تشهد المفاوضات الجارية بين الحكومة المالية والحركات السياسية المسلحة، والتي تتواصل إلى غاية 26 جويلية الجاري بإقامة الميثاق بالجزائر العاصمة منحى إيجابيا، حيث أشارت مصادر ل"المساء" إلى تسجيل تقدم في دراسة النقاط المدرجة لا سيما ما تعلق منها باحترام الوحدة الترابية لمالي، وسيادته والطابع الجمهوري للبلد. وفي انتظار أن تتوج المفاوضات الجارية حاليا في جلسات مغلقة ب«إعلان" من شأنه أن يتضمن الخطوط العريضة لما سيتم الاتفاق عليه بين الجانبين، فقد أعربت مصادرنا عن أملها في أن يشهد مسار المفاوضات خلال الأيام القادمة نتائج إيجابية بعد أن أبدت الأطراف المالية استعدادها للحوار وطرح مختلف المسائل العالقة بين الجانبين على الطاولة بعيدا عن لغة السلاح. وأشارت المصادر إلى أن مسألة الوحدة الترابية لم تعد عائقا أمام هذه المفاوضات، في حين تبقى فقط دراسة بعض النقاط كما هو الشأن لمناقشة بعض مسائل المصالحة الوطنية وكيفية تجسيدها، لا سيما ما تعلق منها بإجراءات العفو عن المتورطين في الأحداث التي عرفها شمال مالي والإفراج عن المساجين. وتراهن المصادر على أن تكون المفاوضات التي تحتضنها الجزائر نقطة انطلاق حقيقية للأطراف المالية التي ستواصل وضع اللمسات الأخيرة لبعض الجوانب التقنية خلال اللقاءات القادمة بمالي بين الحكومة والفصائل، والتي ستتركز أساسا على البت في المرحلة العملية لتجسيد ما تم الاتفاق عليه في الجزائر. وكانت أطراف الأزمة قد أجمعت عند انطلاق المرحلة الأولية للحوار الشامل، يوم الأربعاء، بفندق الأوراسي، على ضرورة وضع حل شامل ودائم، وهي الرؤية التي تقاسمها أيضا وزراء دول جوار مالي بحضور منظمات دولية وإقليمية، والمتمثلة في منظمة الأممالمتحدة، الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي، منظمة التعاون الإسلامي ولأول مرة المجموعة الاقتصادية لتنمية دول غرب إفريقيا. وأمام المؤشرات الإيجابية التي تسجلها المفاوضات بين الأطراف المالية، فإن المتتبعين يراهنون على أن اجتماع الجزائر الذي يعد استمرارا للقاء الجزائر في جوان الماضي، من شأنه أن يؤسس لخارطة طريق لحل الأزمة المالية سياسيا ودبلوماسيا وتجنب الحلول العسكرية التي أثبتت فشلها. كما أن ما ينبئ بنجاح هذا الاجتماع هو الحضور النوعي للمشاركين الذين تميزت كلماتهم بالكثير من التفاؤل، لدرجة تضمنت مداخلاتهم مسألة إعمار مالي واستعداد كافة المنظمات للمساهمة في ذلك، في سياق يعكس أن الحديث سينتقل عما قريب إلى مرحلة البناء بعيدا عن الحرب والدمار. وبهذا تكون الجزائر قد حققت إنجازا كبيرا كونها نجحت في التقريب بين وجهات نظر أطراف الصراع في سياق البحث عن أنجع الحلول وضمان ديمومتها، في وقت كانت فيه الحركات السياسية المسلحة المالية ترفض التفاوض مع الحكومة المركزية، متشبثة بالمطالب الخاصة بالانفصال أو الحكم الذاتي. وقد لعبت الجزائر دورا كبيرا في إقناع هذه الحركات للجلوس إلى طاولة المفاوضات، في وقت أكدت أنها لن تقبل الاجتماع خارج حدودها باستثناء الجزائر، وهو ما تم بالفعل شهر جوان