عندما تصل المواعيد الانتخابية، تزداد حدة الانتقادات ويرتفع ترمومتر تبادل التهم بين المواطنين والمنتخبين، فكلّ يجر النار على قرص، وكل طرف يحمّل الآخر مسؤولية التقصير، لكن في الأخير تكون الغلبة للمواطنين، مهما بررها أعضاء المجلس، لأن النقائص حتى ولو اجتهد المنتخبون- لا يمكن إزالتها بصفة نهائية. «المساء» وقفت على طرفي هذه المعادلة، من خلال هذا الاستطلاع ببلدية برج الكيفان ذات المساحة الكبيرة والكثافة السكانية المرتفعة، التي تقابلها إمكانيات هزيلة، تنتظر أن يكون النهوض بتنميتها المحلية واستدراك جملة النقائص بها، عن طريق وصفة تسيير تشاركي وشفاف يُخرِج المنتخبين من «قوقعاتهم» المكتبية ويوفر لهم الإمكانيات، حتى لا يبقى مجال للأعذار والتراشق بالانتقادات. لمست «المساء»هذا الواقع، عند زيارتها لعدة أحياء ببرج الكيفان، منها درقانة، اسطنبول، موحوس، الباخرة المحطمة وغيرها، وكنا في كل محطة نجد نفس الانتقادات، لكن للأسف لم نجد مقترحات أو مشاريع مبادرات محلية تؤسس لثقافة حضرية، تكون صمام تسيير تشاركي راشد. مشاريع جوارية خففت المشاق ونقائص تنتظر التكفّل لم يخفِ سكان حي «اسطنبول 3» بأن بعض المشاريع الجوارية غيرت وجه المنطقة وأزالت العديد من المشاكل التي كان يتخبّط فيها السكان، ويتعلق الأمر بالمسالك التي كانت غير معبدة، مما يعقّد وضعية السكان خاصة في الصيف، عندما تتشكل برك المياه وتكاد تنقطع حركة تنقلهم. أما في الصيف فتتحول إلى مصدر للغبار والتلوث البيئي، وفي هذا السياق، أكد ل»المساء» نائب رئيس جمعية «حي اسطنبول 3» (أحمد.ي)، أن المسالك الثلاثة المؤدية نحو الطريق الوطني رقم 24 أصبحت في حالة جيدة وتمّ التزويد بالإنارة العمومية والتكفل بنظافة المحيط. كما تم القضاء على مشكل قنوات الصرف الصحي بشكل نهائي، وخفف الاكتظاظ بالمدارس نوعا ما، لكن المشكل باق يقول محدثنا- في قنوات صرف مياه الأمطار التي تم إنجازها بشكل زاد من مخاطر الفيضانات، حيث تم وضع قنوات ضيقة تأتيها مياه الأمطار من ثلاثة أحياء، بالتالي صارت لا تستوعب الحجم الكبير من المياه المتدفقة، فتفيض في كل مرة وتطفو إلى السطح، وتتسبب في قطع الحركة وتتسرب على المساكن. مشيرا إلى أن جمعية الحي نبهت إلى ذلك، وراسلت مصالح البلدية والري، لكن إلى حد الآن لم يحل المشكل. وبنفس الحي وجدنا «عمي مصطفى» مجاهد ومتقاعد، حدّثنا عن سلبية المنتخبين الذين لم يزوروا الحي منذ انتخابهم، وتأسف عن كون مصالح البيئة والتعمير غائبة عن الساحة، وأطلعنا على كومات الردوم الموجودة في حيه، خاصة بالشاطئ الصخري، مشيرا إلى أنّ البلدية لم تكلف نفسها عناء رفعها، وظلت خلال هذه الفترة أكوام النفايات تتزايد، مما أخل بالمحيط، ولم يخف محدثّنا مشكل نقص النظافة، وغياب أعوان النظافة الذين - كما قال - لا يوجدون إلا بالأحياء التي يسكنها المنتخبون أو يمرون بها. في نفس السياق، ذكر لنا (حمود.