يبدو أن مرور عشرين عاما على المجازر التي اقترفها صرب البوسنة، ضد السكان المسلمين بمدينة سريبرنيتشا البوسنية لم تكن كافية لمحو أثار الجرح الغائر الذي خلفته صور تلك المذابح في مخلية من عايشوها لفظاعتها وبشاعة ما اقترفه مجرمو الحرب الصرب ضد مدنيين أبرياء ذنبهم أنهم مسلمون. وتأكد ذلك أمس، في مراسم أقيمت لإحياء تلك الذكرى المأساوية عندما رفع آلاف البوسنيين الذين أبوا إلا أن يستعيدوا تلك الذكرى شعارات العداء للصرب ووصل الأمر الى حد رشق الوزير الأول الصربي ألكسندر فيسيتش، الذي أصيب برشق في رأسه عندما شارك في مراسم إحياء تلك الذكرى المأساوية. واضطر فيسيتش، الى مغادرة الاحتفالية التي أقامتها السلطات البوسنية تخليدا لتلك المجزرة بمناسبة مرور عشرين عاما منذ اقترافها. ويتوقع أن تتحول هذه الحادثة الى أزمة دبلوماسية بين صربيا والبوسنة عندما اعتبرت وزيرة الخارجية الصربية، في أول رد فعل على حادثة الرشق أن ما تعرض له الوزير الأول "تعد على صربيا". وأضافت افيتشا داسيتش، أن الوزير الأول تصرف بصفته رجل دولة عندما قرر الانحناء أما أرواح ضحايا تلك المجزرة، وهو ما نعتبره هجوما ليس على شخص فسيتش وإنما هجوم على صربيا وعلى سياسة السلم والتعاون الجهوي التي تسعى لإقامتها. ولكن الوزير الأول أصدر بيانا بعد هذه التصريحات وقال إن يده تبقى ممدودة باتجاه كل شعوب منطقة البلقان من أجل بناء علاقات ثقة جديدة تطوي صفحة التشنج والحروب التي طبعتها تسعينيات القرن الماضي. وتجمع أمس، عشرات آلاف البوسنيين في قلب مدينة سريبرنيتشا في أجواء خيم عليها الحزن عندما استذكر الحاضرون أرواح 8 آلاف بوسني حصدتهم آلة حرب صربية عنصرية في خضم حرب البلقان نهاية القرن الماضي، ضمن أبشع عملية إبادة تعرفها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. واعترفت السلطات الصربية بهذه الجريمة، حيث استنكر الوزير الأول الكسندر فيستش، قبل توجهه الى سريبرنيتشا هذه الجريمة النكراء دون أن ينعت ما حدث ب«الإبادة" وهي العبارة التي استعملها الرئيس الامريكي باراك اوباما، عندما وصف ما حدث في هذه المدينة البوسنية بجريمة "إبادة سريبرنيتشا" ويطالب البوسنيين على نعتها بذلك أيضا. ومازال الناجون من تلك المجزرة يتذكرون حيثيات تلك المذبحة التي استهدفتهم يوم 11 جويلية 1995، بهذه المدينة رغم أنها كانت خاضعة لسلطة قوات القبعات الزرق الهولندية، دون أن يمنع ذلك مليشيات صرب البوسنة من اقتراف جريمتهم ضد الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ البوسنيين دون تمييز ودون شفقة ذنبهم الوحيد أنهم مسلمون. يذكر أن حرب البوسنة التي امتدت فظائعها بين سنتي 1992 و1995 خلّفت إبادة 100 ألف شخص وتهجير أكثر من 2 مليون آخرين في أكبر حرب تعرفها القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.