ينتشر فن المصمّم في يومياتنا العادية المليئة بالأشياء والأفكار التي أعطت للبعض القدرة على الإبداع والظهور وجلبت إليها الجمهور الذي لا يعرف الكثير عن هذا الفن، وعشرون فنانا يجمعهم هذا المعرض ليقدّم كلّ ما هو غير مألوف بلمسة إبداعية راقية. لأوّل مرة يستقبل المتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر معرضا عن فن المصمّم غير الدارج في المشهد الفني الجزائري وبالتالي كان من اللازم أن يرفع الستار عنه وعن مبدعيه الذين أثبتوا إمكانياتهم في الساحة الوطنية والدولية ونالوا بذلك أرفع الجوائز. ومن جهة أخرى، أصبح هذا الفن يتصدّر عالم الإبداع ليكون مرادفا للجمال والابتكار، ناهيك عن أنّه أدخل هذا التخصّص في عالم التسويق وحقّق التواجد والإقبال والربح. كان التصميم فيما مضى مرتبطا بمجال التصنيع وفي الغالب كان ذلك بأشياء متباينة، بينما أصبح اليوم أداة إستراتيجية محركة للإبداع والاستهلاك، وتولّد هذا الفن من عمق الحياة اليومية العادية عبر الملاحظة والتأمّل وكذا مراعاة لما يتطلّبه التسوّق، هكذا نشأت نماذج تتماشى وما ينتجه الفنان القادر على التجسيد السريع للفكرة وللنموذج عن طريق التصميم الذي يعكس التخيّلات والإبداع ليكون مقروءا وملموسا. لم يعد الفن اليوم مقصورا على فن المتاحف أو الفن المعاصر وفن التحف التقليدية ذلك أنّ الفن تغيّر وبالتالي أصبح التصميم أكثر رواجا، لأنّه أصبح ببساطة ظاهرة اجتماعية، علما أنّه لم تعد الأشياء وحدها التي تصمّم، بل هناك أيضا المحيط والمناظر والأماكن العامة والنقل الجماعي والمراكز التجارية وبالتالي أصبح التصميم فنا قائما بذاته وأصبح مصمّموها مشاهير، وهكذا يرى المختصون أنّ الفنون الجميلة فقدت جزءا كبيرا من هيمنتها لصالح ما كان يسمى "الفنون القاصرة". هذا المعرض يعكس مدى براعة وصبر الفنانين الذين جسّدوا أعمالهم في ظرف قياسي وتماشيا والإمكانيات التي توفّرت لهم، وهو دليل قاطع على قدرة التكيّف مع كلّ الأوضاع والإصرار على البحث وإيجاد الحلول من خلال هذا الفن المعقد لجميع المشكلات بمستوى عال من الخبرة والموهبة المتدفقة. يشارك في المعرض الذي تدوم فعالياته إلى غاية 30 ديسمبر الجاري، عشرون فنانا تخلى معظمهم في هذا المقام عن النظريات الأكاديمية محدودة الأفق، مكتفين بتجاربهم وتصوّراتهم وبخصوصياتهم، علما أنّ بعضهم جاء من بوركينافاسو، المغرب، جنوب إفريقيا وفرنسا. كما يشارك في هذه الفعالية حرفيون بسطاء يعرضون عبقرية أناملهم الذهبية، إضافة إلى بعض المواهب الشابة قصد توظيفها وإعطائها فرصة الظهور والاحتكاك. من جهة أخرى، يفرض هذا المعرض قناعة مفادها "أنّ الجميل يمكنه أن يخدم المفيد والعكس صحيح". من الأسماء المشاركة، نجد الفنان المتميز والمتمرس في هذا المجال والذي يحضر أيضا كمكون وهو المصمم البيئي، شريف مجبر خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر والمدرسة العليا لفنون الديكور بباريس، الذي حقّق قطعا مبهرة منذ الثمانينيات بورشته بالعاصمة الفرنسية وسرعان ما انتقلت إلى أماكن فنية راقية هناك، حاز هذا الفنان على جوائز وتكريمات وأعماله معروضة في عواصم العالم، ويقدّم مجبر في هذا المعرض تصاميم ذات تناغم متعلقة بقطع أريكة، إضافة إلى المقاعد الصغيرة بحجم مساحة صغيرة مع مراعاة الراحة. ورغم عالميته، ظلّ هذا الفنان وفيا لذكريات وطنه التي يترجمها من خلال إبداعاته خاصة في المقاعد، كما أنّه يستعمل الزجاج ثم الجلد متحديا في تقنياته كلّ صعب لأنّه يرى في ذلك منتهى النبل والحداثة. تصدرت المعرض أيضا أعمال الفنان بلكبير أمين هذا المبدع الشغوف