حرفية تخطّت مستوى الإبداع بكثير، لتصل مرحلة الابتكار والتسويق في مجال الزخرفة على الزجاج، خريجة معهد الفنون الجميلة، تتلمذت على يد كبار الفنانين في مجال الزخرفة والمنمنمات، وعلى رأسهم الأستاذ عبد الرحمان ساحولي والأستاذ بن كحلة، شاركت في الكثير من المعارض الوطنية والدولية، واستضافت إبداعاتها عدة سفارات بالجزائر، منها السفارة الفرنسية والسفارة الأمريكية. حاليا، هي أستاذة بمدرسة الصم البكم بتليملي، تلقّن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة فنونا كثيرة مجتمعة عن مشوارها المهني في عالم الفن والزخرفة. وعن حياتها اليومية كأم ومعلمة، وعن آمالها وطموحاتها، أفضت لنا المبدعة نادية توزان من خلال هذا الحوار الذي خصت به «المساء»: متى كانت البداية بالنسبة لنادية توزان؟ كان ذلك منذ الابتدائي، حيث أحسست بقدرة إبداعية كبيرة بداخلي، كبرت معي بعد ما تخطيت المرحلة المتوسطة لتدفعني لترك الثانوية والالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة أين تعلّمت تقنية رسم المنمنمات على يد الأستاذ بن كحلة وفن استعمال الألوان الزيتية والمائية على يد الأستاذ عبد الرحمان ساحولي ما كان يميّزني وقتها هو عشقي وتفنني في رسم الزهور لدرجة أن لقّبت براسمة الزهور..
متى كانت انطلاقتك الفعلية كفنانة مبدعة في مجال الرسم على الزجاج؟ بعد التخرّج، جاءت الانطلاقة سنة 1985، إذ بدأت بالرسم على الحرير، ثم كان علي اختيار مجال للانطلاق إمّا السيراميك أو الرسم على الزجاج، وهو الفن الذي لم يكن منتشرا وقتها بكثرة، حيث كانت تُجهل تقنيته، فاخترت الزجاج بدل السيراميك، والحمد لله نجحت فيه...
هذا يعني أنّك كوّنت نفسك بنفسك في هذا المجال المجهول وقتها؟ بالفعل، الأمر كذلك، ففي هذا المجال أنا عصامية، إذ تعلّمت بمفردي، حيث بدأت شيئا فشيئا حتى وصلت لما أنا عليه الآن. اليوم نجحت في إنجاز هذه الأطقم الجميلة التي يقدّم فيها العصير للضيوف، والتي يمكننا إهداؤها أيضا، وتكون بمثابة أفضل ذكرى تمنح للعروسين.
الرسم على الزجاج فن راقٍ، وممارسته تتطلّب قطعا شروطا، ما أهمّها؟ أن يكون المتجه في هذا المجال صبورا، رزينا وعاشقا لما يقوم به، متقنا للريشة، دقيقا في اتباع خطوات الرسم المجسّد فوق الكأس أو القارورة أو الطاقم ككلّ...
ما هي آخر إبداعاتك في مجال الزخرفة على الزجاج؟ أدخلت الخط والمنمنمات على الزجاج، ورسم الطبيعة الميتة، إلى جانب بعض الأماكن العريقة كالقصبة، وهي بصمتي الخاصة وتقنيتي المبتكرة التي لم يسبقني إليها أحد...
هل سبق وأن عرضت هذه التحف خارج الوطن؟ نعم، قمت بذلك داخل الوطن في المعرض الدولي للصناعات التقليدية وبعض التظاهرات الوطنية التي تقوم بها غرفة الحرفيين، كما سبق أن دعتنا السفارتان الفرنسية والأمريكية هنا في الجزائر لعرض أعمالنا، وكان النجاح كبيرا جدا، حتى أنّنا كُرّمنا من طرف السفارتين، لكن خارج الوطن للأسف لا، أقول للأسف، لأنّ الدول الأجنبية تقصدنا لتروّج بصناعاتها هنا في الجزائر، أما نحن، فلا نقوم بذلك؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا ننتقل إلى خارج بلادنا لنحتك بفنانين أجانب، ويرى العالم أعمالنا ونسوق منجزاتنا بدورنا هناك خارج حدود الوطن؟
على ذكر التسويق نحو الخارج، ماذا عن التسويق داخل الوطن؟ التحفة عندما تكون مصنوعة بحرفية عالية تسوق نفسها بنفسها، وهذا ما يحدث فعلا، فهناك زبائن يقدّرون العمل المتقن ويشترون المنجز بأيّ ثمن.
أنت أيضا، كأستاذة، اخترت فئة ذوي الاحتياجات الخاصة لتعليمهم حرفا عديدة، حدثينا عن تجربتك مع هذه الشريحة؟
تعليم الطفل المعاق في البداية شاق نوعا ما، لكن سرعان ما يندمج ويتأقلم ويحب العمل. لديّ أطفال يبلغون من العمر 8 سنوات إلى 20 سنة، يتجاوبون بسرعة ويبدعون بطريقة ملفتة للنظر، مواهب كثيرة متواجدة بين فئة لطالما همّشت، ولا تعطى لها العناية الكافية، وأنا شخصيا أسخّر تقريبا كل وقتي لتلاميذي، لأنني أتوسّم فيهم القدرة على الخلق والإبداع، وهذا ما يُلاحَظ أثناء المعارض التي تقيمها المدرسة ويثبت أنّ جهودي لم تضع سدى ..
كيف تمكنت من إدماج الطفل المعاق حركيا(من يديه) في مثل هذه النشاطات الفنية التي تتطلّب الاعتماد على اليدين؟ لقد كلّفت هذه الفئة العملَ بالعجينة الكيميائية، وقد لا تصدقين ما حدث؟ لقد استطاع العديد من الأطفال الذين كانوا يواجهون صعوبة كبيرة في تحريك اليدين، من تحريكهما، واليوم يصنعون تحفا بفضلها، وهذا بالنسبة لي إنجاز كبير بالنسبة لهذه الفئة التي تحدّت الإعاقة وأصبحت بفضل الإرادة مبدعة....
عدا كونك معلمة، فأنت زوجة وأم، ماذا عن الأسرة؟ بالفعل، أنا زوجة لرجل متفهّم جدّا، يساعدني كثيرا ويشجعني دائما ويرفع من معنوياتي، وصراحة، أدين له بالكثير، كما أنني أم لشاب وشابة أفتخر بهما وبتربيتهما.
ما هي آمالك وطموحاتك في مجال الإبداع؟ آمالي وطموحاتي هي بقدر إمكانياتي غير المحدودة في مجال الإبداع، فبعد الرسم على الحرير، فن الزخرفة، المنمنمات، الرسم على الزجاج وفن العجينة الكيميائية، ها أنا أدخل عالم السيراميك الذي بدأت أبدع فيه، ولازال لطريق الخلق منافذ أخرى أريد اقتحامها لأكون فنانة شاملة ومعطاءة..