رسم مجلس الوزراء الأخير أولويات خارطة طريق الحكومة الجديدة لاستكمال تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وحددها في 14 مجالا موزعا على 4 محاور كبرى، تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنمية البشرية، مع تبيانه لمعالم الآليات الأساسية التي سيعتمد عليها لتنفيذ هذه الأولويات، من أبرزها الاستغلال الجيد لكل الإمكانيات والموارد المتاحة والاستمرار في ترشيد الإنفاق العمومي وتنويع موارد التمويل دون اللجوء للاستدانة الخارجية. حدد الرئيس بوتفليقة من خلال التعليمات التي أسداها لأعضاء الحكومة الجديدة، في أول اجتماع لمجلس وزراء يعقده مع أعضائها بعد تعيينها في 25 ماي المنصرم، المحاور الأساسية التي سيتم التركيز عليها في تطبيق خطة العمل الرامية إلى تسريع وتيرة تنفيذ ما تبقى من برنامج رئيس الجمهورية، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأرفق موافقته على الأولويات التي حملها برنامج الحكومة في المرحلة القادمة، بتوجيهات صارمة رسم من خلالها منهجية العمل والآليات التي ينبغي اعتمادها لإنجاح تجسيد هذا البرنامج والذي تم ضبط أولوياته في أربع محاور رئيسية تشمل، المحو السياسي، المحور الاقتصادي والمالي، محور خاص بالتنمية البشرية وكذا المحور الاجتماعي. تعزيز الحكم الراشد ودولة القانون والحريات والديمقراطية.. تشكل مجالات تعزيز دولة الحق والقانون ودعم الحريات والديمقراطية أبرز المبادئ التي يركز عليها المحور السياسي في مخطط عمل حكومة تبون، المقرر عرضه على البرلمان بحر هذا الأسبوع. كما شملت أولويات جهود الحكومة ضمن هذا الشق أيضا، مواصلة العمل على تعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على الذاكرة، وذلك استكمالا لكافة المساعي التي باشرنها الجزائر منذ تولي الرئيس بوتفليقة سدة الحكم في أفريل 1999 في مجال دعم الأمن والسلم وقيم المصالحة الوطنية والحفاظ على الاستقرار وعلى وحدة الشعب والبلاد. من هذا المنطلق، فإن حكومة عبد المجيد تبون، ستركز جهودها في الفترة القادمة على مواصلة تنفيذ ما تبقى من إجراءات متصلة بمجال إصلاح العدالة، وتقوية دور القضاء وإرساء دعائم استقلاليته، تكريسا لمبادئ دولة الحق والقانون والتي قطعت أشواطا معتبرة في السنوات الأخيرة في سياق مسعى تعميق الاصلاحات السياسية، الذي شمل مراجعة وإثراء العديد من النصوص التشريعية الهادفة، إلى تعزيز الحقوق الأساسية للمواطن ودعم الحريات وأنسنة دور القضاء مع تقوية دوره في مجال دعم حقوق الإنسان. وتوج مسعى الإصلاحات السياسية الذي حرص الرئيس بوتفليقة على تعميقها، بتعديل دستور في فيفري 2016، كمحطة محورية من محطات تعزيز الديمقراطية والحريات في الجزائر، بإدخاله تعزيزات هامة في الممارسة الديمقراطية، لا سيما عبر تدعيم حقوق المعارضة السياسية وتمكينها من الوسائل التي تسمح لها من أداء دور أكثر فاعلية، فضلا عن تكريسه لواجب الدولة والمجتمع في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، وتكريسها للبعد الأمازيغي للهوية الجزائرية، مع الإشارة إلى أن ورشات عديدة تم فتحها في إطار تجسيد روح الدستور الجديد، ستعمل الحكومة على استكمالها خلال الفترة القادمة. ترقية الاستثمار وعصرنة المالية وتثمين الموارد الوطنية حددت خطة عمل الحكومة في شقها الاقتصادي والمالي ثلاثة مجالات رئيسية، ستتركز عليها جهود الجهاز التنفيذي في الفترة المقبلة، وتشمل عصرنة المالية العمومية والمنظومة المصرفية، تطهير الفضاء الاقتصادي وترقية الاستثمار وكذا تثمين سائر ثروات البلاد. وتتساوق هذه الأولويات التي وافق عليها رئيس الجمهورية مع الأهداف سياسة التحول الاقتصادي التي يتوخى منها تجاوز مرحلة الأزمة المترتبة عن تراجع أسعار المحروقات في السوق الدولية، وإرساء اقتصاد