بالتفاصيل ومدى التنسيق بينها علما أنّه خريج مدرسة الفنون الجميلة تخصص تخطيط وتصميم، وأولى اهتماما خاصا بالتصميم الوظيفي والإنتاج الحرفي، ظلّ عمله يهدف لترقية الأداء الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية من خلال أثاث أنيق وبسيط بمواد خام متاحة، وقدّم الفنان مشروعه المستوحى من الأثاث الإفريقي مع إعادة النظر في هيأة الجلوس والتي تمثّلها "القعدات الجزائرية" وكذا إعادة النظر في طاولة القهوة "المايدة" لجعلها تتماشى ويوميات الجزائريين العصرية، ومن الوسائل التي يستعملها الفنان الخشب الصلب وصفيحة فولاذ مصقول مقاوم للصدأ ونظام رابط وغيرها من المواد والوسائل. غير بعيد يعرض الفنان محمد سيكو واتارا من بوركينافاسو المتمكّن في التصوّر والانجاز ويميل هذا الفنان أكثر للفنون المطبعية تخصّص إفريقي ونال وسام الاستحقاق في الفنون والآداب والاتصال ببلاده، وحضر أيضا الفنان الخبير الفرنسي إيف ميشو المولود سنة 1944 وهو حاصل على دكتوراه في الآداب وديبلوم الفلسفة درس بجامعات فرنسا، تونس ومارس النقد الأدبي، ثم أصبح مديرا لمدرسة الفنون الجميلة بباريس إلى غاية سنة 1996، واقترح الخوض في معنى التغيّرات بالنسبة لفن التصميم واقترح بعض الشروحات المجسّدة التي تعلن نهضة الفنون المعاصرة التي أصبحت تتجاوز الفن التشكيلي الكلاسيكي. قدّم الفنان مسعود إيدير المهتم بالتراث والديكور والصنعة إنجازه المجسّد في تصميم أثاث مكتب يجمع العديد من الوظائف وهذه التعددية الوظيفية والجمالية المكرّرة ستحاول الاستجابة بقدر المستطاع لمتطلبات الفرد اليوم باستعمال هذا الأثاث في مكان عمله أو في بيته والرسم والجمالية الخاصة بهذه القطعة مستوحى من الثقافة الإفريقية البربرية منها التخطيط والمجوهرات والجرافيك والنسيج، ويمتلك هذا المكتب وظائف عدة مجتمعة، وهي سطح عمل ودرج للتخزين وإنارة بتموضعات مختلفة وزوايا مخصّصة للكتب والملفات لوضع القلم وأمور أخرى ومكان لوضع الكتاب وتركه على آخر صفحة قرأت ووظائف أخرى، واستعمل هذا الفنان سلكا كهربائيا دائريا أحمرا وكاشفا ضوئيا وخشبا أحمرا وغيرها من الوسائل. عرض أوليفيي بيرجورون مقاربات تجمع بين التصميم الرقمي والإبداعات التفاعلية الحسية، وهي مهمة لمسائل التسويق وحركيتها وتربط بين التسويق والإعلام المشترك لتحسين الشعور بالراحة والاستقبال ولحركة السير والتسيير على المدى البعيد خاصة بالنسبة للإعلام المتنوع المتداخل والمدمج في التخطيط المعماري. من الأسماء المهمة التي شاركت في المعرض، نجد الفنان المغربي لحلو هشام، وهو رائد حركة التصميم في بلده بل في الوطن العربي وإفريقيا وسطع اسمه في الساحة العالمية خاصة عندما وقّع أكبر البصمات في التصميم العالمي ولمجموعة علامات تجارية مرموقة على الصعيد الدولي، كما قام بتطوير سلسلة أثاث حضري لكبريات المدن المغربية، ويشارك في عدة مشاريع فندقية ومواقع معمارية وفي التصميم الاستراتيجي، وقد قدم في هذا المعرض "بوليستر أفريكا أوروبا" و«الأندلس" مرسومة على السيراميك. وقدّم سمير حميان تقنية المزج بين السيراميك والمصابيح من خلال أواني تقليدية تنصب في غطائها المصابيح النيرة. أما راضية زيتوني، فترتكز على اللون والشكل وتجتهد لتوفير المساحات والاستفادة منها لتكون يومياتنا أكثر عملية وفائدة وراحة أيضا. توالت العروض التي تشترك في الإبداع والحرفية كل في مجاله سواء في التصميم أوالتصور أوالتجسيد أو في الرقمنة أوالرسم على الورق (تقنية ورق الحائط مثلا) وفي النحت وطلاء الخشب والتركيب وغيرها من التقنيات المبتكرة التي لم تتعودها عين الجزائري العادي.