التقى نقيضا الأزمة الليبية، فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني وخليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي وجها لوجه، أمس، في أحد القصور الرئاسية الفرنسية بحضور الرئيس ايمانويل ماكرون، ضمن أول خطوة لإزالة أسباب الخلاف بينهما والبدء في توحيد هيئات الدولة الليبية المشتتة بين العاصمة طرابلس ومدن بنغازي وطبرق. والتقى الرئيس الفرنسي قبل ذلك على انفراد مع كل منهما تمهيدا لإجلاسهما جنبا إلى جنب بحضور المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، ووزير الخارجية الفرنسي، جون ايف لودريان. وحيا الرئيس الفرنسي في ختام هذا الاجتماع، أمس، ما وصفه ب»الشجاعة التاريخية» لفرقاء الأزمة الليبية في تلميح إلى موافقتهما على بيان مشترك حددا من خلاله نقاط الخروج من الطريق المسدود الذي آل إليه الوضع العام في ليبيا. وكشف ماكرون على توصل الجانبين إلى اتفاق حول مسار انتخابي ربيع العام القادم. وحسب تسريبات أولية حول نتائج الوساطة الفرنسية فإن السراج وحفتر سيصدران بيانا ختاميا حول نتائج اجتماعهما، حيث سيوجهان نداء باتجاه كل الفرقاء الليبيين لوقف إطلاق النار دون أن يشمل ذلك مسألة محاربة الإرهاب والدعوة إلى تنظيم انتخابات عامة ورئاسية لإخراج ليبيا من الفوضى الأمنية والسياسية التي تتخبط فيها منذ أكثر من ست سنوات. وأكد الجانبان أن تنظيم هذه الانتخابات يبقى من الأولويات لوضع حد للمآل الذي انتهى إليه الوضع في ليبيا ولكنهما لم يضعا تاريخا معينا لذلك واكتفيا بالإشارة إلى تنظيمها متى توفرت الظروف اللازمة لذلك. وحسب مضمون النص الأولي الذي جاء في عشر نقاط فقد اتفق الجانبان على أن الحل السياسي يبقى الطريق الأوحد لإخراج ليبيا من أزمتها في نفس الوقت الذي اعتبرا فيه الاتفاق الاممي حول ليبيا نهاية سنة 2015 قاعدة للتسوية النهائية. كما دعا البيان الأولي لمشروع الاتفاق كل المليشيات المسلحة والمقاتلين إلى تسليم أسلحتهم وتأسيس جيش ليبي نظامي ووضع الأسس لبناء دولة مؤسسات يتم فيها احترام حقوق الإنسان. وحسب متتبعين فإن لقاء العاصمة الفرنسية حمل بصمة وزير الخارجية الفرنسي، جون ايف لودريان، الذي استغل مهامه السابقة في الحكومة الفرنسية السابقة كوزير للدفاع ويكون قد استغل كل معطيات الوضع الميداني في ليبيا ليقنع الرئيس ماكرون بضرورة إشراك خليفة حفتر الذي احتفظ لنفسه بأوراق رابحة في المعادلة الليبية وبقي رقما لا يمكن القفز عليه في أية ترتيبات سياسية وعسكرية في ليبيا. بل إن فرنسا تعاملت مع حفتر بعد أن تسربت معلومات حول وجود رجال مخابرات فرنسيين في المستنقع الليبي قبل أن يخرج ذلك للعلن بعد مقتل ثلاثة من بينهم في عملية عسكرية. ويطرح التساؤل الآن حول حظوظ تجسيد هذا الاتفاق على أرض الواقع بالنظر إلى التعقيدات التي يعرفها الوضع العام في ليبيا وبدليل فشل لقائين مماثلين بين الرجلين العام الماضي بوساطة إماراتية. ويبدو أن السلطات الفرنسية لم تستبعد مثل هذا الاحتمال وأكدت أن اللقاء بين طرفي نقيض الأزمة الليبية يعد في حد ذاته إشارة قوية وخطوة على طريق إنهاء المعضلة الليبية. وأثار التحرك الفرنسي الانفرادي حفيظة إيطاليا الدولة المستعمرة السابقة لليبيا والتي رأت في ذلك رغبة فرنسية في زحزحة مكانتها في بلد بقي على علاقات وطيدة منذ استقلاله. ولم يخف وزير الخارجية الايطالي، انجيلينو الفانو، تذمر بلاده من وجود العديد من التحركات والوساطات والمبادرات ليؤكد على حرص بلاده على ضرورة توحيد الجهود حول المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة. وهي رسالة قوية من روما باتجاه باريس وتحذير لها من أن أية ترتيبات سياسية في مستعمرتها السابقة يجب أن تحظى بتزكيتها.