يشكل شهر رمضان المعظم مصدر رزق هام بالنسبة للعديد من العائلات الجزائرية، حيث تتحول معظم البيوت إلى ورشات صغيرة تختص في صناعة العجائن التقليدية، فزيادة الطلب على تلك المنتجات فرصة للنساء الماكثات في البيت لخلق نشاط موسمي ينافس بشدة المختصين فيه على مدار السنة، وصناعة مختلف العجائن التقليدية من "الديول"، "القطايف" والكسكسي المفتول في البيت وغيرها من الحلويات التقليدية التي لا تزال تفرض نفسها في السهرات الليلية الرمضانية. مع اقتراب الشهر الفضيل، تتحول الأحياء الشعبية إلى سوق مفتوحة تعرض فيها التجارة الموسمية التي تختلف باختلاف الحاجة، الطلب، وكذا النشاط المحترف فيه، ومن أهم محتكري الأرصفة في هذه الأيام التي تسبق الشهر الكريم، باعة المعجنات التقليدية التي تعتبر طاولاتهم ملاذ الباحثات عن الأكلات التقليدية، هروبا من المنتجات الصناعية التي تغيب فيها "البنة". حول هذا الموضوع، انتقلت "المساء" إلى أشهر الشوارع العاصمية التي تتميز بعرضها بشكل لافت لهذه السلع، سوق ساحة الشهداء أو ما يعرف عند النساء ب«القواص"، شارع بطوله تصطف فيه طاولات التجار، يختص كل واحد في نشاط معين، يرتبط عدد منها بشهر رمضان دون غيره من أشهر السنة، أنشطة تسترزق منها الأسر العاصمية على غرار باقي الأسر الجزائرية ولا يمكن أن تخلو موائد الصائمين من منتجاتها. خلال جولتنا في الشوارع، وقفنا شاهدين على الإقبال اللافت للعدد الكبير من المواطنين على طاولات بيع العجائن التقليدية. وبإقبال تدريجي على تلك السلع، انطلق المواطنون في اقتناء أوراق "الديول"، في البداية استغربنا للأمر، إلا أن أحد التجار فسر لنا المشهد قائلا: "نظرا للسرعة التي يتميز بها الوقت الحاضر، باتت السيدات يفضلن اقتناء "الديول" قبل أيام من حلول شهر رمضان وتسليمها لمن اختصصن في تحضير حشوة "البوراك" سواء باللحم المفروم أو الدجاج أو الأجبان، ومنه ترتيبه داخل علب أو أكياس خاصة في الثلاجة وتجميده إلى حين حلول شهر رمضان، وما عليهن سوى إخراج الحبات التي يردن قليها قبل دقائق من آذان المغرب، وبذلك يقتصدن الجهد والوقت، لاسيما أن السيدات في هذه السنوات الأخيرة يشتكين من التعب بسبب درجات الحرارة المرتفعة. تحولت حواف الشوارع وزوايا ذلك الحي الشعبي ومدخل المسجد الكبير "كتشاوة"، والساحات العمومية وأرصفة الطرق إلى طاولات متنقلة تعرض فيها شتى أصناف ما تبدعه النساء داخل بيوتهن بمشاركة أزواجهن وأطفالهن الذين يتولون عملية البيع والترويج، وكذا توفير المادة الأولية في آخر اليوم من جهة أخرى، لتحضير الكمية اللازمة من تلك المعجنات لليوم الموالي. ومن العادات التي تسبق الشهر الكريم واللافتة للأنظار؛ بيع الحلويات التقليدية ك«المقروط"، "قريوش"، "حلوة الطابع"، "التاج" و«الغريبية" التي يرتبها تجارها في صينيات كبيرة، تفوح منها رائحة ماء الزهر وماء الورد، والفانيليا الشهية التي تغريهن وتدفعهن إلى شرائها، خاصة أن كل قضمة تعود بهن لأيام زمان حين كانت تحضرها الجدات في البيوت بعيدا عن المكونات الصناعية والملونات الغذائية والمواد الحافظة. سفيان أحد الباعة المختصين في بيع تلك العجائن التقليدية على مدار السنة، أوضح لنا أنه يعتمد على طلبيات يقدمها لأرملة ماكثة في البيت، يطلب منها تحضير كمية محددة ويتقاسمان هامش الربح في آخر الأسبوع، مشيرا إلى أن هذه التجارة تذر عليه مالا محترما يمكن وصفه بمدخول شهري نظرا للإقبال على تلك السلع على مدار السنة، وفيما يخص شهر رمضان، فهو بمثابة منحة سنوية نظرا للأرباح الجيدة خلاله، يقول محدثنا.