عطّر بالي فرقة كركلا أجواء ثاموڤادي، في أمسية لم تكن كباقي السهرات التي تشهدها الطبعة ال36 للمهرجان التي ستختتم سهرة الليلة (السبت)، فلم يكن تواجدها للاستعراض، بل حملت استعراضاتها رسالة سلام وحب وتواصل إلى كل من يحب السلام. ودعوة صريحة لإيقاظ الضمير العربي وتكثيف فرص التضامن لنصرة غزة الجريحة. سهرة استحضر فيها جمهور تيمڤاد ذكريات لبنان الجميلة، التي يتقاسم فيها الفن ويعشش فيه لونا وكمية بدعائم قائمة ترسم التواجد العربي سحر الطبيعة الذي ترسمه شجرة الأرز التي تحاكي جبال الدروز، نفحات الفن برجع صدى من جبال شلعلع الأوراسية، من هذا الإحساس التعبيري الذي ترجمه العرض على مدار ساعة ونصف من الزمن كانت مشاهدها تمزج بين التراث الجزائريواللبناني. قال في شأنه رئيس فرقة البالي عبد الحليم كركلا، هو مزج للرؤية وتحية صادقة لموقف الجزائر التاريخي حيال ما يجري بغزة. ووقّع بالي كركلا في سهرة استحضر فيها الفلكلور اللبناني، ومزجت بين الأصالة والتحديث فوق ركح المسرح الجديد بتيمڤاد الذي جعلها تعيش شاعرية تستنبط حركات رقصاتها من سحر الوقع الأثري الذي كان رجعا لصدى عرضها. وطيلة الساعة والنصف تقريبا، قدم أعضاء الفرقة من فنانين وراقصين وجنود الذين توالوا على مسرح تيمڤاد لوحات فنية سردت تاريخ الجزائر طيلة قرن من الزمن، وتضحياته الكبيرة، وإنجازات الجزائر في خمسين سنة من الاستقلال، وأشادت بمواقفها الثابتة حول القضايا العربية. ولقد اعتمدت الفرقة في مشاهد العرض على التناغم بين الكلمات والحركات الراقصة، من أجل جذب الأنظار إلى التراث المشترك بين الشعبين اللبنانيوالجزائري، وقدمت لذلك أنماطا كثيرة ومتنوعة من الحركات الإيقاعية المتوازية بين طرفين من النزاع على الخشبة التي استحضرت التراث الجزائري بإبداع، عندما خاضت في لحن التراث الجزائري، واستحضرت روائع من الشعبي والغناء الشاوي والسطايفي والعاصمي. وهي مجازفة فنية قال عنها رئيس فرقة البالي الذي وفّق في مزجه التراث أنه جمع للتراث ومزيج حضاري يضفي للعرض حركية في لمسة فنية تمجّد الجزائر، تثمينا لدورها في بعث الآمل. وكانت فعلا تجربة افتراقية في طريق "كركلا" لأن عرضها هذا مزج بين أسلوبها الخاص الذي تميزت به مع أساليب الفرق الأخرى لتمثل فكرة التمازج الحضاري في الجزائر. مضيفا أن العمل أنجز باحترافية كبيرة اعتمادا على النوع الذي يزخر به التراث الجزائري، واصفا إياه بالمدرسة التي لا تزول. فالمعادلة كانت ممتعة ومسلّية، كما أنها أعطت دفعة معنوية لفكرة الوحدة العربية التي تحتاجها البلدان العربية على ما يبدو ليلتحم وجدانها وهويتها خصوصا في ظل الوضع الراهن بغزة، التي شغلت الحيز الكبير في هذه الطبعة التي تضامن فيها كل الفنانين الذين تداولوا على ركح المسرح الجديد في تيمڤاد. ولقد صمّم الفنان اللبناني عبد الحليم كركلا، العرض الكوريغرافي الراقص بمشاركة أزيد من 30 فنانا من ممثلين وراقصين ومغنين بامتياز، والمسرحية على صعيد تطبيق هذا المضمون الحكائي فنيا وأداء تألقت واستطاعت أن تأخذ من التراث ما يمكن أن يسهم في تثوير ما هو أساسي في التكوين الإنساني وفي خامته الأولى باعتماد نص بأسلوب الجذب لكل ما هو مدهش من تعبير عفوي وإمكانيات التعبير فيه، فضلا عن النص الإخراجي المتميز الذي اقتاد النص بمجمله ناحية الأداء الغنائي والحركة الراقصة ليشكلا المساحة الضرورية للمشهد، والمضخ الأساسي للعرض، بينما اكتفى النص الحكائي والنسيج الحدثي للنص بالإيماء التصويري للرقص والغناء. ولهذا ظل يتسم الحوار داخل النص المسرحي بالعفوية التعبيرية ذات العمق الخاص المتصل بالوحدة العربية. مما أدى إلى تسليم الجمهور بالموضوع وعدم التركيز على تفصيلات التواتر والتصعيد الدرامي. أما على صعيد الأغاني فقد ساهم التنوع الإبداعي في تلحين الأغاني، ومزج التراث الجزائري الذي أبدعت فيه الفرقة التي أدهشت الجمهور الذي لم يعرف الملل طيلة العرض.