ط، أستاذ متقاعد) أن ما لم يهضمه، هو أن الطريق المؤدي إلى شاطئ الباخرة المحطمة تمّ به غرس الأشجار ثلاث مرات متتالية، ليفسّر لنا بعدها بالقول؛ إنّ هذا المسلك يمر به الوالي والمسؤولون إلى الشاطئ وكذا الحصن التركي الموجود بالحي، ناسين في نفس الوقت المسالك الأخرى التي لا تزال تفتقر للأرصفة، حيث يجد أطفال المدارس صعوبة كبيرة في المشي نحو المؤسسة التربوية، على غرار مدرسة «الإخوة قرميط»، مما يشكل خطرا على حياة المتمدرسين. المنتخبون في سبات ولا تَواصُل مع المواطنين.. أما بحي درقانة، فذكر لنا بعض المواطنين أن المنتخبين بعد اعتلائهم لمناصب المسؤولية بالبلدية، يدخلون في عالمهم الخاص لتحقيق مآربهم الشخصية. أما بالنسبة لمصالح المواطنين، فهم في سبات عميق لا يستفيقون منه، إلا عند حلول مرحلة الترشيحات الجديدة وحملة الانتخابات، لمعاودة الكرة. ويستدل المواطن (رابح .ح) من الحي الدبلوماسي بدرقانة، وجدناه بمصلحة استخراج وثائق الحالة المدنية في مقر البلدية، على هذه الوضعية التسييرية بالقول بأن المجلس البلدي لا يهمه أمر المواطن، قائلا «تصوروا أن الفرع الإداري بدرقانة المجهز بالإعلام الآلي لا يقوم بشيء، لأن شبكة الربط بالأنترنت معطلة، مما يجبر المواطنين على التنقل لعدة كيلومترات نحو المقر المركزي للبلدية من أجل استخراج وثائهم الإدارية». ويضيف أنّ الحي يفتقر لعدة مرافق، منها السوق الجوارية التي لم تتوفر إلى حد الآن، ويكتفي سكان هذه المنطقة مترامية الأطراف باقتناء مستلزماتهم من لدن أصحاب الطاولات التي غزت الأرصفة والمساحات العمومية، دون أن تتمكن مصالح البلدية أو شرطة العمران وحماية البيئة من القضاء عليها، خاصة ما تعلق بالجانب البيئي، حيث لا تغادر العديدَ من الأحياء كوماتُ النفايات التي نجدها يقول محدثنا- منتشرة في كل مكان، رغم جهود مصالح النظافة التي تقوم برفع المخلفات في الصباح الباكر، لكن بعدها تعود الأمور إلى حالتها الأولى، بفعل التجار الفوضويين الذين لا يتورعون عن تلويث المحيط، وتركه في حالة يرثى لها، إلى جانب غياب ثقافة بيئية لدى المواطنين الذين لا يلتزمون بمواعيد إخراج النفايات، ولا يحترمون أماكن رميها. من جهته، يرى ممثّل حي ذراع القندول، أحمد بلولو، أنه لم يزر منذ الانتخابات المحلية الماضية أي عضو، حيهم أو تحدث إلى المواطنين، واستمع إلى انشغالاتهم، بل العجيب في الأمر أن هناك من لا يعرف اسم «المير» ولا أعضاء المجلس، لأنه بساطة لا توجد روح المسؤولية والتشاركية لدى المنتخبين المحليين الذين «لا نعرف ماذا يفعلون داخل مكاتبهم، ولا يظهرون إلا في المناسبات الترويجية والحملات الانتخابية»، يقول محدثنا، مشيرا إلى أنّ المنتخبين الذين لا يستطيعون ترميم مبنى الفرع الإداري بدرقانة الذي تتسرب من سقفه مياه الأمطار، وتجهيزاته الإلكترونية لا تشتغل، فاشلون على طول الخط، ودليل على أنّ مشاكل المواطنين هي آخر اهتماماتهم. عجز المجالس البلدية تتحمّله الدولة يفسر النائب محمد فاسي المكلّف بالاقتصاد والمالية، بقاء النقائص ماثلة في الميدان إلى عدة أسباب، أهمها فلسفة الدولة ونظرتها للمجالس البلدية، حيث تعتبرها كالابن القاصر لا يمكن له التصرّف بحرية والتسيير باستقلالية، مما أفرغ المجالس البلدية من محتواها «الشعبي» وصار محتواها «إداري فوقي»، لذلك يقول محدثنا- نجد أن البلديات مجرّدة من الحق في استغلال مقدراتها وإمكانياتها المادية والبشرية، وتنتظر فقط الميزانية التي قد لا تكفي لتسديد أجور عمال البلدية أو بعض الإعانات التي لا تغطي كل النفقات الأخرى، وتضع المجالس المنتخبة وفق هذه النظرة القاصرة في فوهة المدفع، لمواجهة انتقادات المواطنين