استيقظ أفراد الأسرة على أصوات أواني المنزل التي كانت وكأنها تضرب ببعضها البعض، كان صوتها جد مزعج يعصف بطبلة الأذن، كما سمعوا أيضا إيقاعا جميلا كان يأتي من المطبخ وكأنه صوت دربوكة حديدية، خرجت الخالة زهور من غرفتها وتبعها العم حمدان فوجدا كل أبنائهما أمام باب المطبخ... كانوا ينظرون من فتحة الباب ويتابعون ما يجري، تقدم منهم والدهم وراح ينقر أولاده الواحد تلو الآخر على رأسه ليفسحوا له المجال... وابتعدوا عن الباب وتمكن هو من رؤية ما كان يجري داخل المطبخ، لقد كانت الجدة تحضر طعام السحور، وكانت من حين لآخر تجلس على الارض وبيدها قدر متوسط الحجم تضعه على حجرها، وبعد أن تعتدل في الجلوس وتشرع في »التطبال« بواسطة ذلك القدر، ضحك العم حمدان وابتعد عن الباب ليعوضه أولاده الذين كانوا يتدافعون حتى يتمكن كل واحد منهم من رؤية الجدة وهي في عز فرحتها. توقفت الجدة عن قرع القدر واقتربت من الباب وفتحته لتجد كل أحفادها ذكورا وإناثا رفقة والديهم فأدركت أنهم كانوا يتجسسون عليها من فتحة الباب، فعادت إلى المطبخ وهي تدير رأسها ذات اليمين وذات الشمال، ثم عادت إليهم وهي تحمل بيدها »غراف« وأخذت تنقر أحفادها على رؤوسهم وكادت أن تنقر رأس عمي حمدان الذي كان يضحك عليها، إلا أنها تراجعت في آخر لحظة وعادت لتكمل تحضيرها للطعام وأغلقت عليها الباب بالمفتاح. بعد إتمامها لتحضير مائدة السحور، عادت إليهم وطلبت منهم أن يصطفوا في صف غير معوج، ففعل الأحفاد، إلا أن العم حمدان لم يدخل الصف وهم بدخول المطبخ لكن حماته كانت له بالمرصاد إذ وقفت على عتبة الباب ومنعت زوج ابنتها من الدخول واضعة ذراعها في طريقه، غضب صاحبنا من تصرف حماته التي قامت بإدخال أحفادها الواحد تلو الآخر، بينما دخل هو وزوجته في الأخير. في الصباح الباكر خرج العم حمدان كعادته إلى العمل، كانت الحركة في الشارع غريبة إذ كانت جد قليلة فتعجب صاحبنا وتابع طريقه إلى محطة القطار، وهناك راح ينتظر قدوم القطار الذي تأخر كثيرا عن موعده وعندما سأل رئيس المحطة عن سبب تأخره، أجابه قائلا: »اليوم هناك الحد الأدنى من الخدمات لأن اليوم يوم الجمعة... يوم عطلة.. ألا تعلم ذلك وأنت حياتك كلها في القطار«. جحظت عينا العم حمدان وعاد إلى منزله وهو متعب، نام بعض الوقت ثم خرج إلى السوق ليشتري بعض الخضر والفواكه والحلويات والمكسرات أيضا، ثم عاد إلى بيته ليجد شقيق زوجته، فرح العم حمدان لأنه يعلم أن شقيق زوجته جاء ليأخذ حماته التي كانت سعيدة من جهتها بنزع الجبس عن رجلها، وقد تجلت سعادتها وقت السحور عندما كانت »تطبل على القدر«، بعد أذان المغرب التف الجميع حول مائدة الإفطار وكان شقيق الخالة زهور- كعادته - يأكل بسرعة وبطريقة فوضوية فأخذ العم حمدان صحنه وذهب إلى المطبخ ليكمل الأكل بعيدا عن أخ الخالة زهور الذي كان يحدث صوتا مزعجا وهو يحتسي »الشربة«. بعد السهرة حضرت الجدة نفسها للعودة إلى بيتها وبعد أن ودعها الجميع قالت لهم »سأعود قريبا« فامتقع وجه صاحبنا، خرجت الجدة رفقة ابنها وخرج معهما العم حمدان لإسناد حماته خوفا من أن تسقط مرة أخرى كما حدث معها في المرة الماضية. بعد ذهاب الجدة عاد العم حمدان إلى بيته ومع أنه كان »كالقط والفأر مع حماته« إلا أنه أحس بالفراغ الذي خلفته بعد ذهابها.