهو الأمر الذي صب في مصلحة السوفيات الذين ظفروا بتأشيرة التأهل إلى النهائيات بدون أن يضطروا للعب دقيقة واحدة في هذا الدور.
فرنسا ثاني المتأهلين للنهائي بعد فوزها على النمسا
تمكنت فرنسا من التأهل إلى النهائيات بعد تمكنها من الظفر تأشيرة التأهل على حساب منتخب النمسا بعد فوزها في المباراتين في كل من باريس وكذلك في بودابست العاصمة النمساوية ليكون بذلك المنتخب الفرنسي ثاني المتأهلين بعد الاتحاد السوفياتي.
يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا تكملان عقد المتأهلين إلى النهائيات
في بقية مباريات ربع النهائي تمكنت يوغسلافيا من تحقيق التأهل بعد فوزها على حساب المنتخب البرتغالي الذي ذهب ضحية قوة المنتخب اليوغسلافي ،من جهة ثانية لم يجد المنتخب التشيكوسلوفاكي أي صعوبة في تجاوز عقبة رومانيا ليكتمل عقد الفرق المشاركة والتي وصلت الى الأربعة في أول نهائيات أوروبية.
الاتحاد الأوروبي يختار فرنسا لتنظيم أول دورة سنة 1960
احتضنت فرنسا أول دورة رسمية لمسابقة كأس الأمم الأوروبية والتي جرت في سنة 1960، حيث شارك فيها نحو 17 فريقا بداية من الأدوار الأولى والتي اعتمد فيها نظام خروج المغلوب من مجموع مباراتي الذهاب والإياب والتي أفرزت عن 4 منتخبات ستدير مباريات نصف النهائي للفوز بأول دورة للأمم الأوروبية.
السوفيات يحققون التأهل بانتصار كبير على السلوفاك
وضعت القرعة منتخبا تشيكوسلوفاكيا بمواجهة الاتحاد السوفياتي في مباراة الأولى في الدور نصف النهائي وهي المباراة التي رشح فيها المنتخب اليوغسلافي بقوة للمرور، وكما كان متوقعا كان منتخب الاتحاد السوفياتي أول المتأهلين إلى المباراة النهائية بعد اكتساحه لظيره المنتخب السلوفاكي بثلاثية نظيفة في المباراة التي احتضنها ملعب فيلودروم بمدينة مرسيليا الفرنسية ليكون الاتحاد السوفياتي أول منتخب يظفر بتأشيرة الصعود للمباراة النهائية.
يوغسلافيا تحقق المفاجأة وتتأهل على حساب فرنسا لنصف النهائي
في مباراة أقل ما يقال عنها أنها كان مثيرة والتي احتضنها ملعب حديقة الأمراء بالعاصمة الفرنسية باريس حقق المنتخب اليوغسلافي مفاجأة من العيار الثقيل بعد أن تمكن من خطف تأشيرة التأهل لنصف النهائي من البلد المنظم بعدما فاز عليه بنتيجة خمسة أهداف لأربعة ليلتحق المنتخب اليوغسلافي بالاتحاد السوفياتي إلى المباراة النهائية على حساب فرنسا التي تأثرت كثيرا بغياب نجميها غوست فونتين ورايموند كوبا بسبب الإصابة لتضيع بذلك كل آمال الفرنسيين في الصعود للمباراة النهائية.
تشيكوسلوفاكيا تحقق المرتبة الثالثة وفرنسا تكتفي بالرابعة
في المباراة الترتيبية بين المنتخبين والتي جرت في ال9 من جويلية حصل المنتخب السلوفاكي على المرتبة الثالثة بعد تحقيق انتصار بنتيجة هدفين لصفر على منتخب فرنسا الذي اكتفى بالمرتبة الرابعة لتكون هذه النتيجة أكثر من مخيبة لمنتخب الديوك الذي خرج من دون تحقيق أي انتصار بعد أن كان يأمل بإبقاء اللقب في بلده.
