تحوّلت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفضاء الأزرق" فايسبوك"، إلى وسيلة فعّالة لإبداء الآراء إيجابية كانت أو سلبية، حيث سمح لبعض الأشخاص بالتعبير عما بداخلهم بانتقاد موقف أو تثمينه، وهذا بالتفاعل عبر التعليقات بالأخذ والعطاء مع رواد الفضاء، لكن بالموازاة ظهرت فئة جديدة تتبنى من خلال تلك المواقع، أسلوب النقد غير البنّاء فقط، وتمارس السب والشتم بدون احترام الغير، وهذا ما دفع بالعديد إلى الامتناع عن التعاطي مع هذا النوع من المواقع؛ خوفا من الدخول في متاهة يستحيل الخروج منها. يُعد موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" وسيلة للتواصل والتعارف، حيث ألغى كل الحواجز بين القارات، وجعل من العالم قرية صغيرة، ينتشر الخبر من خلالها في كل جزء من الثانية، لتصل نفس المعلومة إلى أشخاص مختلفين عبر ربوع العالم. ويمكن من خلال "الفضاء الأزرق" الحصول على صفحة شخصية، ينشر فيها صاحبها ما يريد من صور وكتابات ومقاطع فيديو، تتيح رؤية منشوراته للآخرين، ما يجعل من هذا الفضاء سلاحا ذا حدين، يمكن استخدامه للنفع ونشر الخير وتطوير الذات والمجتمع، كما يمكن استخدامه لإفساد الفرد والمجتمع ونشر تعاليق سلبية، يبدي من خلالها الفرد رأيه المعارض لمختلف المواقف، إلى درجة أن البعض لا يبحث سوى عن سلبيات بعض المبادرات الحسنة، وينشر رأيه المعارض باستعمال تعابير تحمل من المعاني المهينة والكلام الذي يراد به الانتقاد بدون معنى. وسبق لكل مستعمل لأحد مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما "فايسبوك"، ملاحظة بعض التعاليق السلبية التي تحمل بعضها كلمات سب وشتم، ينتقد فيها شخص أفرادا لا تربطه بهم أي علاقة، وهو هجوم لا يسلم منه أحد، بهدف إبداء رأي معاكس، أو بكل بساطة إيذاء شخص بتوجيه وابل من الكلمات الجارحة له. غياب ثقافة الوعي الاجتماعي في هذا الخصوص، أشارت المختصة في علم الاجتماع راضية صايفي، إلى أن هناك فئة جديدة ظهرت في المجتمع الجزائري، وهي الفئة "المثقفة الجاهلة"، وهي طبقة خطيرة لها ثقافة أكاديمية لكن يغيب عنها الوعي الاجتماعي أو أحكام التعامل مع المحيطين بهم من المجتمع. وقالت إن هذه الفئة برزت كذلك من خلال تفاعلها السلبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا "فايسبوك"، حيث تجد ضالتها في السب والشتم، وإبداء آراء نقدية غير بنّاءة في كل كبيرة وصغيرة يتم مشاركتها في الفضاء الأزرق. وأكدت المختصة في معرض حديثها أن المجتمع منقسم إلى أربعة شرائح، أولها الطبقة المثقفة التي لديها رصيد ثقافي كبير إلى جانب الوعي الاجتماعي، تعرف كيفية التعامل مع الظروف التي تحيط بها، وتتميز بالتفكير الإيجابي، وتتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإلقاء معلومات هادفة ونافعة، أو تمارس أسلوب النقد البنّاء عند معارضتها موقفا معيّنا، وتستعمل أساليب راقية في الحديث، وتبتعد عن كل أسلوب لا يراعي قواعد الاحترام. وأضافت: "في حين هناك الطبقة الثانية وهي الطبقة الجاهلة، لكنّها "فاهمة" - على حد تعبير المتحدثة - ليس لديها أي شهادة أكاديمية، لكنّها تحسن التعامل مع الناس؛ لها أخلاق ومبادئ تحكم حياتها اليومية"، ثم تأتي التي وصفتها الخبيرة بالأكثر خطورة على المجتمع، وهي "المثقفة الجاهلة" التي تحمل شهادة أكاديمية، قد تصل إلى مستويات عليا، لكن يظل وعيها الاجتماعي محدودا؛ لا تراعي المبادئ والقيم في التعامل مع الناس، تجدها تبدي آراء سلبية، وتنتقد مواقف باستعمال السب والشتم بدون مراعاة أحكام التعامل. وتضيف راضية صايفي أن هذه الشريحة من المجتمع لا تأخذ من ذلك الفضاء مواقع للتثقيف والتربية، وإنما فقط مواقع للدردشة والانتقاد وأخذ توجهات سلبية بردود فعل دفاعية، مشيرة إلى أن البحث في هوية صاحب كل تعليق يحمل عبارات السب والشتم، يؤكد أنه ينتمي لإحدى الشريحتين الجاهلة أو المثقفة الجاهلة، التي تسير بدون منهجية أو مبادئ، سلوكها لا يراعي أي ضوابط، وللأسف تقول المتحدثة أن هذه الطبقة في تزايد مستمر، وهذا ما أدى إلى ظهور سلوكات لا تتماشى مع المستوى الثقافي أو الشهادة الأكاديمية التي يحملها. وأرجعت المختصة أسباب بروز تلك الشريحة إلى عوامل عديدة، أهمها الفراغ الذي قد يعيشونه، سواء بسبب البطالة أو غياب هدف محدد في الحياة، أو فقط بسبب نظرتهم السلبية للحياة، لهذا تجدهم يعطون أهمية لأنفسهم من خلال نقد الغير وإهانته حتى وإن كانت تلك السلوكات منبوذة لدى المجتمع، إلاّ أنهم يجدونها عادية، ويعبّرون عنها بأنها مجرد إبداء للرأي ولهم الحرية المطلقة في استعمال أي وسيلة للتعبير عن ذلك. وفي الأخير اقترحت الخبيرة صايفي حلا للظاهرة من المجتمع، وأوضحت أنه يمكن استغلال تلك الطاقة، ورد الاعتبار لها مثلما تقوم به بعض الدول الغربية، حيث يتم استغلال متعاطي الأنترنت في الاستشارة المتعلقة بعالم الأنترنت، إذ إن دراسات أثبتت أن هؤلاء من أكثر متتبعي المواقع، وتجدهم يشاركون في مختلف الصفحات بتعاليقهم، ويسجلون حضورا دائما ومستمرا، وبذلك يمكن استشارتهم لمتابعة أخبار أشهر الفنانين والكتّاب وغيرهم عبر تلك المواقع، وبذلك يتم امتصاص سلبيتهم، وتوجيهها نحو أشياء أكثر إيجابية وفعالية.