جاء تدخل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال مجلس الوزراء حول الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على بلادنا ليؤكد سداد الخيارات المتبناة في مواجهة الأزمات الظرفية، حيث حرص في عدة مناسبات على ضرورة تنويع الاقتصاد الوطني الذي لايزال يعتمد كلية على المحروقات. ولعل هذا الواقع ما دفع إلى اعتماد سياسة حذرة في ترشيد النفقات لاسيما منها نفقات التسيير ومحاربة تبذير الموارد، مع الدعوة إلى التعجيل بوتيرة النهوض باقتصاد متنوع، إلى جانب انتهاج تسيير عقلاني للمال العام، لاسيما بالتسديد المسبق للديون الخارجية وإيداع احتياطات الصرف وإنشاء صندوق لضبط إيرادات الجباية النفطية. ورغم أن الأزمة المالية العالمية لم يكن لها التأثير الكبير على الاقتصاد الوطني بشهادة العديد من الخبراء، إلا أن ذلك يفرض أخذ المزيد من الحيطة والحذر انطلاقا من ضرورة تبني رؤية بعيدة وغير آنية لاسيما وأن المؤشرات المالية للاقتصاد الوطني تحكمه أسعار البترول غير الثابتة والتي تتأرجح بين الارتفاع والانخفاض، ومن ثم التعايش مع اقتصاد غير مستقر إن لم نقل غير مضمون وهي النظرة التي أراد التذكير بها رئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء عندما دعا إلى التخلي عن وهم الوفرة المالية التي تبقى وفرة غير مضمونة، مع الالتفاف أكثر إلى العمل من أجل بناء اقتصاد متنوع، اقتصاد قادر على ضمان »إستمرار تنمية البلاد ورفاه العباد على المديين المتوسط والبعيد«. وتندرج هذه الرؤية أيضا في إطاراستخلاص دروس الماضي وتفادي أخطاء التسيير الارتجالي التي أوصلت الاقتصاد الوطني إلى نقطة الصفر، وأسفرت عن تراكم الديون، بالإضافة إلى تفشي مظاهر الرشوة والمحسوبية لاسيما على المستوى المصرفي والبنكي. ومن هنا جاء دفاع الرئيس بوتفليقة عن الخيارات المعتمدة باعتبارها ضرورية لمرافقة انتقال البلاد إلى اقتصاد متنوع ومنتج، من شأنه أن »يعزز التوافق الوطني حول ضرورة استمرار الدولة في الاضطلاع بدور هام لمرافقة تطور النمو وضمان العدالة الاجتماعية ومواصلة التحكم في القطاعات الاستراتيجية لاقتصادنا ولسد الطريق أمام كافة محاولات المضاربة على حساب مصالحنا الوطنية وعليه دعا إلى استكمال دراسات الإعداد للمشاريع قبل إطلاقها، وذلك تفاديا للمراجعة المستمرة للتكاليف والاهتمام أكثر بالتحفيزات اللازمة لتنمية الاقتصاد المنتج للسلع والخدمات توخيا لتنويع الاقتصاد وتوفير مناصب الشغل. هذه الرؤية يتبناها أيضا المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي حيث نبه في تقريره الأخير إلى أن الأزمة التي يعيشها الاقتصاد العالمي ومخاطر انعكاساتها على الاقتصاد الوطني على المديين القصير والمتوسط تستدعي وضع أجهزة رقابة واتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية، كضبط متغير الاستيراد للقضاء على الاختلال المسجل في ميزان المدفوعات، والحفاظ على توازن التجارة الخارجية للجزائر، وكذا ضبط تسيير ميزانية الدولة والتحويلات الاجتماعية التي تحتاج حسب التقرير إلى إعادة هيكلتها من أجل ضمان فعالية أكبر للنشاط الاجتماعي للدولة. وتأكيدا لفعالية الإجراءات المتخذة من قبل الدولة فقد أشار التقرير أيضا إلى أن الجزائر في مأمن من الصدمة الخارجية الناجمة عن الأزمة المالية الدولية، وذلك بسبب استراتيجية دفع الديون الخارجية التي اتبعتها، إلا أن الجزائر مدعومة لمجابهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي سبقت الأزمة المالية والتي مردها انخفاض معدلات النمو الاقتصادي بالتنويع الاقتصادي وبالخصوص بدعم النمو الحاصل في قطاعات البناء والأشغال العمومية والري والفلاحة والخدمات والسكن، والتي تسجل معدلات نمو مشجعة خلال السنوات الأخيرة.