الاتحاد السوفياتي يتوّج بأول لقب لكأس الأمم الأوروبية
في المباراة النهائية التي جرت في 10 من جويلية سنة 1960 بين المنتخب السوفياتي ونظيره منتخب يوغسلافيا في مواجهة مثيرة احتضنها ملعب بارك دي برانس في العاصمة الفرنسية باريس وسط حضور قرابة 18000 متفرج والتي كانت بقيادة الحكم الإنجليزي إيليس الذي كان له شرف إدارة أول مباراة نهائية في مسابقة كأس أمم الأوروبية الذي عاد لقبها الأول لصالح رفقاء الحارس ليف ياشين بعد انتهاء المواجهة بفوز الاتحاد السوفياتي بهدفين لهدف في مباراة امتدت لغاية الوقت الإضافي ،هذا وكانت يوغسلافيا هي السباقة للتهديف عن طريق جاليك الذي افتتح النتيجة لصالح منتخبه في الدقيقة ال41 إلا أن ردة الفعل السوفياتي كانت قوية بعد أن تمكنوا من تعديل الكفة بعد مرور أربع دقائق من بداية الشوط الثاني عن طريق متريفيلي ليقضي بعدها بونديلينك على أحلام يوغسلافيا ويمنح الاتحاد السوفياتي اللقب الأول لكأس أمم أوروبا بعد أن أضاف هدفا قاتلا في الدقيقة 113.
5 أسماء توّجت بلقب الهداف
على صعيد لقب الهداف شهدت البطولة منافسة شرسة بين نجوم الفرق المشاركة إلا أن لقب الهداف أعلن عن فوز خمسة لاعبين بعد أن تمكنوا من إحراز هدفين وتضمنت هذه القائمة كلا من الفرنسي هيويت بالإضافة إلى مهاجمي الاتحاد السوفياتي إيفانوف وبيندولينك وكذلك كل من جاليك وجيركوفيتش من منتخب يوغسلافيا.
الفرنسي فونتان يتوّج بهداف التصفيات
رغم أنه كان الغائب الأكبر عن النهائيات التي احتضنتها فرنسا نظرا لتعرضه لإصابة خطيرة أبعدته عن صفوف المنتخب الفرنسي إلا أن النجم فونتين كان قد توج بلقب هداف التصفيات بعد تمكنه من إمضاء ستة أهداف كاملة كان لها الدور الكبير في تأهل المنتخب الفرنسي إلى الأدوار النهائية.
..وليف ياشين يتوج أحسن لاعب في البطولة
توج عملاق الحراسة السوفياتي ليف ياشين كأحسن لاعب في دورة كأس أمم أوروبا التي احتضنتها فرنسا ،حيث كان لياشين دورا بارزا في تتويج منتخبه باللقب الأول للمسابقة ناهيك عن براعته الكبيرة خصوصا في المباراة النهائية ضد المنتخب اليوغسلافي وهو الأمر الذي جعله يختار كرجل البطولة و يكون أحد أحسن الحراس عبر التاريخ.
دورة 1960 حققت نجاحا كبيرا رغم عزوف أعرق المنتخبات عن المشاركة
حققت دورة فرنسا نجاحا كبيرا، حيث كانت بداية مثالية لمسابقة كأس الأمم الأوروبية التي عزفت عن المشاركة فيها أعرق البلدان نظرا لأسباب متعددة إلا أن الصدى الكبير التي أحدثته دورة فرنسا جعل العديد من المنتخبات تسارع للمشاركة في الدورة القادمة التي شهدت ارتفاعا كبيرا لعدد البلدان المشاركة وهو الأمر الذي يعود بالفضل للنهائيات التي أقيمت في فرنسا باعتبارها هي التي أعطت بعدا آخر لمثل هذه المنافسة التي أصبحت من أفضل المسابقات على الصعيد الأوروبي وتلقى مشاهدة كبيرة من طرف كل عشاق المستديرة عبر كل الأقطار العالمية .