التقى ممثلو 23 فصيلا ليبيا أمس، بالعاصمة الألمانية برلين، في اجتماع آخر برعاية أممية حضره لأول مرة مبعوثون عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بهدف الوقوف على ما تم التوصل إليه إلى حد الآن على طريق إنهاء الحرب الأهلية في هذا البلد. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتانماير، إن اللقاء الذي يدخل ضمن مسار المحادثات التي تتم تحت رعاية برناردينو ليون، يعد بمثابة فرصة أخيرة أمام الفرقاء لتفادي تفكك الدولة الليبية، وهو ما جعله يطالب الفرقاء الليبيين إلى تحمّل مسؤولياتهم والقبول بأرضية توافقية لإنهاء حالة الانسداد التي آلت إليها جولات المفاوضات بينهم. وكانت الإشارة واضحة إلى التحفظات التي أبداها برلمان طبرق الموالي لحكومة عبد الله الثني، وقوات الجنرال خليفة حفتر، وهو ما أخّر قبول الأطراف بنص رابع مسودة اتفاق التي صاغها الدبلوماسي الاسباني برناردينو ليون. وتعددت لقاءات هذا الأخير مع الفرقاء الليبيين من عاصمة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر دون أن يتمكن من وضع يده على موضع الداء الليبي الذي يحصد يوميا مئات الليبيين. ورغم محاولته اللعب على مشاعر قادة الفصائل والمليشيات المشاركة في هذه المفاوضات بدعوتهم إلى التوقيع على مسودة الاتفاق بمناسبة أول يوم من شهر رمضان الفضيل في 17 جوان القادم، إلا أن كل المؤشرات توحي أن ذلك غير ممكن في ظل حسابات الفرقاء التي لم يعد يهمها لا شهر رمضان، ولا عيد الفطر بقدر ما يهمها المحافظة على مصالحها وامتيازاتها في مشهد ليبي طغت عليه قتامة الأوضاع الأمنية. وأبدى برلمان طبرق منذ البداية تحفظاته على تشكيلة "المجلس الأعلى للأمن" الذي اقترحه ليون، بعد أن منح 90 مقعدا لنواب المؤتمر الوطني العام، أو ما يعرف ببرلمان العاصمة طرابلس من مجموع 120 مقعدا التي تتشكل منها هذه الهيئة الأمنية. ورفض فرج أبو هاشم، الناطق باسم برلمان طبرق نص المسودة الرابعة المقدمة من طرف الوسيط الاممي وقال إنها تستثني هيئته من المشاورات وإعطائها أولوية لبرلمان طرابلس. وهو ما جعل مصادر دبلوماسية ألمانية تبدي تشاؤما بإمكانية التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء الليبيين. ورغم أن لقاء برلين جاء متزامنا مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، على مدينة سرت ومنها على أهم موانئ تصدير النفط، ووضع قدم له على طريق مدينة مصراتة قبل العاصمة طرابلس الواقعة على بعد 450 كلم فقط، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإقناع قيادات الفصائل الليبية المتحاورة رغم أن هذه التطورات تعنيها قبل غيرها وتضعها أمام حقيقة وضع ميداني قد يعصف بها جميعا. ولا يستبعد أن يكون عقد لقاء برلين جاء على خلفية هذه التطورات التي دقت ناقوس الخطر في مختلف العواصم الأوروبية بعد أن أصبح خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على بعد مئات الأميال البحرية فقط من الضفة الشمالية للبحر المتوسط. وكان لتنامي الهجرة السرية في الأسابيع الأخيرة باتجاه ايطاليا واليونان انطلاقا من الشواطئ الليبية بمثابة إنذار مبكر لعواصم هذه الدول التي لم تستبعد وصول عناصر إرهابية ضمن رحلات الموت بين ضفتي المتوسط وتهديد مصالحها في عقر دارها.