يعود قرابة 8,5 مليون ناخب مالي اليوم، إلى مكاتب التصويت لحسم التنافس باتجاه قصر الرئاسة في العاصمة باماكو بين الرئيس المرشح إبراهيم أبو بكر كايتا، ومنافسه سومايلا سيسي، لقيادة البلاد خلال الخمس سنوات القادمة. واضطر الرئيس كايتا البالغ من العمر 73 عاما للدخول في دور ثان في هذه الانتخابات بعد أن عجز عن حسم التنافس في الدور الأول الذي جرى يوم 29 جويلية الماضي، بعد أن حصل على 41,70 بالمئة فقط من الأصوات في سابقة هي الأولى من نوعها لرئيس منتخب في مالي.وسيدخل الرئيس كايتا، السباق كما في سنة 2013 في مواجهة منافسه سومايلا سيسي، وزير المالية الأسبق البالغ من العمر 68 سنة والذي حل ثانيا في الدور الأول بعد أن حصل على 17,78 فقط من الأصوات. وبنظر الكثير من المتتبعين فإن إجراء هذا الدور سيكون شكليا بالنسبة للرئيس كايتا، إذا سلّمنا بالفارق الكبير الذي يفصله عن منافسه الذي عجز عن إقناع مرشحي المعارضة الذين خسروا الدور الأول من تشكيل جبهة موحدة للإطاحة بالرئيس إبراهيم أبو بكر كايتا، بمناسبة إجراء الدور الثاني. فقد رفض المرشح الثري آليو ديالو، والشيخ موديبو ديارا اللذان حلا ثالثا ورابعا على التوالي إعطاء توجيهات لأنصارهما بالتصويت لصالحه رغم اقتناعهما كما يقولان بوجود خروقات وحالات تزوير تمت لصالح الرئيس أبو بكر كايتا، بمناسبة إجراء انتخابات الدور الأول. وينتظر أن يواصل الرئيس كايتا، في حال تمكن من الفوز بعهدة رئاسية ثانية بداية من شهر سبتمبر القادم، إتمام نفس الورشات الضخمة التي بدأها خلال عهدته الأولى، ولكنه فشل في بعضها بل أن بعضها الآخر لم يتم الشروع في تحقيقها بسبب الوضع الأمني المتدهور وخاصة ورشة تحقيق المصالحة الوطنية وفق ما تضمنه اتفاق الجزائر لسنة 2015. وعجز الرئيس المرشح على تحقيقها في ظل استمرار الخلافات بين حكومته ومختلف فصائل التمرد الترقية الموقّعة على هذا الاتفاق الذي تمكن من إسكات لغة السلاح إلا أنه لم يتم تجسيده على أرض الواقع، من خلال التفاهم حول تشكيل هيئات ونظام إداري يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المناطق التي تقطنها أغلبية ترقية وخاصة في شمال البلاد. كما أن المعضلة الكبرى التي تنتظر الرئيس الجديد تبقى دون شك إشكالية استعادة الأمن المفقود بسبب عجز القوات النظامية وقوة دول الساحل الخمس والقوات الفرنسية وحتى الأممية في دحر عناصر مختلف التنظيمات الإرهابية التي استوطنت مناطق شاسعة في شمال هذا البلد، قبل أن توسع نطاق عملياتها إلى دول النيجر وبوركينا فاسو وصولا إلى دولتي تشاد ونيجيريا بعد اتفاق تنظيم "الدولة الإسلامية" وحركة "بوكو حرام" على تنسيق عملياتهما الإرهابية في المنطقة. وينتظر أن تكون العهدة القادمة أكثر تعقيدا من الأولى على اعتبار أن الرئيس المالي القادم سيجد نفسه تحت ضغط المجموعة الدولية، التي تصر على تطبيق بنود اتفاق المصالحة حتى يتسنى لها مساعدة الحكومة الجديدة في مهمة محاربة التنظيمات الإرهابية وتقويض نطاق انتشارها. وهي نفس الضغوط التي ستمارسها السلطات الفرنسية على الرئاسة الجديدة في باماكو بالنظر إلى الأعباء الكبيرة التي أصبحت تشكلها قوة بارخان المنتشرة في هذا البلد بتعداد قارب 5 آلاف عسكري، والتي فشلت في إتمام مهمة قوة "سيرفال" التي بادر بها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، منذ بداية مارس 2012 بعد أن اعتقد مخطئا أنه سيتمكن من احتواء الوضع في شمال مالي بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية عليها. وهي إشكالية استعصى إيجاد وصفة ناجعة لها تضاف إلى مهمة تحسين القدرات الاقتصادية لأحد أضعف الاقتصاديات في العالم، حيث يعيش أكثر من نصف سكان هذا البلد البالغ عددهم حوالي 18 مليون نسمة تحت عتبة الفقر.