التي لا تنتهي، بسبب ما يرونه من نقائص في أحيائهم وشوارعهم. يستدل السيد فاسي على طرحه هذا، بأن قانون البلدية يحمل في نصوصه مواد تشجع الاستثمار المحلي وتمكن البلديات من استغلال كل إمكانياتها وعقاراتها، لخلق نشاطات مدرة للثروة، مثلما تنص عليه المادة 174 التي جاء فيها أنه «يمكن للبلدية اللجوء إلى القرض لإنجاز مشاريع منتجة للمداخيل»، لكن المشكل في العبارة التي تليها «... تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم»، وهنا مربط الفرس، يقول محدثنا، لأن البلدية تبقى مكبلة ولا تستطيع أن تتقدم خطوة إلى الأمام، مادامت القوانين التطبيقية غير موجودة، معتبرا ذلك تناقضا لا يمكن إخفاؤه، ودعا النائبُ إلى التعجيل بتسهيل عملية الاستثمار لتحرير البلديات من العجز المالي ووضع حد للاتكال على ميزانية الدولة. الإمكانيات الموجودة لا تتناسب وحجم النقائص تساءل السيد فاسي بشأن الموارد المالية الشحيحة، قائلا «كيف بميزانية بلدية برج الكيفان لهذه السنة لا تتجاوز 68 مليار سنيتم، منها 54 مليار لتسديد الأجور، أن تكفي للتكفل بانشغالات مواطني البلدية التي يقطنها أزيد من 200 ألف نسمة، وأحياء بحجم بلديات»؟، والأغرب من ذلك، حسب المصدر، أنه في ولاية الجزائر حرمت البلديات من الاستفادة من الجباية المحصلة من الضريبة على النشاط المهني (TAP)، ومنحها للمؤسسات العمومية الولائية ذات الطابع الصناعي والتجاري (EPIC)، مقترحا إعادة هذه الجباية لصندوق البلدية، وفتح أبواب الاستثمار المحلي، مع توفير هيئات رقابية لضبط تسيير المال العام. من جهة أخرى، ذكر النائب المكلف بالبيئة وتهيئة المحيط، آيت احسن عمر، أن البلديات لا يمكنها أن تقوم بمهامها بدون إمكانيات مادية وبشرية، وبالنسبة لبلدية برج الكيفان ذات المساحة الكبيرة والكثافة السكانية المرتفعة، لا يمكن تغطية كل النقائص بها في مجال النظافة وتهيئة المحيط بميزانية هزيلة، وعدد قليل من العمال، لكن حسبه- رغم ذلك، تمكّنت البلدية من تخفيف الوطأة وإزالة العديد من النقاط السوداء، خاصة ما تعلّق برفع النفايات المنزلية والأخرى الهامدة والردوم، وأنه كنائب كان يستعمل كل الطرق لتوفير الإمكانيات المادية كالشاحنات والجرافات، واستغلال ما تسخره الولاية في مناسبات عديدة، لجعلها تخدم الصالح العام. وفي هذا السياق، أفاد السيد آيت احسن أنّه استطاع بمساهمة جمعيات المجتمع المدني والمواطنين ذوي الحس المدني، القضاء على أزيد من 10 نقاط سوداء، تتمثّل في كومات كبيرة بحجم «تِلال» من النفايات المكدّسة منذ سنوات، وتخليص الأراضي الزراعية والأحياء المجاورة من خطر التلوّث، لكن، يقول مصدرنا، يبقى المشكل دائما في تصرّفات المواطنين غير الحضرية، ودعانا النائب آيت احسن إلى إجراء استطلاع ميداني حول السلوكات التي يعتمدها المواطنون في التخلص من النفايات المنزلية، لاكتشاف الخلل الموجود في منظومة القيم لدى الإنسان، مضيفا في هذا الصدد أنّ شاحنات النظافة تقوم بدورياتها قبل طلوع الشمس وتنظّف الأحياء، لكن ما إن تصل الساعة العاشرة صباحا حتى يتعفن المحيط من جديد. وأوضح محدثنا أن الأمور يمكن حلها بالتحسيس والإمكانيات، وأن الردع والتغريم في هذه المرحلة غير ممكن، لأنه لا يمكن أن نجعل في كل حي أو شارع أو عمارة شرطيا لمراقبة المحيط.