قوي وتنافسي قائم على تعدد الموارد في مرحلة قادم. كما يتوخى من مساعي التحكم في المالية العمومية الحفاظ على التوازنات الكبرى للمالية في سياق التراجع الحاد لمداخيل البلاد، مع مواصلة تنفيذ سياسة ترشيد الميزانية المصادق عليها في 2016 في إطار مخطط النمو الجديد الذي يمتد إلى آفاق 2019. وتفاديا لانعكاسات سياسة الترشيد على برامج الاستثمارات العمومية، دعا الرئيس بوتفليقة الحكومة إلى تحسين مناخ الأعمال وترقية التمويلات الداخلية غير التقليدية التي يمكن حشدها خلال سنوات الانتقال المالي وتفادي اللجوء إلى الاستدانة الخارجية حفاظا على السيادة الاقتصادية للبلاد. كما كلف رئيس الدولة الحكومة بمواصلة العمل على تثمين أكبر لكافة الموارد الوطنية المتاحة واستغلال كل الثروات التي تزخر بها البلاد، بما في ذلك المحروقات الأحفورية التقليدية وغير التقليدية والطاقات المتجددة. ويرتقب أن يعرف مجال استغلال الطاقات المتجددة حركية أكبر في المرحلة القادمة، بعد أن تم استحداث وزارة تتولى تسيير هذا الفرع الهام ذي الابعاد الصناعية والتكنولوجية والبيئية، واستعداد وزارة الطاقة لاطلاق أحد أبرز المشاريع الهامة المسجلة في برنامج تنمية الطاقات المتجددة الممتد إلى 2030، والمتمثل في مشروع «أطلس 1» الذي يتضمن انجاز محطات للطاقة الشمسية والكهروضوئية بطاقة 4050 ميغاواط. تحسين الإطار المعيشي وترقية التعليم وعصرنة منظومة الصحة يضع مخطط عمل الحكومة الجديدة ضمن أولوياته في مجال تنمية الموارد البشرية، مواصلة الجهود الرمية على تحسين الإطار المعيشي للمواطن، عبر الحفاظ على القدرة الشرائية، وضمان المراقبة الصارمة لتموين السوق بالمواد الأساسية ومنع المضاربة والتلاعب بالأسعار. كما تتضمن قائمة أولويات الجهاز التنفيذي في هذا الشق أيضا، مواصلة سياسة الدولة في توفير السكن اللائق للمواطن وضمان استفادته من موارد الطاقة كالكهرباء والغاز والماء وكذا من بيئة نظيفة وصحية، علاوة على مواصلة جهود تحسين أداء المنظومة الوطنية للتعليم والتكوين وتثمين البحث العلمي وكذا عصرنة المنظومة الوطنية للصحة. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن من أهم المشاريع التي تنتظر طريقها للتجسيد خلال الفترة القادمة من عمل الحكومة الجديدة، مشروع قانون الصحة الجديد، الذي تعطل استصداره، بسبب عدم توافق الرؤى بين الوزارة الوصية والشركاء المهنيين والاجتماعيين، الأمر الذي دفع إلى تأجيل تمرير هذا المشروع وفتح نقاش معمق حوله مع نقابات القطاع من أجل إثرائه. ترقية التشغيل والحفاظ على منظومتي الضمان والتضامن أولويات برنامج حكومة تبون في شقها الاجتماعي، جاءت مكرسة لمبدأ حفاظ الدولة على طابعها الاجتماعي التضامني، حيث حملت أولوياته الحفاظ على المنظومة الوطنية لضمان الاجتماعي والتقاعد وهذا بالرغم من الأزمة العصيبة التي تمر بها منظومة التقاعد والتي دفعت إلى الاستغناء عن النظام الاستثنائي للتقاعد المعتمد منذ 1997. كما يندرج ضمن الأولويات الاجتماعية لبرنامج الحكومة، العمل على ترقية التشغيل وتعزيز آليات التضامن الوطني ومواصلة التكفل بالطبقات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخاصة. وتأكيدا على قداسة هذه الأولويات، جدد رئيس الجمهورية في تعقيبه على هذا المحور التأكيد على أن الخيارات الوطنية في مجال العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني لا رجعة فيها، داعيا أعضاء الحكومة إلى العمل على ترشيد أكبر لهذه السياسة الاجتماعية لاسيما من خلال استهداف أفضل لمستحقي المساعدات العمومية. كما ناشد الرئيس بوتفليقة الحكومة على ضمان الانسجام والتضامن التام بين أعضائها، واعتماد سياسة اتصال ناجعة نحو الرأي العام والتشاور المتواصل مع الشركاء من منظمات أرباب العمل وكذا النقابات.