يترقب العراقيون بشغف كبير معرفة ما إذا كانت النتائج النهائية للانتخابات العامة التي تمت أمس، ستؤدي إلى ظهور وجوه جديدة تحت قبة البرلمان العراقي بدلا من تلك التي احتكرت طيلة عقود مقاعده دون أن تأتي بأي جديد في حياة عامة العراقيين باستثناء تكريس الطائفية والعشائرية. كان قرابة 25 مليون ناخب عراقي أمس، على موعد مع انتخابات تشريعية تكتسي أهمية خاصة في تاريخ هذا البلد كونها تأتي بعد ثلاث سنوات من حرب مدمرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، وفي ظل رغبة ملحة لتحقيق تغيير سياسي حقيقي داخل الطبقة السياسية العراقية التي احتكرت المشهد السياسي في بلاد الرافدين منذ انهيار نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. واختلفت نسبة المشاركة في هذا الموعد الانتخابي حسب عمليات إحصاء أولية من محافظة إلى أخرى، حيث بلغت حوالي 40 بالمائة في إقليم كردستان ولم تتعد 19 بالمائة في محافظة البصرة في أقصى جنوب البلاد بينما بلغت ذروتها في مدينة الموصل في غربها على عكس العاصمة بغداد التي أكدت تقارير إعلامية أن مكاتب التصويت فيها لم تشهد ذلك الزخم الذي شهدته في الانتخابات الماضية. والملاحظة الايجابية في هذه الانتخابات النيابية أنها تمت دون قلاقل أمنية في تأكيد على تصريحات المسؤولين العراقيين بأنهم تمكنوا من تقويض الخطر الذي كان يشكله تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» دون أن يمنع ذلك الوزير الأول العراقي حيدر العبادي، من إعلان حالة الاستنفار الأمني في البلاد بتجنيد قرابة مليون رجل أمن لضمان إجراء هذا الموعد الانتخابي في ظروف عادية. ويختار العراقيون مرشحين لشغل مقاعد البرلمان العراقي ال 329 باعتماد النمط الانتخابي النسبي تنافست لأجلها 87 قائمة انتخابية مثلت كل المحافظاتالعراقية وكل الطوائف والعرقيات في برلمان يأمل العراقيون أن يجعلوا منه نموذجا للممارسة الديمقراطية وقطعا للطريق أمام دعاة الطائفية والزبائنية التي كرّست الرشوة في بلد أنهكته الحروب وصراعات القوى الإقليمية والدولية. ورغبة منهم في تحقيق التغيير المنشود فقد أكد عامة العراقيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية أنهم صوتوا أمس، لصالح قوائم مرشحين نزهاء لقطع الطريق أمام من أسموهم ب«أسماك قرش الرشوة» وعلى أمل تقديم الإضافة اللازمة لطي صفحة الحروب التي عاشها أحد أغنى البلدان العربية سواء من حيث مقدراته الطبيعية أو من حيث كفاءات البشرية. وأيضا من أجل إنقاذ العراق من استفحال النزعة الطائفية ومن الرشوة التي تنخر دواليب مؤسساته الرسمية، والتي كان للوجوه السياسية المعروفة في هذا البلد دورا في تكريسها في كل دواليب الإدارة والمؤسسات العمومية. ودخلت لأول مرة منذ عدة سنوات مختلف احزاب الطائفة الشيعية الموعد الانتخابي بشكل سارت على عكس الانتخابات السابقة بسبب صراع غير معلن بين قياداتها من أجل الفوز بالأغلبية النيابية التي تؤهلها لقيادة الحكومة العراقية الجديدة. وهو ما يفسر وجود خمس قوائم لأحزاب شيعية يتزعمها قائمة الوزير الأول الحالي حيدر العباديو وأخرى تزعمها الوزير الأول السابق نوري المالكي، الطامح هو الآخر للعودة إلى قيادة الحكومة العراقية وقائمة ثالثة قادها، هادي العامري الذي ترشح باسم الحشد الشعبي، وهي مليشيات شيعية مسلّحة تشكلت في خضم الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي. ويبقى خطر تشتت الناخبين قائما أيضا بالنسبة للأحزاب الكردية التي أكدت الكثير من التوقعات خسارتها لحوالي عشرة مقاعد نيابية من أصل 62 مقعدا التي حصدتها خلال الانتخابات الماضية، وجعلتها بمثابة الحكم بين الطائفتين الشيعية والسنّية. وهو المعطى الذي جعل نشروان بارزاني، الوزير الأول في هذا الإقليم يحث الناخبين الأكراد على الوحدة وعدم الذهاب إلى مقر البرلمان بصفوف مشتتة.