يربط الأستاذ عبد الرزاق دوراري، ثمازيغت بالهوية الجزائرية المبنية أصلا على ركيزة تاريخية وأنثروبولوجية ضاربة في القدم، فالكيان الجزائري -حسبما أكّده ضيف "منتدى المساء"- يعود للعصر الحجري الأوّل أي قبل مليوني سنة خلت استمر فيها التواصل الترابي والإنساني في هذا الحيز من الأرض الذي لم يشهد حملات هجرة كبرى، ليبقى السكان الأصليون هم الأغلبية، مؤكّدا أنّ ثمازيغت ميراث تاريخي يحتاج للتأسيس والبعث بوسائل تنظيمية مبنية على الإجماع. يؤكّد الضيف أنّه لم يحدث تزاوج وتلاقح مع الوافدين من بيزنطيين ووندال ورومان سوى مع الفينيقيين وبعض الأتراك فيما بعد، وهنا يقول مثلا "لقد نشب خلاف بين سيفاكس وماسينيسا من أجل فتاة فينيقية "سفونيسب"، وكان القائد ماسينيسا قد تكوّن بقرطاج واحتك بالفنيقيين، كما أنّ المغرب الأوسط (الجزائر) موجود منذ 8 آلاف سنة قبل الميلاد، واستمر فيه التاريخ ولم تنقطع فيه الحياة. من جهة أخرى، يرى المتحدّث أنّ الفتوحات العربية في القرن الثامن الميلادي لم تكن في مجملها من أجل رسائل دينية، إذ لم تبتعد هي الأخرى عن فكرة الغزوات وجني الغنائم، كما أنّ الفتوحات الأولى التي انحصرت في سبيطلة بتونس الحالية تبعتها أخرى ب20 ألف جندي قصد "جمع الغنائم والظفر بالمزيد. علما أنّ العرب الفاتحين لم يستوطنوا بهذه المناطق وسرعان ما رحلوا لكنهم كانوا دوما يفرضون نوعا من الضرائب على سكان المناطق التي يغزونها، وهذا هو الطابع الاقتصادي لتلك الحقبة التاريخية عالميا. بعدها وفي السنة 1050 زحفت للجزائر وشمال إفريقيا عموما قبائل بنو هلال، وبنو سليم وبنو معقل قادمة من مصر وبلغ تعدادها 80 ألفا، لكن هذا العدد لم يؤثّر في تركيبة عدد السكان الأصليين الذي يمكن أن يقدّر حينها بسبعة ملايين نسمة، وتلك القبائل استوطنت بالشرق الجزائري، إلاّ أنّ الملاحظ في كلّ هذا التاريخ أنه لم تحدث قط حروب عرقية بين الأمازيغ والعرب خاصة مع بني هلال، وكان السكان من الزيريين والحماديين الأمازيغ يتعاملون معهم كأعداء حروب أحيانا أو كأصدقاء أحيانا أخرى بغض النظر عن الأعراق والأصول الوطنية. في هذا السياق التاريخي، تحدّث الضيف عن مناطق وحضارات أخرى سادت الجزائر في فترات متزامنة أو مختلفة، ومن بين ما ذكر عاصمة الرستميين تيهرت، التي أقامتها الإباضية والتي تعرّض معتنقوها للقتل والتهجير نحو مناطق أخرى من قبل الفاطميين حتى وصلوا إلى وادي ميزاب في القرن العاشر الميلادي، وهناك أيضا الهجرات الأندلسية ولم تغيّر هي الأخرى تركيبة السكان الأصليين لكنّها ساهمت في ثراء المشهد الثقافي والاجتماعي وتحضّره، وهنا أشار المتحدث إلى أنّه اعتمد دراسات تاريخية وكتب ومصادر منها مثلا كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير الجزري وابن أبي زرع. ونتيجة هذا الثراء حصل تعدّد لغوي في المجتمع مما أدى إلى تبنّي لغة معينة تختار لاشعوريا لتكون لغة مشتركة، ولغة التعاملات وغالبا ما كانت العربية الدارجة الجزائرية، وكان ذلك بالضبط في غضون القرن ال13 ميلادي، وهنا يذكر الأستاذ دوراري، أنه يوجد بالجزائر ما يقارب 17 تنوّعا لغويا وبالمغرب 3 وليبيا 2 في مجال ثمازيغث، أمّا بالنسبة للحضور الفرنسي بالجزائر فقد اعتبره الضيف استعمارا استيطانيا عنيفا، وبالتالي لم يكن له احتكاك أو حضور كثيف في النسيج الاجتماعي الأصلي. وأشار السيد دوراري، أيضا إلى بعض التراث الأمازيغي المكتوب بتمازيغت منه "العقيدة السنوسية" ببجاية، وقاموس الشيخ الحدّاد، بمنطقة صدّوق وكذا ترجمة عربية إلى الأمازيغية لفائدة الطلبة الوافدين من المناطق الناطقة بالعربية منها مثلا سيدي عيسى وبوسعادة.