الماضي، حيث تم التوقيع على أرضية تمهيدية من قبل ثلاث مجموعات ناشطة في شمال مالي، وهي "الحركة العربية للأزواد"، "التنسيقية من أجل شعب الأزواد"، و«تنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة". وأكدت الحركات الثلاث على الاحترام التام للوحدة الترابية والوحدة الوطنية لهذا البلد. كما وقّعت ثلاث حركات أخرى وهي "الحركة الوطنية لتحرير الأزاود"، و«المجلس الأعلى لتوحيد الأزاود" و«الحركة العربية للأزاود" على "إعلان الجزائر"، مؤكدة من خلاله إرادتها في العمل على "تعزيز دينامكية التهدئة الجارية ومباشرة الحوار الشامل بين الماليين". وبهذا تكون المقاربة السياسية الشاملة للجزائر قد حققت ما كان مرجوا منها، كونها أخذت في الحسبان المتطلبات الجيو استراتيجية لهذه المنطقة الحساسة رغم محاولات التشويش عليها من قبل بعض دول الجوار لدوافع قد تكون لها علاقة بالزعاماتية، أو بمحاولات استغلال ورقة الأزمة المالية لتمرير أطروحات ضيّقة، كما كان الشأن مع المغرب الذي حاول أن يحشر نفسه في ملف لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد. وما كان للجزائر أن تتدخل في الشأن المالي لولا مطالبة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، شهر جانفي الماضي، خلال زيارته إلى بلادنا، بالإشراف على الملف بعد أن شهد الوضع في هذا البلد جمودا في العملية السياسية وفي ظل تنامي نشاط الحركات المسلحة التي توغلت في مناطق كبيرة من مالي. ويأتي ذلك في ظل ضعف القدرات العسكرية للجيش المالي وهشاشة المؤسسات الدستورية الأخرى. وبهذا يخطئ من يصف الدور الجزائري في حل الأزمة ب«المبادرة" كون إشراف بلادنا على الملف جاء بناء على طلب مالي محض، لم تتردد الجزائر في تلبيته من خلال القيام بمساع كبيرة في إطار استكمال جهود "الايكواس" التي نجحت في تنظيم الانتخابات الرئاسية وفق اتفاق واغادوغو، غير أن دور هذه الأخيرة لم يتعد هذه المرحلة في ظل تواصل أعمال العنف في شمال مالي، حيث لم تشهد الساحة المالية تقدما في مجال استتباب الأمن مما وضع الحكومة المالية في مأزق كبير. ولم تعارض الجزائر منذ بداية الأزمة المالية سنة 2012، كل مبادرة من شأنها حل الأزمة كما لم تحاول أيضا التدخل في الشؤون الداخلية بهذا البلد، فرغم معارضتها للحل العسكري الفرنسي إلا أنها احترمت رغبة الحكومة المالية في ذلك، ولم تعترض أيضا على جهود "الايكواس"، حيث كثيرا ما رحبت بالتوصل إلى حلول من شأنها حقن الدماء بين أبناء مالي. وقد أخذت الجولة الإفريقية التي قام بها وزير الشؤون الخارجية، السيد رمطان لعمامرة، وهي مالي، بوركينافاسو وغانا، حيزا من انشغال الجزائر بخصوص التسريع في إيجاد حل لهذه الأزمة وتحسيس كافة الشركاء بضرورة المساهمة في تفعيل المساعي، وهو ما عكسه اجتماع الجزائر الذي شاركت فيه لأول مرة المجموعة الاقتصادية لتنمية دول غرب إفريقيا "الايكواس" التي أشادت بمسعى الجزائر في إيجاد حل نهائي وشامل للأزمة، وفي ظل تمسك الأطراف المالية بأن الحوار المالي الشامل يعد السبيل الوحيد للمضي قدما بالملف.