حال الثقافة واللغة الأمازيغية اليوم -يقول الضيف عنها- أنّها لا تزال في مرحلة التأسيس خاصة من الناحية العلمية والبيداغوجية، على الرغم من النفور الواضح من تجربة تدريس اللغة الاصطناعية التي كان الهدف منها أن تكون جامعة بين مختلف اللهجات الموجودة، ليستمر المسعى قصد التوصّل عبر بحوث ومخابر مختصة إلى صيغة أكثر التصاقا وتجسيدا للثروة اللغوية التي تحويها بالأساس اللغة الأم، والتي هي الأكثر أصالة وتداولا وبالتالي قبولا. بالنسبة للدعم المالي، أكّد المتحدث توفّره، فقد تصل ميزانية إقامة قاعدة معجمية سنويا إلى 400 مليون سنتيم، لكن حصة الباحثين والخبراء أنفسهم غير متوفرة مما يشجّع على التراجع، وقد يجعل المركز مجرّد واجهة علما –يضيف الضيف- أنّه ليس لدينا اليوم مراكز متخصّصة أو أكاديمية للعلوم، وهنا ذكر بعض التجارب التي تناولت التراث الأمازيغي بالمملكة المغربية وإسبانيا، كوريا الجنوبية، وروسيا التي قدّمت فيها الشابة جينيا قيطوفا (24 سنة) رسالة دكتوراه في الأمازيغية جمعت مادتها بمنطقة جبل نفوسة بليبيا ثم بتونس والجزائر والمغرب. وبخصوص المعيار اللغوي، اعتبره ضيف المنتدى محدودا في غياب أكاديمية مختصة تحل أيّة مشاكل بشكل عقلاني وفق طلب اجتماعي، أو شروط تطرحها الدولة أو أخرى تفرضها السوق اللغوية، موضّحا أنّ إدماج وترقية الأمازيغية يبقى مرهونا بمؤسّسات تعكس التنظيم السياسي والاجتماعي من أجل تغيير نمط التنظيم والسياسة الثقافية والتربوية واللغوية، كما يرتبط الأمر بكينونة الجزائري وقدرته على التعبير عن نفسه وهويته بحرية تامة، وهنا يشير المتحدث إلى أنّ الدولة الحديثة تعتمد على جانب المواطنة، أما الخصوصيات الأخرى فهي تساعد على استتبابها كعوامل تدخل في مكوّنات الهوية الوطنية، وكذا تبنّي عامل المواطنة والتعددية الثقافية والالتفاف حول السياسات الجامعة المبنية على الرموز الإدماجية الوطنية المقبولة من طرف الجميع، وأيضا بخلق نموذج ثقافي موحد وجامع من عمق تراثنا الوطني، وهو الأمر الذي يعزّز تفوّق السياسات الجامعة القادرة على إفشال القوى الطاردة المبنية على التطرّف والتي تؤدي إلى مزيد من التراجع. يعتقد الأستاذ عبد الرزاق دوراري، مدير المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لتعليم تمازيغت أنّه لاستمرار اللغة الأمازيغية، لابدّ من توفير مجموعة من الركائز، تتمثّل في إقامة أكاديمية للغة الأمازيغية مهمتها الأخذ بالاعتبار الطلب الاجتماعي وشروط الدولة وكذا شروط ما تحتاجه السوق اللغوية، موضّحا أنّ التعليم يجب أن يكون جذابا وأن تكون له وظيفة اجتماعية واقتصادية لكن ذلك لن يتأتى مع فشل المدرسة في لعب دور المصعد الاجتماعي. وقال "إن تقرأ أو لا تقرأ سيان"، فالمدرسة فقدت وظيفتها المحورية في المجتمع. وتابع "الأمازيغية إن لم تنفعني فلماذا أتعلّمها؟ والمدرسة إن لم تنفعني فلماذا أزاول دروسي فيها؟"، فالدافع العاطفي إزاء الهوية الأمازيغية مهم ولكنه غير كاف ويجب أن يتعزّز بالشعور بالافتخار والاعتراف بالذات الأمازيغية. وأكّد ضيف منتدى "المساء" أنّ مستوى تمثيل الأمازيغية في الدولة الجزائرية باهت، فمنذ وفاة إيدير آيت عمران الذي كان يشغل منصب محافظ سام للأمازيغية عام 2004، لم يتم تعيين محافظ آخر وهذا المنصب مهم يساوي منصب وزير، يعني مستوى التمثيل عال.."لماذا لم يتم تعيين محافظ سام للأمازيغية بعد 11 سنة على رحيل آيت عمران، في الوقت الذي تمّ تعيين عز الدين ميهوبي على رأس المجلس الأعلى للغة العربية بعد ثلاثة أشهر فقط من التحاق العربي ولد خليفة بالبرلمان".